مازلنا فى حقبة تولى صلاح نصر لرئاسة جهاز المخابرات العامة، فى الفترة من 1957 وحتى 1967 وكنا فى الحلقتين السابقتين حاولنا قراءة الوجه الآخر من العملة التاريخية التى تحمل اسم صلاح نصر، وهى صفحة رجل استخبارات استثنائى تحمل الكثير من النجاحات.

بعد استقرار الوضع الداخلى بانتهاء أزمة السويس والتأسيس الجديد لجهاز المخابرات العامة، بصيغة ومنهج تتفاعل مع مسرح العمليات الذى فرض عليها.. كان الانطلاق لمدى أبعد فى الضربات الاستباقية وكذلك فى العمليات، ولعل أشهر تلك العمليات هى عملية زرع العميل 313 داخل اسرائيل.. "رفعت الجمال" الذى تم اكتشافه من قبل رجل المخابرات السيد عبد المحسن فائق، ثم تم تدريبه وإرساله إلى المجتمع الإسرائيلى ليرتقى بداخله ويصبح عين مصرية حاضرة فى مختلف دوائر صنع القرار الإسرائيلى، وينقل للقاهرة أدق الأسرار والمعلومات على مدار عشرين عاما متصلة.

قصة رفعت الجمال أو "رأفت الهجان"، وهو الاسم الدرامى لرائعة الأستاذ صالح مرسى.

ولكن بسبب الطبيعة الدرامية لرائعة الأستاذ صالح مرسى.. مضت بعض التفاصيل.. من بينها أن رفعت الجمال مر بعدة مراحل للتطور ومنحنيات خطرة.. كان أبرزها بعد بداية تحققه داخل المجتمع الإسرائيلى فى هذه الفترة، يمكن القول أن العميل رفعت الجمال أصيب بحالة عدم اتزان، فأسندت مهمة إعادة ضبطه على مسار المهمة إلى بطل فذ فى سيرته ما يفوق أى خيال درامى فى هوليوود.. وهو السيد محمد نسيم، وهو اسم سنتوقف أمامه كثيرا فى هذه الحلقات.. كان محمد نسيم تجسيدا لمقولة "القلب الميت".. رجل كان الخوف يهابه لذلك يلقب بذئب المخابرات الأسمر.

وكان قد تولى قسم الخدمة السرية فى المخابرات العامة فى الفترة التى تأثر فيها عمل رفعت الجمال داخل إسرائيل، فتولى هو إعادة تقييم وتقويم رفعت الجمال، وتدريبه لتكتمل العملية وفق المسار الذى قامت من أجله.

السيرة الذاتية للسيد محمد نسيم تحمل دراما من نوع خاص لحقبة رئاسة السيد صلاح نصر لجهاز المخابرات العامة.. إذ كان نسيم أحد أهم أبطال المرحلة ورجالها الأشداء، وفى نفس الوقت شاء القدر أن يكون هو أحد المكلفين بالتحقيق الداخلى الذى قام به جهاز المخابرات العامة بعد نكسة 1967.

كان يسند للسيد محمد نسيم المهام التى تحمل ختم "المستحيل"، وكان ينتهى منها منتصرا.. ومن بين هذه العمليات عملية "الحفار"، وتهريب عبد الحميد السراج من سوريا.. وهو ما سنسلط عليه الضوء فى الحلقات القادمة.