810 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
تعود حركة انفصال الولايات الغنية عن الويلات المتحدة مجدداً، ولعل هذه الموجة أكثر عنفاً من السابقة حيث تعاني الولايات المتحدة من مشاكل لا حصر لها. فقد كتب جيمس بيكرتون في Newsweek مقالا يطرح فيه فكرة انفصال ولاية تكساس عن الولايات المتحدة الأمريكية فيما يسمى بدعوة Texit. جاء فيه:
أثار قرار المحكمة العليا بالسماح للمسؤولين الفيدراليين بإزالة أجزاء من حاجز الأسلاك الشائكة الذي أقامته تكساس على طول الحدود مع المكسيك (وهي قضية لواشنطن عارضت فيها حاكم الولاية غريغ أبوت) مزيدا من الدعوات لانفصال الولاية عن الولايات المتحدة الأمريكية في دعوة أطلق عليها Texit “تيكسيت”.
بدوره قال أبوت: “إن الإسلاك الشائكة في تكساس هي رادع فعال للعبور غير القانوني الذي يشجعه بايدن، وسأواصل الدفاع عن السلطة الدستورية في تكساس لتأمين الحدود ومنع إدارة بايدن من تدمير ممتلكاتنا”. وقد تم تركيب السلك الشائك بناء على طلب أبوت كجزء أساسي من جهوده للسيطرة على الهجرة غير الشرعية.
ويتذكر الزعيم الفعلي لحركة “تيكسيت” دانييل ميلر، كما لو كانت دعواته لانفصال تكساس عن الولايات المتحدة الأمريكية بالأمس القريب، حينما صرح، أغسطس 1996، بقاعدة في أحد الفنادق بمدينة تايلر شرق تكساس، بضرورة مغادرة ولاية تكساس للولايات المتحدة. كان تأثير هذه اللحظة كبيرا لدرجة أن المستشار التكنولوجي له قارنها حينها بـ “الخط في الرمال” الذي رسمه زميله من تكساس، ويليام ترافيس، في ألامو، قبل وقت قصير من اقتحامها من قبل القوات المكسيكية عام 1836. وقد أدى الحصار الأسطوري إلى قيام جمهورية تكساس، كدولة مستقلة لمدة 9 سنوات، قبل الانضمام إلى الاتحاد الأمريكي في عام 1845. يبلغ دانييل ميلر الآن من العمر 50 عاما، وهو رئيس حركة تكساس الوطنية التي تأمل في الانفصال.
ولكن، وعلى الرغم من الدعم المتزايد، واجهت الحركة عددا من الانتكاسات الأخيرة، ليس أقلها الفشل في الحصول على استفتاء لانفصال الولاية في الاقتراع التمهيدي الجمهوري المقبل. وكما وصف النقاد حملة الاستقلال بأنها خيال ليس لديه فرصة للنجاح، على الأقل سلميا. إلا أن هذا لم يردع ميلر الذي سيظل مقتنعا بنجاح حملته في نهاية المطاف.
من جانبه قال ميلر: “أعتقد أن المسار الذي تسير عليه الحكومة الفيدرالية، والمسار الذي تسير عليه تكساس، سيؤدي، من خلال قرار واعي، أو بسبب انهيار النظام الفيدرالي في عدم قدرته على تلبية متطلباته الأساسية، إلى أن تصبح تكساس دولة مستقلة بالتأكيد خلال ثلاثة عقود”.
الكفاح من أجل الاستفتاء
وقد أمضى القوميون، بكل المقاييس، في تكساس عامين مزدحمين. ففي ديسمبر، سلمت TNM ما زعمت أنه التماس من قبل 139 ألف و456 شخص إلى الحزب الجمهوري في تكساس بأوستن. وقد دفع هذا إلى إدراج استفتاء استشاري حول استقلال تكساس في اقتراع مبدئي مارس 2024.
