طباعة هذه الصفحة

"حصن كبريت " ملحمة صمود خالـدة بالسويس

By كانون2/يناير 15, 2021 1033

للكتاب الصحفي أبراهيم حجازي 

نقيب احتياط بحرب أكتوبر من عام 69 و حتي عام 75

من ابطال اللواء 170 مظلات 

ملحمة الصمود التى حدثت فى منطقة كبريت شرق القناة وجنوب البحيرات المرة.

ملحمة صمود ليس لها مثيل صنعها 400 مقاتل بطل بقيادة الشهيد إبراهيم عبد التواب.. صنعوا مجدًا غير مسبوق فى الحروب.. يوم صدرت الأوامر للواء 130 مشاة أسطول برمائى بقيادة العقيد محمود شعيب باقتحام البحيرات المرة يوم 6 أكتوبر وما أن نفذوا المهمة دخلوا فى معارك طاحنة مع العدو ونجحوا فى الوصول إلى شرق البحيرات.. وقبل أن يلتقط الرجال أنفاسهم كانت فى انتظارهم مهمة جديدة هى احتلال رأس شاطىء لتأمين عبور القوات الرئيسية لشرق القناة.. ونجحوا فى مهمتهم رغم قسوة الاشتباكات بقية ليل 6 أكتوبر ويوم 7 أكتوبر بأكمله!.

حتى الآن حضراتكم معى فى أن الرجال من لحظة اقتحامهم للبحيرات المرة ظهر 6 أكتوبر.. وهم لم يغمض لهم جفن على مدى 34 ساعة متواصلة!. قد يسأل البعض.. هل يمكن حدوث ذلك؟. بكل ثقة أقول نعم.. أقولها عن تجربة عشتها لا مَكْلَمَة سمعتها!.

وجاءت تعليمات جديدة فى الثانية فجر 8 أكتوبر بمهاجمة نقطة كبريت إحدى نقاط خط بارليف القوية والتى باتت تشكل خطرًا على القوات فى عبورها للقناة!.

الهجوم على نقطة قوية يختلف عن احتلال رأس شاطئ!. النقطة القوية أغلبها 200*200 متر بمساحة 40 ألف متر مربع أى ما يعادل مساحة 10 فدادين تقريبًا!. النقطة القوية فى داخلها على الأقل ثلاث نقاط.. كل واحدة منها إنتاجها من النيران رهيب.. لأننا نتكلم عن كثافة نيران من أسلحة مختلفة.. تبدأ بالرشاش الخفيف وتنتهى بمدفعية ثقيلة!.

نعم.. هذا هو خط بارليف الذى رآه العالم أقوى خط دفاعى عرفته الحروب!. خط بارليف فيه 31 نقطة قوية.. كل نقطة لها مجال نيران تغطى مساحة معينة ومجال دفاع عن النقطة التى بجوارها.. ومجموع نيران الـ31 نقطة كفيل بسحق أى هجوم.. إذا ما فكر المصريون فى الحرب.. فماذا حدث؟.

المصريون فكروا فى الحرب وخططوا لها ببراعة وعبقرية ويكفى خطة الخداع التى خدعت أمريكا بأقمارها الصناعية وطائرات تجسسها التى تطير إلى ارتفاع 30 كيلو وتقدم صورًا للأرض كأنه تم التقاطها فى استوديو!. لا الأقمار فلحت ولا الطائرات نجحت وخطة الخداع أفادت قواتنا فى العبور!. خطة الخداع من جهة وغطرسة وغرور العدو من جهة.. سهلوا المهمة جدًا!.

موشى ديان وزير دفاع العدو فى تعليق على البيان العسكرى المصرى.. عن اقتحام جيش مصر للقناة وتدميره لبعض النقاط القوية وحصاره لأخرى.. ديان حينما سأله الصحفيون عن رأيه فى البيان المصرى.. قال: لا تقلقوا.. يومان للتعبئة.. ويومان للقضاء على الجيش المصرى.. ويومان لتهديد القاهرة!.

نعود لأقوى خط دفاعى وهو بالفعل أقوى مما يتصور حضراتكم فى تمركز نقاطه وحجم أسلحته ونوعيتها ولكن!.

تطور السلاح مهم لكن نوعية الرجل الذى يحمل السلاح أهم!.

من الآخر.. جيشنا خير أجناد الأرض.. والعقيدة القتالية كافية لتعويض أى فارق!. جيشنا لم يأخذ حديث الرسول ونام عليه.. إنما ست سنوات تدريبات أقل وصف لها أنها شاقة!. جيشنا المدعوم بشعبه فى عام 1973 لو الصهاينة عفاريت زرق ومعاهم سلاح الدنيا.. نفس الانتصار سيتحقق!.

