مع تسارع الخطى نحو استحقاق انتخابي جديد، تعود أنظار الساحة السياسية إلى مجلس الشيوخ المصري، الذي يتهيأ لإجراء انتخاباته الثانية منذ عودته للحياة التشريعية بموجب التعديلات الدستورية لعام 2019 وبينما ترتفع وتيرة الجدل داخل الأحزاب والدوائر السياسية حول خريطة التحالفات والمقاعد، تُلقي النصوص الدستورية والقانونية بظلها الحاسم على المشهد، لترسم بدقة ملامح الطريق إلى مجلس الشيوخ 2025.ولقد وضعت المادة 250 من الدستور الأساس الدستوري وترسم الإطار العام اذ تنص المادة المُعدلة عام 2019 على أن يُشكل مجلس الشيوخ من عدد من الأعضاء يُحدد بالقانون، على ألا يقل عن 180 عضوًا، يُنتخب ثلثاهم بالاقتراع العام السري المباشر، ويُعيّن رئيس الجمهورية الثلث الباقي ، وتبلغ مدة عضوية المجلس خمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ انعقاده الأول، ويُجرى انتخاب المجلس الجديد خلال الستين يومًا السابقة على انتهاء مدته .وفي ضوء انعقاد أولى جلسات المجلس الحالي يوم 18 أكتوبر 2020، فإن أقصى موعد دستوري لبدء انتخابات الشيوخ القادمة هو أغسطس 2025، حتى يتم إعلان النتائج النهائية قبل انتهاء المدة الدستورية للمجلس، تمهيدًا لانعقاد التشكيل الجديد في أكتوبر.
ووفقًا لقانون مجلس الشيوخ رقم 141 لسنة 2020، فإن المجلس يتكوّن من 300 عضو، يُنتخب 100 منهم بالنظام الفردي، و100 بنظام القوائم المغلقة المطلقة، بينما يُعيّن رئيس الجمهورية 100 عضو وفقًا لمعايير واضحة، أبرزها الكفاءة والخبرة والتمثيل المتوازن ، وتُقسَّم الدوائر الانتخابية إلى 27 دائرة للنظام الفردي، ومُحافظتين لكل دائرة بنظام القوائم، على أن يكون الترشح لعضوية المجلس متاحًا لمن تتوافر فيه الشروط التالية : ” أن يكون مصري الجنسية متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية .. ألا تقل سنه عن 35 عامًا يوم فتح باب الترشح .. أن يكون حاصلًا على مؤهل عالٍ على الأقل .. أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أُعفي منها قانونًا .. أن يكون مسجلًا بقاعدة بيانات الناخبين في دائرته الانتخابية ” . إضافة إلى الشروط، يُلزم القانون كل مرشح بتقديم عدد من المستندات الرسمية لقبول طلب الترشح، تشمل : ” صحيفة الحالة الجنائية خالية من السوابق الجنائية .. المؤهل الدراسي .. شهادة أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها .. إقرار الذمة المالية .. بيان الانتماء السياسي أو صفة الترشح سواء حزبي أو مستقل .. إيصال سداد التأمين المقرر 20 ألف جنيه للمرشح الفردي و 100 ألف جنيه للقائمة ” . وتُشرف الهيئة الوطنية للانتخابات على تلقي الطلبات وفحصها، وتُصدر الكشوف النهائية للمرشحين بعد انتهاء فترة الطعون والفصل فيها قضائيًا.ووفقًا للتوقيتات الدستورية والقانونية، يُنتظر أن تُعلن الهيئة الوطنية للانتخابات الجدول الزمني الكامل لانتخابات مجلس الشيوخ في الأسبوع الأول من يوليو 2025، بحيث تبدأ الجولة الأولى من التصويت بين 10 إلى 15 أغسطس 2025، مع تخصيص أسبوعين إضافيين للإعادة، ثم إعلان النتائج النهائية قبل نهاية سبتمبر، لتنعقد الجلسة الافتتاحية للمجلس الجديد في 18 أكتوبر على أقصى تقدير.ومع اقتراب فتح باب الترشح، بدأت الأحزاب السياسية إعادة تموضعها، وفتح قنوات تنسيق لتحالفات محتملة، خاصة في نظام القوائم المغلقة الذي يتطلب تنسيقًا عالي المستوى لضمان الحد الأدنى من الأصوات اللازمة للفوز، بينما يتجه المستقلون للتركيز على النظام الفردي في دوائرهم التاريخية، مع تركيز ملحوظ على الأداء الخدمي والانتشار الميداني.وفي هذا السياق، تمثل انتخابات مجلس الشيوخ القادمة اختبارًا حقيقيًا لتوازنات القوى داخل المشهد السياسي المصري، ومؤشرًا مهمًا لقياس ديناميكيات التحالفات والاستقطابات التي قد تُمهد لانتخابات مجلس النواب في يناير 2026.وفي ظل الالتزام الدستوري بإجراء الانتخابات في موعدها، وحرص الهيئة الوطنية على توفير بيئة انتخابية نزيهة وشفافة، تستعد مصر لاستقبال دورة جديدة من مجلس الشيوخ، يُنتظر أن تكون أكثر نضجًا من سابقتها، وأكثر تمثيلًا لمكونات المجتمع، وأكثر فاعلية في أداء الدور الاستشاري والتشريعي المُكمل لمجلس النواب، ضمن بنية تشريعية تسعى لتحقيق توازن سلطوي وتنفيذي في إطار الجمهورية الجديدة .