ووفقا لقانون الانتخابات في تكساس، فإن الحد الأدنى لعدد التوقيعات اللازمة للنظر في الاستفتاء هو “5% من إجمالي الأصوات التي حصل عليها جميع المرشحين لمنصب الحاكم في الانتخابات التمهيدية العامة الأخيرة للحزب”. وكانت آخر انتخابات تمهيدية لحاكم الولاية للجمهوريين في عام 2022، عندما تم الإدلاء بمليون و954 ألف و172 صوت لانتخاب حاكم الولاية الحالي غريغ أبوت. بالتالي نحن نتحدث عن إجمالي 97 ألف و709 توقيعا للنظر في إجراء الاستفتاء. ومع ذلك، رفض الحزب الجمهوري في تكساس الالتماس، حيث ادعى الرئيس مات رينالدي أن الالتماس تم تقديمه متأخرا، وأنه حتى لو لم يكن الأمر كذلك، فإن “الغالبية العظمى من توقيعات الالتماس كانت غير صحيحة”. وعلى وجه التحديد، ادعى أن الكثير منها يفتقر إلى بيانات هامة مثل “عنوان الإقامة، ومقاطعة التسجيل، وتاريخ الميلاد، ورقم تسجيل الناخبين” أو أنه تم التوقيع عليها إلكترونيا وليس حضوريا.
أثار هذا رد فعل غاضب من القوميين في تكساس، فيما أعلن ميلر في برنامجه الإذاعي في تكساس نيوز أن مجموعته “ستخوض حربا مع الحزب الجمهوري في تكساس”. وفي 10 يناير، قدمت حركة TNM التماسا طارئا إلى المحكمة العليا بالولاية متعهدة فيه “بالنضال من أجل الحق في الحكم الذاتي”، وقد رفض هذا الطلب على الفور تقريبا.
ثم اتخذ الانفصاليون في تكساس أيضا الطريق التشريعي، حيث قدم ممثل الولاية آنذاك بريان سلاتون، مارس 2023، مشروع قانون يدعو إلى إجراء استفتاء حول “ما إذا كان ينبغي على الولاية التحقيق في إمكانية استقلال تكساس أم لا”، على الرغم من فشله في إقرار ولاية المجلس التشريعي. وقد جاء ذلك بعد أن وافق الحزب الجمهوري في تكساس على دعوات لإجراء استفتاء حول ما إذا كان ينبغي على الولاية “إعادة تأكيد وضعها كأمة مستقلة” في مؤتمرها المنعقد في يونيو 2022 بمدينة هيوستن.
أثارت هذه التحركات اهتماما متزايدا بما يمكن أن يحدث إذا صوتت تكساس لتصبح جمهورية مستقلة مرة أخرى. وفي مقابلة مع “نيوزويك” جادل ميلر بأن TNM هو التطعيم ضد النظام الفيدرالي الفاشل.
وتابع ميلر: “إن النظام الفيدرالي معطل وسكان تكساس يدفعون الثمن. من المنطقي أكثر أن يحكم تكساس أهلها”. وألقى باللوم على الحكومة الفيدرالية في ارتفاع أسعار الغاز والبقالة، وإلى جانب زيادة الدين الوطني، مضيفا: “لو كان من الممكن إصلاحه، لكان قد تم إصلاحه”.
كيف تبدو تكساس المستقلة
يتصور ميلر إجراء استفتاء ناجح على الاستقلال يؤدي إلى عملية تفاوض بين أوستن وواشنطن، تنتهي بدولتين مستقلتين لكن مرتبطتين ارتباطا وثيقا. وقال: “بمجرد التصويت بالإيجاب، لن يتغير شيء على الفور. سيبدأ سكان تكساس عملية التحرك نحو الاستقلال تتضمن تغييرات في دستور ولايتنا، والقوانين التي تتبع التغييرات الدستورية، وتقييم وتنفيذ المواثيق والمعاهدات الدولية، والاتفاقيات والتفاوض بشأن القضايا مع الحكومة الفيدرالية”.
