سعود عمر يكتب..اربعون عاما على العودة للسويس

بقلم : سعود عمر
رجعنا للسويس فى اوائل 1974بعد انتهاء الحصار وبعد ان سمح الحاكم العسكرى بدخول المدنين بالتصاريح ,كنت اول من عاد من اخواتى الى السويس مع ابى رحمة الله عليه ,كانت اقامته المؤقته فى شقة لعمى الاكبر فى كفر محمد سلامه, بعد ان قام الصهاينة بازالة منزلنا حتى سطح الارض على اثر قيام الجندى السويسى البطل / احمد السارحة بالاختباء فى منازلنا الكائنة خلف مدرسة عبد المنعم سند الابتدائية ,واطلاقه صاروخ ار بى جيه على المدرسة التى اتخذها الصهاينة موئلا لهم فى اثناء فترة عمليات فك الارتباط , …..المدينة التى هدمت مبانيها واحيلت شوراعها الى نهر من الرمال وانقاض المنازل المهدمة …تبوح باسرار صمودها ……المسكن تحول الى مسكن مشترك يتعايش فيه مايقرب من ال8 من اقاربنا ابى وشقيقة الاكبر وعمى الاوسط وزوج ابنة عمى ….وابن خالى ..وزوج خالتى .كانت العيشة المشتركة مرتبطة بالرغبه فى التعاون فى توفير سبل الحياة من مأكل ومشرب …..لكن ايضا كانت ضرورة فرضتها الرغبة فى البقاء سويا فى ظل عمليات القصف الصهيونى المباشر والمستمر للسويس من الشط الشرقى للقناة.,احل انا ابن الرابعة عشر لأرى الصوره الاكثر وضوحا لمافعله الصهاينة بالسويس هنا شارع عبود ومنزل قال لى ابى ان ارتفاعه كان 5 ادوار ازيل كاملا وحلت محله حفرة تمتد الى عمق يقترب من ال7 امتار قال لى ابى انه قصف بالطائرات المنزل يقع مقابل مدرسة عمر مكرم التى يزين اسوارها ومباينها اثار زخات الرصاص , فى شارع احمد عرابى والشوارع المتفرعه عنه يمكنك ان ترصد وببساطه بيوت البغدادلى وقد تخللتها الثقوب شديدة الاتساع .من اثار القصف …….وتبرز من ابواب المنازل اكوام الدقشوم “حشو المبانى البغدادلى”بين الاخشاب …..امضى الايام اتامل السويس ومبانيها …..وسعادة لاتعادلها سعاده بحفاوه اشعر بها من كل القائمين بالسويس فقد كان وجودى من هو فى عمرى امرا نادرا……اشارك ابى فى ذهابة وايابة للعمل ببورتوفيق فى وحدة صيانة المبانى ,التى كانت قد اتخذت موقعا مؤقتا فى العمارات الفرنساوى .الى جوار العيادة الطبية ,ومقر الكومبراتيف , فى بورتوفيق كان الدمار الذى لحق بمنشاتها شديد الوضوح …….فى الفيلات الممتده على طريق 23 يوليو…والذى لحق بكنيسة حل محلها الان مشتل لهيئة قناة السويس , وبالمدرسة الصناعية ,وطبعا بكل المنشأت التى تطل على مجرى القناة ….اختلاط انقاض المنازل بالقضبان الحديدية المتطاير نتيجة للقصف الذى تعرض له شريط القطارات , عمارة الديدى اعلى بنايات بورتوفيق قبل الهجرة وقد شطرها القصف الاجرامى الى نصفين احداهما قائم والاخر سقط سقوطا تراتبيا مدهشا………وحشية النباتات البرية التى تعملقت :الغاب” بقايا رؤس القنابل والصواريخ وفوارغ الرصاص …….النخيل والبونسيانا .ومياه القناة شديد النقاء فى هذه الايام ……….والارمل الاصفر الطاغى فى ضواحى المدينة وملاحات صغيرة تمتد لمسافات متقاربة……..نشرع على الفور فى اعمار المدينة ويتوافد ابناء الجنوب ابناء الصعيد لأعمار السويس …..تدريجيا ينسحب اثار الدمار ويعاد بناء المبانى لكن ,على حساب الطرازات القديمة فقد تولى تجار الخردة والاخشاب القديمة ,مهمة اعادة صياغة الطراز المعمارى للمدينة,نشارك ونحن مالزنا صغار فى اعادة بناء مدينتنا ………..ونحمل على اجسادنا النحيلة واكتافنا العارية طوب المدينة ورمالها ومواد البناء لتنتصب مبانيها مرة اخرى معبرة وبصدق عن تحديها لكل محاولات القهر والانكسار ……..مره ثانية 40 عام منذ ان عدنا والسويس وشوارعها وساحتها وحدائقها .وشواطئها ……واهلها المعين الذى لاينضب……والامل الذى لايفارقنا فى وطن يليق بتضحيات الاباء والاجداد واحلامهم .