آراء ومقالات

هكذا هم الاحبه في الله …قصه واقعيه

قصة واقعية ذكرها الشيخ عباس بتاوي مغسل الأموات
جاءني في يوم من الأيام جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين ، ومع الشاب مجموعة من
أقاربه ، لفت انتباهي ، شاب في مثل سن الميت يبكي بحرقة ، شاركني الغسيل ، وهو
بين خنين ونشيج وبكاء رهيب يحاول كتمانه ، أما دموعه فكانت تجري بلا انقطاع …
 
وبين لحظةٍ وأخرى أصبره وأذكره بعظم أجر الصبر …
 
ولسانه لايتوقف عن قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لاحول ولاقوة إلا بالله …
 
هذه الكلمات كانت تريحني قليلاً …بكاؤه أفقدني التركيز ، هتفت به بالشاب …
 
– إن الله أرحم بأخيك منك ، وعليك بالصبر
 
التفت نحوي وقال : إنه ليس أخي
 
ألجمتني المفاجأة ، مستحيل ، وهذا البكاء وهذا النحيب
 
– نعم إنه ليس أخي ، لكنه أغلى وأعز أليّ من أخي …
 
سكت ورحت أنظر إليه بتعجب ، بينما واصل حديثه …
 
– إنه صديق الطفولة ، زميل الدراسة ، نجلس معاً في الصف وفي ساحة المدرسة ،
ونلعب سوياً في الحارة ، تجمعنا براءة الأطفال مرحهم ولهوهم …
 
– كبرنا وكبرت العلاقة بيننا ، أصبحنا لا نفترق إلا دقائق معدودة ، ثم نعود لنلتقي ،
تخرجنا من المرحلة الثانوية ثم الجامعة معاً …
 
التحقنا بعمل واحد …تزوجنا أختين ، وسكنا في شقتين متقابلتين …
 
رزقني الله بابن وبنت ، وهو أيضاً رزق ببنت وابن …
 
عشنا معاً أفراحنا وأحزاننا ، يزيد الفرح عندما يجمعنا ، وتنتهي الأحزان عندما نلتقي
 
اشتركنا في الطعام والشراب والسيارة …نذهب سوياً ونعود سوياً …
 
واليوم … توقفت الكلمة على شفتيه وأجهش بالبكاء …
 
– يا شيخ هل يوجد في الدنيا مثلنا …
 
خنقتني العبرة ، تذكرت أخي البعيد عني ، لا .. لا يوجد مثلكما ..
 
أخذت أردد ، سبحان الله ، سبحان الله ، وأبكي رثاء لحاله …
 
أنتهيت من غسله ، وأقبل ذلك الشاب يقبله …
 
لقد كان المشهد مؤثراً ، فقد كان ينشق من شدة البكاء ، حتى ظننت أنه سيهلك في تلك
اللحظة …
 
راح يقبل وجهه ورأسه ، ويبلله بدموعه …
 
أمسك به الحاضرون وأخرجوه لكي نصلي عليه …
 
وبعد الصلاة توجهنا بالجنازة إلى المقبرة …
 
أما الشاب فقد أحاط به أقاربه …
 
وعند القبر وقف باكياً ، يسنده بعض أقاربه …
 
سكن قليلاً ، وقام يدعو ، ويدعو …
 
انصرف الجميع …
 
عدت إلى المنزل وبي من الحزن العظيم ما لا يعلمه إلا الله ، وتقف عنده الكلمات
عاجزة عن التعبير …
 
وفي اليوم الثاني وبعد صلاة العصر ، حضرت جنازة لشاب ، أخذت اتأملها ، الوجه
ليس غريب ، شعرت بأنني أعرفه ، ولكن أين شاهدته …
 
نظرت إلى الأب المكلوم ، هذا الوجه أعرفه …
 
تقاطر الدمع على خديه ، وانطلق الصوت حزيناً …
 
يا شيخ لقد كان بالأمس مع صديقه …
 
يا شيخ بالأمس كان يناول المقص والكفن ، يقلب صديقه ، يمسك بيده ، بالأمس كان
يبكي فراق صديق طفولته وشبابه ، ثم انخرط في البكاء …
 
انقشع الحجاب ، تذكرته ، تذكرت بكاءه ونحيبه …
 
رددت بصوت مرتفع :كيف مات ؟
 
– عرضت زوجته عليه الطعام ، فلم يقدر على تناوله ، قرر أن ينام ، وعند صلاة
العصر جاءت لتوقظه فوجدته ، وهنا سكت الأب ومسح دمعاً تحدر على خديه ، رحمه
الله لم يتحمل الصدمة في وفاة صديقه ، وأخذ يردد : إنا لله وإنا إليه راجعون …
 
– إنا لله وإنا إليه راجعون ، اصبر واحتسب ، اسأل الله أن يجمعه مع رفيقه في الجنة ،
يوم أن ينادي الجبار عز وجل : أين المتحابين فيِّ اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا
ظلي …
 
قمت بتغسيله ، وتكفينه ، ثم صلينا عليه …
 
توجهنا بالجنازة إلى القبر ، وهناك كانت المفاجأة …
 
لقد وجدنا القبر المجاور لقبر صديقه فارغاً …
 
قلت في نفسي مستحيل : منذ الأمس لم تأت جنازة ، لم يحدث هذا من قبل …
 
أنزلناه في قبره ، وضعت يدي على الجدار الذي يفصل بينهما ، وأنا أردد ، يالها من
قصة عجيبة ، اجتمعا في الحياة صغاراً وكباراً ، وجمغت القبور بينهما أمواتاً …
 
خرجت من القبر ووقفت ادعو لهما : اللهم أغفر لهما وأرحمهما ، اللهم واجمع بينهما
في جنات النعيم على سرر متقابلين ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ومسحت دمعة
جرت ، ثم انطلقت أعزي أقاربهما …
 
انتهى الشيخ من الحديث ، وأنا واقف قد أصابني الذهول ، وتملكتني الدهشة ، لا إله إلا
الله ، سبحان الله ، وحمدت الله أن الورقة وصلت للشيخ وسمعت هذه القصة المثيرة ،
والتي لو حدثني بها أحد لما صدقتها …
 
وأخذت ادعو لهما بالرحمة والمغفرة ….

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى