660 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم ..
وكانوا يقولون : " لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا " ..
ذلك أنه كان أجرد، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون بها وجوههم .
فمن هذا الفتى الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه، وتكمل الشكل الخارجي لعظمته الحقيقية، وزعامته المتفوقة .. ؟؟
انه قيس بن سعد بن عبادة ..
من أجود بيوت لعرب وأعرقها .. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام :
" ان الجود شيمة أهل هذا البيت " ...
وانه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق : " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب ". . !!
ذلك أنه حادّ الذكاء، واسع الحيلة، متوقّد الذهن .
ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية .. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم، بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيء الخطر، ثم يذكر قول الله سبحانه : (ولا يحيق المكر السوء الا بأهله) .. فيهبّ من فوره مستنكرا، ومستغفرا، ولسان حاله يقول : " والله لئن قدّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا".. !!
ان هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم، ورث المكارم كابرا عن كابر .. فهو ابن سعد بن عبادة، زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء ..
وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه الى الرسول قائلا : " هذا خادمك يا رسول الله " ..
ورأى لرسول في قيس كل سمات التفوّق وأمائر الصلاح .. فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما ..
يقول أنس صاحب رسول الله : " كان قيس بن سعد من النبي، بمكان صاحب الشرطة من الأمير " ..
وحين كان قيس، قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن، ولم يكن في المدينة وما حولها الا من يحسب لدهائه ألف حساب .. فلما أسلم، علّمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه، لا بدهائه، ولقد كان ابنا بارّا للاسلام، ومن ثمّ نحّى دهاءه جانبا، ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية .. وصار كلما واجه موقعا صعبا، يأخذه الحنين الى دهائه المقيد، فيقول عبارته المأثورة : " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب " ... !!
ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده.. ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس، فهو من بيت عريق في الجود والسخاء، كان لأسرة قيس، على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ، مناد يقف فوق مرتفع لهم وينادي الضيفان الى طعامهم نهارا ... أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليلا .. وكان الناس يومئذ يقولون : " من أحبّ الشحم، واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة " ...
ودليم بن حارثة، هو الجد الثاني لقيس ..
ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح ..
تحّدث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا : " لو تركنا هذا الفتى لسخائه، لأهلك مال أبيه "..
وعلم سعد بن عبادة بمقالتهما عن ابنه قيس، فصاح قائلا : " من يعذرني من أبي قحافة، وابن الخطّاب .. يبخلان عليّ ابني ".. !!
وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا .. وفي الموعد المضروب للوفاء ذهب الرجل يردّ الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال : " انا لا نعود في شيء أعطيناه ".. !!
وللفطرة الانسانية نهج لا يتخلف، وسنّة لا تتبدّل .. فحيث يوجد الجود توجد الشجاعة ..
أجل ان الجود الحقيقي والشجاعة الحقيقية توأمان، لا يتخلف أحدهما عن الاخر أبدا .. واذا وجدت جودا ولم تجد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا.. وانما هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر الزهو الأدّعاء ... واذا وجدت شجاعة لا يصاحبها جود، فاعلم أنها ليست شجاعة، انما هي نزوة من نزوات التهوّر والطيش ...
ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والاقدام ..
لكأنه المعنيّ بقول الشاعر :اذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
الزراير - شارع النيل - امام برج الساعة
السويس، مصر
الجوال: 01007147647
البريد الألكتروني: admin@suezbalady.com