ويتابع ميلر: “إذا اتبعت الحكومة الفيدرالية سياستها التي استمرت قرابة قرن من الزمن في احترام حق تقرير المصير، فإننا نتوقع أن يسود العلاقة مع بقية الولايات المتحدة جو من الود والتعاون”.
وعلى موقع TNM الإلكتروني يدور الجدل حول ما إذا كانت ولاية تكساس المستقلة ستستمر في البداية باستخدام الدولار الأمريكي لتوفير “الاستقرار الاقتصادي”، ما يعني أن أسعار الفائدة ستظل تحت سيطرة بنك الاحتياطي الفيدرالي. وعلى المدى الطويل يدعو الموقع تكساس إلى السعي إلى “اتحاد نقدي متفاوض عليه مع الولايات المتحدة”، على غرار اليورو، وهو عملة 20 دولة أوروبية. إذا لم يكن هذا معروضا “سترغب تكساس في استكشاف التحرك نحو عملة خاصة بها في أقرب وقت ممكن”.
وقال ميلر لـ “نيوزويك” إن تكساس “ليست ملزمة بدفع جزء من الديون المتراكمة على النظام الفيدرالي”، واقترح قبول ولاية تكساس المستقلة لحصة سيعتمد على المفاوضات مع واشنطن بشأن الأصول الحكومية الراهنة، بما في ذلك ما ستحصل عليه تكساس من الجيش الأمريكي. تدعي TNM أنه بعد الاستقلال سيتم حكم الولاية باعتبارها “دولة قومية وحدوية”، بدلا من تقسيمها إلى مقاطعات أصغر. وسيتم تحديد متطلبات المواطنة من قبل الهيئة التشريعية في ولاية تكساس، ولكن “من المرجح أن تعكس عدد من المتطلبات لتكون مواطنا في أي دولة مستقلة أخرى تتمتع بالحكم الذاتي”، في حين أن “سكان تكساس الذين يعيشون بالفعل بشكل قانوني داخل الولاية عندما تصبح مستقلة سيحصلون تلقائيا على جنسية تكساس”.
ويدعو برنامج TNM أيضا إلى إنشاء جيش مستقل في تكساس.
ووفقا لميلر، تريد TNM أن “تحافظ الولايات المتحدة وتكساس على حركة سلسة للأشخاص والبضائع بين الدولتين” في حالة الانفصال. وتشير المجموعة على موقعها الإلكتروني إلى علاقة الولايات المتحدة بالمكسيك كنموذج، وتقول إن ولاية تكساس “ستتأهل بسهولة” للبرنامج الفيدرالي الأمريكي للإعفاء من التأشيرة، والذي يسمح للمواطنين من 41 دولة بدخول الولايات المتحدة لمدة 90 يوما دون الحاجة إلى تأشيرة.
وقد تصاعدت التوترات في يناير بين تكساس والسلطات الفيدرالية بشأن الهجرة، حيث منع الحاكم غريغ أبوت مسؤولي الجمارك والحدود والحماية من القيام بدوريات في شيلبي بارك في إيغل باس، وهي نقطة ساخنة للعبور من المكسيك.
وفي 12 يناير، غرقت امرأة وطفلان أثناء محاولتهم عبور نهر ريو غراندي مقابل إيغل باس. وبعد يومين، أرسلت وزارة الأمن الداخلي خطاب وقف إلى المدعي العام في تكساس كين باكستون يمنح سلطات الولاية مهلة حتى 17 يناير للسماح بالوصول الفيدرالي إلى الموقع، أو مواجهة إجراءات قانونية محتملة. وردا على ذلك، رفض باكستون التراجع، وتعهد مكتبه بأ، “تكساس لن تستسلم لسياسات بايدن المدمرة بشأن الحدود المفتوحة”.
