طباعة هذه الصفحة

مدن القناة والثقافة والمصرى الجديد

By كانون1/ديسمبر 28, 2021 907

بقلم : محمد نبيل محمد

مدن عنيدة, وثائرة, وثرية التنوع الثقافى, السويس والإسماعيلية وبورسعيد محافظات اتسم أهلها بالمقاومة على مدار التاريخ الحديث, وحتى ترابها ممزوج بحمرة دماء المصريين, ما بين تضحيات جموع المصريين اثناء حفر القناة ومقاومة أطماع الاستعمار الكلاسيكى (انجلترا وفرنسا) والمستحدث الصهيونى منذ 56 وحتى 73, الإنسان المصرى بمدن القناة له طبيعة خاصة ومتميزة كما هو حال قدره الذى فرض عليه ان يكون اول من يسدد فاتورد الدم مع أخيه السيناوى حفاظا على كرامة كل المصريين وقداسة ترابنا, فهم البورسعيدية وحدهم من هزموا جيوش دولتين عظمتين وعصابة! وللمرة الأولى فى معارك التاريخ العسكرى يهزم المدنيين العزل أعتى الجيوش المتحكم بلديهما فى مصائر معظم الأرض عدا هذه المدينة الباسلة التى صمدت بأهلها وهزمت احتلال مؤكد وأجبر البورسعيدية الصهاينة والإنجليز والفرنسيين على الهزيمة ثم الانسحاب مذلولى الرأس أمام العالم من بضعة مئات من أهل المقاومة البورسعيدية, فكان عيد النصر فى 23 ديسمبر 56على مملكة لاتغيب عنها الشمس وجمهورية تتدعى قيادة التحضر وعصابة تكذب دائماّ !, وقبل معركة 56 بقليل من السنوات كانت معركة الإسماعيلية حين وقف أهلها من الفدائيين وعمال بعض المصانع وطلبة مدرسة الاسماعيلية فى وجه الاحتلال البريطانى فى 16 اكتوبر ١٩٥١ حتى انتقلت المقاومة الى محافظات مصر ومهدت لثورة ٥٢ ثم الجلاء التام ، وبعدهما بعقدين من الزمان القريب كانت معركة أهالى السويس فى 24 اكتوبر ٧٣  إذ صمدت المقاومة الشعبية مع جيشها ترفض حصار الصهاينة – الزائف - هذه التمثيلية ببطولة كاذبة للمثل – الضعيف – شارون التى حاولت النيل من نصر أكتوبر, وانتصر أهالى السويس من جديد مع جيشهم, ورغم ما عاناه أهالى مدن القناة من هجر بيوتهم واستشهاد أحبابهم وحرمانهم من لذة الاستقرار ونعمته, إلا انهم جسدوا أروع المثل فى ثراء الشخصية المصرية الحقيقية التى نفتش عنها الآن لتعود مع جمهوريتنا الجديدة, كانت شخصية عنيدة تأبى الاستسلام فغنت:"يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى استشهد انا وتعيشى انت" فرفع أهالى السويس هاماتهم رغم قصف أبو جاموس الصهيونى, واقتنصت زينب الكفراوى وأخواتها المظليين المعتدين, وأزللن غرور هؤلاء المنتصرين من بضع سنين فى الحرب العالمية الثانية بهزيمتهم فى بورسعيد, ومع هذا العند الذى يأبى الاستسلام كانت شخصية المصرى فى مدن القناة ثائرة على الثيوقراطية فهم من تكلموا بلسان المصريين فصاحة وتغنوا فى 2012:" الحظر ده عند ..!" عندما فرض عليهم الحاكم الثيوقراطى حظرا دون غيرهم من بقية محافظات الجمهورية, وامتلكت هذه الشخصية تنوعا ثقافيا يشبه طبقات الأرض المصرية المتراكبة جيولوجيا لتشهد