بعد هذه الجملة الاعتراضية الطويلة، أعود لحديثنا عن تكليف القيادة للكتيبة 603 من اللواء 130 مشاة أسطول برمائى.. بمهاجمة نقطة كبريت وإسقاطها!.

كما قلت النقطة القوية لها ترتيبها وتخطيطها.. المهم أن الكتيبة التى يقودها المقدم إبراهيم عبدالتواب تحركت لإسقاط نقطة كبريت فى السادسة والنصف صباح 9 أكتوبر.. فى هذا الوقت كانت أكثر من 25 نقطة قوية قد سقطت تحت أقدام المقاتلين المصريين!.

إسقاط نقطة كبريت لم يكن سهلاً.. لكنه كان حتميًا!. الكتيبة تعرضت لقصف مدفعية وطيران كثيف.. إلا أن إرادة الانتصار فرضت نفسها وسقطت النقطة القوية بعد فرار جنود العدو ذعراً من المصريين!. ولم يُعْطِ المقدم إبراهيم عبدالتواب تمام الاستيلاء على النقطة إلا بعد تمشيطها والتأكد من عدم وجود أحياء على أرضها!.

جن جنون العدو لسقوط نقطة كبريت لثلاثة أسباب:

الأول: أنها مركز قيادة تكتيكى للعدو

الثانى: لأنها تسيطر على كل التحركات شرق وغرب كبريت

الثالث: هى ملتقى الطرق العرضية شرق القناة

بالنسبة لنا نقطة كبريت لها أهمية رابعة إنها فى المنطقة الفاصلة بين الجيشين الثانى والثالث.

ما توقعه المقدم إبراهيم عبدالتواب حدث!. توقع قصف نيران من أول ضوء لأول ضوء.. طوال اليوم «يعنى»!. العدو مستميت لاستعادتها ونحن.. «إنسى» يا عدو!.

جربوا الضرب بالطيران.. لم يفعل شيئًا!. قالوا ربما المدفعية تأتى بنتيجة!. يمكن الهاون يفعلها.. لم يحدث.. والذى حدث جعلهم يتجننوا بحق!.

وسط القصف الذى لا يتوقف.. قامت الكتيبة بالإغارة على مواقع العدو.. وعادت بعدة أسرى تم إرسالهم للقيادة فى مصر قبل أن يأتى النهار!.

فشل القصف وفشلت لغة الصواريخ والدانات والقنابل.. فلجأوا إلى الحصار!.

حصار دام أكثر من 134 يومًا!. عدو أكثر عددًا وأكثر تسليحًا فى مواجهة 400 مقاتلاً أثبتت الأيام الـ 134 أنهم بحق وعن حق خير أجناد الأرض!.. العدو منع كل الإمدادات والعدو يوميًا يفتح نيرانه عليهم!. العدو تصور أنها أيام وسوف يستسلمون!. فات يوم واثنان وعشرة وعشرون وخمسون وثمانون و134 يوماً.. والرجال صامدون وبقيت كبريت صامدة طاهرة لم تدنسها قدم صهيونى!.

العدو عرض على إبراهيم عبدالتواب الاستسلام وضمان المعاملة الحسنة!. العدو عاد وجدد عرضه بأن يفتح ممرًا آمنًا يخرج منه القائد المصرى وجنوده بسلاحهم!.

العدو بدأ يشك فى نفسه من قوة وصمود المصريين!.

وله حق أن يشك وللعالم حق أن يندهش.. كيف للمقاتلين المصريين قوة الصمود هذه وهم فى حصار داخل حصار أكبر على الجيش الثالث؟. من أين جاء المقاتلون المصريون بكل هذه الثقة وكل هذه الشجاعة وكل هذا الانتماء وكل هذا الترابط؟.

العالم فات عليه.. أن قوة نقطة كبريت من المقاتلين.. هم أبناء الشعب المصرى!.

العالم فيما يبدو نسى.. أن هذا الجيش العظيم هو ابن شعب أعظم قدم للعالم كله درسًا فى الصمود والانتماء والولاء والثقة والحب والإخلاص.. يوم زرع الانتصار فى أرض الهزيمة بعد 1967!.

ما حدث فى فترة الحصار لرجال كبريت وقائدهم.. رسالة صمود رائعة.. ما أحوجنا نحن المصريين لتذكرها لأن مصر كلها الآن تحت الحصار من دول كثيرة..

FB IMG 1610679560841

قيم الموضوع
(0 أصوات)
محسن الحديري

أحدث مقالات محسن الحديري