معركة التحرر
ويكاد يكون من المؤكد أن أي محاولة للانفصال من شأنها أن تؤدي إلى نزاعات قانونية حادة، حيث حكمت المحكمة العليا في قضية تكساس ضد وايت عام 1869 بأن مغادرة الولاية للاتحاد هو أمر غير دستوري. أما ميلر فيعارض هذا الرأي قائلا: “تدرج المادة 1 القسم 10 من دستور الولايات المتحدة جميع الإجراءات المحظورة على الولايات. والانسحاب ليس مدرجا في تلك القائمة، لهذا، فبموجب التعديل العاشر للدستور، يعني عدم وجود حظر دستوري صريح أنه حق محفوظ للولايات والشعوب”.
من جانبه يقول البروفيسور مات كفورتروب، المتخصص في السياسة والمحامي، لمجلة “نيوزويك” إن قضية تكساس ضد وايت “تستند إلى اجتهادات قضائية رديئة إلى حد ما”، ويمكن أن تنقضها المحكمة العليا.
ويقول الأكاديمي البريطاني، ومؤلف كتاب “أريد التحرر: دليل عملي لإنشاء دولة جديدة” الصادر عام 2022، والذي يدرس حركات الاستقلال في جميع أنحاء العالم، وقد تفاعل على نطاق واسع مع القوميين في تكساس، بما في ذلك بإلقاء كلمة في مؤتمر TEXITCON الذي عقدته TNM بمدينة واكو في نوفمبر الماضي، إنه “شطبهم نوعا ما في البداية باعتبارهم من اليمين المتطرف”، إلا أنه فيما بعد دهش عندما سأله أحد المواطنين في دالاس، وهو المواطن اللندني عما إذا كان “يخشى الحياة في مدينة يديرها مسلم”.
وردا على سؤال حول فرص الناشطين الانفصاليين في تكساس، قال كفورتروب إن ولاية تكساس “ربما تكون المكان الوحيد في الولايات المتحدة الذي يتمتع بهذا الشعور بالهوية” المرتبط عادة بدولة مستقلة. ومن أجل إجراء الاستفتاء، قال الأكاديمي إنه سيكون هناك حاجة إلى “تغيير سياسي ربما داخل الحزب الجمهوري”، يليه معركة قانونية يمكن أن تنتهي في المحكمة العليا. واعترف كفورتروب بأن هذا سيكون صعبا للغاية، لكنه أضاف: “قبل 100 عام، أعتقد أنه كان هناك حوالي 35 دولة في العالم. الآن أصبح هناك 195 دولة. وفي الواقع، فإنه ليس من المستحيل تماما أن نرى كيف يمكن للدول أن تثبت نفسها”.
من الجدير بالذكر أن عددا من الجمهوريين البارزين في تكساس قد تلاعبوا بالانفصال عن الاتحاد، إن لم يؤيدوه صراحة. وفيما قد لا يتمتع تشيب روي بسمعة طيبة في حديث لطيف، ولكن، حتى بمعايير الجمهوريين في مجلس النواب، كان بيانه في 2 يناير غير عادي، حيث قال إن الولايات المتحدة قد دخلت في “أزمة دستورية”، فيما أصبحت السلطات المركزية غير قادرة أو غير راغبة في “الدفاع عن حدودنا من الغزو”، وأضاف: “زملائي من تكساس يتساءلون بحق ما إذا كان ينبغي لتكساس والأمريكيين ذوي التفكير المماثل أن يظلوا جزءا من حكومة فيدرالية، تتخلى عن رفاهيتهم وسلامتهم وأمنهم في انتهاك للميثاق الذي دخلنا بموجبه الاتحاد”.
وعندما سُئل السيناتور تيد كروز عن استقلال تكساس، نوفمبر 2021، قال إنه “ليس مستعدا للتخلي عن الولايات المتحدة بعد”، ولكن “إذا أنهى الديمقراطيون التعطيل، وإذا دمروا البلاد بشكل أساسي، وإذا حشدوا المحكمة العليا، وإذا جعلوا واشنطن ولاية، وإذا قاموا بإضفاء الطابع الفيدرالي على الانتخابات، وإذا قاموا بتوسيع نطاق تزوير الناخبين بشكل كبير، فقد نصل إلى نقطة يصبح فيها الأمر ميؤوسا منه”، وتابع: “حينها سنأخذ وكالة ناسا، والجيش، والنفط”.