على عصور الخلق قاطبة, هذه الشخصية ثرية التنوع الثقافى كما هى ممثلة لمعظم ثقافات المصريين, هى أيضا مستوعبة للثقافات الغربية الوافدة, فربما أكسبها موقعها – جغرافيا – كممرات رابطة بين قارتين بريا قبل حفر القناة وواصلة بين ثلاث قارات بعد حفرها, فكانت معبرا تجاريا ومسرى دينيا لرحلات الحجيج شرقا وشمالا, وربما كانت لاستضافتها جمع المصريين أثناء الحفر لعقد من الزمان, وربما لاستضافة بقية المحافظات لمعظم أهلها لعقد ثانى من الزمان أثناء الاستنزاف حتى النصر, ولأسباب عدة كانت أشبه بالكزموبوليتان الحاضنة للثقافات المحلية والوافدة فزادها هذا الحال ثراء ثقافيا لا محدود, وتلك مزية من المحتم انتقالها لعموم المصريين الآن, فالتنوع الثقافى يتسع مع رحابة المدى لقبول الآخر, ويقتضى حاله سهولة إنتاج أدبى وفنى لمعطيات ثقافية متنوعة تبرق طاقات إبداعية صاحبات تجارب إنسانية مكتملة وحقيقية, وتعد حافزا تلقائيا لخلق مناخ مستنير يشتت غيابات وظلاميات الفكر الرجعى, ويقبل بحرية سلسة التغير, وينشد الإرتقاء الإنسانى بالسلوك ومن قبل بأنماط التفكير العقلى ويسمو بالوجدان الخاص والعام للمواطن المصرى, وهذا ما يستوجبه مقتضى الحال – الأن - ومع اعلان الدولة ورأسها بإيمانها أن الثقافة أحد أهم آليات بناء الإنسان الجديد, وهذا هو حال واقع مصر الان بعد ان اعلن رئيس الجمهورية فى 30 يونية 2018 ببرلمان مصر : "ان الفترة القادمة ستكون معنية بالإنسان المصرى أولا صحيا وتعليميا وثقافيا", وكانت البدايات الصادقة من الدكتورة ايناس عبد الدايم وزير ثقافة مصر ووعيها بحتمية تحقيق استراتيجية ثقافية حقيقية, كما تمثل إدراك أهمية بناء الوعى وتحصين الفكر لدى المواطن بمدن القناة من ناحية القادة المحافظين اللواء عبد المجيد صقر محافظ السويس واللواء شريف بشارة محافظ الاسماعيلية واللواء عادل الغضبان محافظ يورسعيد, والأهم فى معادلة البناء هو المثقف العضوى بمدن القناة الذى قاد عبورا ثقافيا من غرب القناة إلى عريش سيناء ليكسر حصار الخوف, ويدشن بالفكر معارك الاستنارة, ويعطى المبدع المثقف السويسى والاسماعيلى والبورسعيدى المثل والنموذج فى المبادأة وفعل ما هو مؤمن به وما اعتاده من آباءه واجداده وهو ان يكون أول من يسدد فاتورة الدفاع عن الوطن وهذه المواجهة تحتمت بالفكر (العنيد) الذى يرفض الاستسلام لواقع فرضته الجهالة والرجعية, و(الثائر) على أوضاع ظن مخططوا حروب الجيل الرابع والخامس خلو الأرض من ثوار رافضين لاحتلال عقولهم, (المتنوع الثرى ثقافيا) الذى يملك فنونا وآداب تدحر جيوشا وعصابات!, فتحية واجبة لكل مثقفى مدن القناة أصحاب المبادأة دائما, ولنا قادم ان شاء الله مع الثقافة ومدن القناة والمصرى الجديد.

قيم الموضوع
(0 أصوات)
آخر تعديل الثلاثاء, 28 كانون1/ديسمبر 2021 09:13
محمد السمان

أحدث مقالات محمد السمان