“منفصلة عن الواقع”
على الجانب الآخر، يقول مدير مشروع تكساس السياسي في جامعة تكساس بمدينة أوستن جيمس هنسون إن الجدل حول استقلال تكساس يدور حول السياسة الجمهورية الداخلية أكثر من كونه مشروعا جادا في حد ذاته.
وقال هنسون لمجلة “نيوزويك”: “إن القوميين في تكساس الذين يدعون إلى ما يسمى (تيكسيت) يمثلون مزيجا من الخيال والإيماءات الرمزية، وكلها منفصلة عن الواقع.. لقد أصبح جهاز الحزب الجمهوري المسكن المفضل للعناصر المتطرفة والباطنية، حيث تتواجد مثل هذه الفصائل، التي يتم التعامل معها على نحو أكثر جدية بكثير مما هم عليه بين عامة الناس”.
وتابع هنسون: “في بعض المناطق ينجحون أحيانا في نقل مركز الحزب إلى اليمين، وفي جذب الانتباه إلى أفكار ومقترحات لا علاقة لها بالواقع، مثل فكرة ولاية تكساس المستقلة”.
يعارض ميلر بشدة الاقتراح القائل بأن القومية في تكساس هي قضية يمينية، حيث يقول: “لكي تنجح حركات الاستقلال، يجب أن تكون ذات طبيعة عابرة للحزبية”. وقبل أن يشارك ميلر في تأسيس الحركة الانفصالية عام 2005، أمضى عامين في دراسة الحركات الانفصالية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الموجودة في اسكتلندا وكاتالونيا وكيبيك. وهو يعزو تصويت استكلندا للبقاء جزءا من المملكة المتحدة بنسبة 55% مقابل 45% مع الانفصال إلى تشابك الاستقلال مع الحزب الوطني الإسكتلندي ذي الميول اليسارية، ويعتقد أن الانفصاليين كي ينجحوا، يجب أن “يتقاطعوا حقا مع كل تلك الطرق الطبيعية التي تعمل بها السياسة”.
“غياب السيناريو المعقول”
يرى الخبير في سياسات الدولة بجامعة تكساس في أوستن، ومدير الأبحاث في مشروع تكساس بوليتيكس جوشوا بلانك أن خروج تكساس من غير المرجح أن يكون سلميا، وسيتطلب قدرة دولة موسعة بشكل كبير من النوع الذي من شأنه أن يصد العديد من الجمهوريين. وفي مقابلة مع “نيوزويك”، قال بلانك: “أعتقد أن التاريخ أوضح أنه لا يوجد سيناريو معقول يمكن من خلاله لولاية تكساس أن تنتزع نفسها سلميا من الولايات المتحدة، حتى لو كانت هذه إرادة سكانها، فيما لا يوجد ما يشير إلى أنهم سيفعلون ذلك في حدود معرفتي”.
وقد أكد بلانك أنه “عندما تبدأ التفكير في آليات انسحاب تكساس من الولايات المتحدة، سرعان ما تظهر سخافة الاقتراح. وبقدر ما تفتخر تكساس بفكرة الاستقلال، مثل معظم الولايات، تعتمد تكساس على دولارات الحكومة الفيدرالية، لا سيما في السنوات الأخيرة، لتوفير الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية لخدمات الولاية. ولكي تنسحب ولاية تكساس من الولايات المتحدة، سيتعين عليها زيادة إيراداتها بشكل كبير من خلال الضرائب والرسوم ليس فقط لتعويض الدولارات الفيدرالية المفقودة، وإنما كذلك للبدء في توفير التمويل لعدد من الخدمات، التي غالبا ما ستكون باهظة الثمن، ولم تعد تقدمها الحكومة الفيدرالية”.
ويتابع بلانك: “إن أحد العناصر الأساسية في العقيدة الجمهورية في تكساس هو النموذج الحكومي الذي يعتمد على الضرائب المنخفضة والقليل من الخدمات. وسيتطلب سد الفجوة المالية ودور تقديم الخدمات من قبل الحكومة الفيدرالية نموذجا مختلفا تماما وموسعا بشكل كبير للحكومة في تكساس، وهو النموذج الذي أعتقد أن معظم ناخبي الحزب الجمهوري سيكرهونه أكثر من استمرار وجود تكساس داخل الولايات المتحدة”.
ويأتي الجدل حول استقلال تكساس وسط نقاش أوسع حول وحدة الولايات المتحدة، بل وقدرتها على البقاء في مواجهة التوترات السياسية الحالية.
ففي فبراير 2023، أثارت عضو مجلس النواب مارغوري تايلور غرين نقاشا حادا من خلال الدعوة إلى “الطلاق الوطني” الذي من شأنه أن يجعل البلاد “منفصلة بين ولايات حمراء وأخرى زرقاء وتقليص دور الحكومة الفيدرالية”.
وأظهر استطلاع رأي لاحق أجرته مؤسسة YouGov/Economist أن 23% من الأمريكيين وافقوا على الاقتراح، مقابل 62% لم يوافقوا عليه، فيما كان 15% غير متأكدين.
وبعد أن قضت المحكمة العليا في كولورادوا، ديسمبر الماضي، بأن دونالد ترامب غير مؤهل دستوريا لولاية ثانية كرئيس، بسبب قيود التعديل الرابع عشر على المشاركين في “التمرد”، كررت غرين دعوتها على موقع X.
كما كتبت غرين الجمهورية من ولاية جورجيا: “إن الولايات المتحدة في أزمة دستورية. فالإدارة تسمح بغزو للحدود على نطاق واسع وإيواء للمهاجرين غير الشرعيين، والمحاكم منخرطة في الاستبداد القضائي، والحكومة مسلحة سياسيا ضد الشعب. قريبا قد يكون الطلاق الوطني هو الحل وخيارنا الوحيد”.
وقال ميلر لـ “نيوزويك” إنه “من المفيد” أن تثير غرين المناقشة، لكنه رفض فكرة إمكانية تقسيم الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين. وتابع: “إن هذا الاتحاد يضم 50 ولاية ذات سيادة.. ولا يوجد تقسيم للولايات المتحدة على أساس الانتماء السياسي. الأمر متروك لكل ولاية على حدة، لتحديد ما إذا كانت تريد الاستمرار في هذه العلاقة أم لا، لأنها في نهاية المطاف علاقة اتحاد طوعي”.
إن أي جهد لتقسيم الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين يجب أن يتعامل مع حقيقة عدم وجود انقسام جغرافي واضح، حيث تتضمن الولايات ذات الميول المحافظة أيضا جيوبا أكثر ليبرالية، عادة حول المدن الرئيسية، والعكس صحيح بالنسبة لبعض المناطق الريفية في الولايات المتحدة، بالولايات التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي.
نمو حركات الحرية
لكن هذا لم يمنع أي عدد من الحركات الانفصالية من طرح قضيتها، خاصة عندما يكون هناك غضب متركز جغرافيا حول الأحداث السياسية الوطنية. وفي أعقاب فوز ترامب في الانتخابات، نوفمبر 2016، انتشرت على موقع “تويتر” حركة “كاليكست” (حركة انفصال كاليفورنيا)، على غرار “تكيسيت” الآن، واستخدمت نموذج “بريكسيت” البريطاني لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي.
وأظهر استطلاع لاحق للرأي أجراه معهد الدراسات الحكومية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي أن 44% من الديمقراطيين في الولاية سيؤيدون “مبادرة اقتراح مقترحة على مستوى الولاية تدعو كاليفورنيا إلى إعلان استقلالها عن الولايات المتحدة لتصبح دولة مستقلة” وهي نسبة تمثل 32% من سكان كاليفورنيا ككل.
تقول كارلا جيريك الرئيسة بالإنابة لمؤسسة استقلال نيو هامبشاير والمتحدثة باسم مشروع الدولة الحرة FSP، وهي حركة تشجع الأفراد ذوي الميول التحررية على “الانتقال إلى نيوهامبشاير من أجل الحرية”: “للانضمام إلى FSP، التي تزعم أن أكثر من 20 ألف شخص قد انضموا إليها، يُطلب من الأفراد الإعلان عن (النية الرسمية للانتقال إلى ولاية نيوهامبشاير) ثم (بذل أقصى جهد عملي نحو إنشاء مجتمع يكون فيه الحد الأقصى لدور الحكومة المدنية هو حماية حياة الأفراد وحريتهم وممتلكاتهم)”.
وفي تبرير FSP لهذه السياسة تقول جيريك: “من خلال تركيز أعدادنا في ولاية واحدة، فإننا نعمل على تعظيم تأثيرنا كناشطين، ورجال أعمال، وبناة مجتمع، وقادة فكر”. وفي حين لا يدعم جميع نشطاء مشروع الدولة الحرة الاستقلال التام لولاية هامبشاير، إلا أن جيريك تؤيد ذلك بالتأكيد، حيث تقول: “إنها فكرة حان وقتها وهي انعكاس للإحباط الذي يشعر به الجميع على الطيف السياسي”.
وفي 3 يناير، قدم النائب جيسون غيرهارد، الجمهوري في المجلس التشريعي لنيوهامبشاير، مشروع قانون ينص على أنه إذا وصل الدين الفيدرالي إلى 40 تريليون دولار، أي بحوالي 6 تريليون دولار أكثر مما هو عليه الآن، فإن الولاية “يجب أن تعلن استقلالها وتستمر كدولة ذات سيادة”.
يعرض الآن، بالتوازي، فيلم مروع عن الانفصال بعنوان “الحرب الأهلية” Civil War لمخرجه أليكس غارلاند من بطولة كيرستن دونست ونيك أوفرمان، والذي عرض المقطع الدعائي له في ديسمبر. في هذا العمل الدرامي، وعلى خلفية طرح الانقسامات السياسية الشديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، تنفصل 19 ولاية عن الاتحاد، وتشكل فصائل مثل تحالف فلوريدا، أو ما يسميه الرئيس أوفرمان (رئيس الثلاث فترات) القوى الغربية في تكساس وكاليفورنيا والتي تثير حربا مفتوحة مع الجيش الأمريكي.
وفي أحد تلك المقاطع يظهر مسلحون يحتجزون مجموعة من الصحفيين والمدنيين تحت تهديد السلاح، فيقول أحدهم: “نحن أمريكيون، حسنا؟” فيسأل أحد المسلحين، ويلعب دوره جيسي بليمونز، زوج دونست الحقيقي: “حسنا، ولكن أي نوع من الأمريكيين أنت؟”.
إذا تحولت التوترات إلى أزمة، فهناك كثير من الفصائل، بما في ذلك القوميين من تكساس، على استعداد لتغيير الجغرافيا السياسية لأمريكا الشمالية. وربما تكون المفارقة الكبرى هي أن القوة الوحيدة القادرة على إسقاط الولايات المتحدة، الكيان السياسي الأقوى بالتأكيد في تاريخ البشرية، هي الولايات المتحدة نفسها. أما ميلر، فعندما سُئل عن احتمال أن تصبح تكساس ولاية مستقلة خلال 30 عاما، لم يظهر أي درجة من الشك، وأجاب ببساطة: “100%”.
الزراير - شارع النيل - امام برج الساعة
السويس، مصر
الجوال: 01007147647
البريد الألكتروني: admin@suezbalady.com