853 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل .. وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم، وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة : خبيب بن عديّ .. !!
وعاد المسلمون من بدر الى المدينة، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد ..
وكان خبيب عابدا، وناسكا، يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين، وشوق العابدين ..
هناك أقبل على العبادة بروح عاشق .. يقوم الليل، ويصوم الناهر، ويقدّس لله رب العالمين ..
وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش، ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها، واستعدادها لغزو جديد .. فاهتار من أصحابه عشرة رجال .. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت ..
وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة، نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم ..
وكادوا يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال .. فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة، ثم صاح في الذين معه : " انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم " .. وساروا مع النوى المبثوث على الأرض، حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون ..
وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل ..
واقترب الرماة المائة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار ..
ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء ..
والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين .
وانتظروا بما يأمر ..
فاذا هو يقول : " أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك .. اللهم أخبر عنا نبيك " ..
وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال .. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد، وأصيب معه سبعة واستشهدوا .. ونادوا الباقين، أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا ..
فنزل الثلاثة : خباب بن عديّ وصاحباه ..
واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم، وربطوهما بها ..
ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر، فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه ..
واستشهد حيث أراد ..
وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا، وأبرّهم عهدا، وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة .. !!
وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد الاحكام ..
وقادهما الرماة البغاة الى مكة، حيث باعوهما لمشركيها ..
ودوّى في الآذان اسم خبيب ..
وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر، تذكّروا ذلك الاسم جيّدا، وحرّك في صدورهم الأحقاد ..
وسارعوا الى شرائه.. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم ..
وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم، ليس منه وحده، بل ومن جميع المسلمين .. !!
وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا ..
أسلم خبيب قلبه، وأمره، ومصيره لله رب العالمين ..
وأقبل على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر، ويلاشي الهول .. كان الله معه .. وكان هو مع الله ..
كانت يد الله عليه، يكاد يجد برد أناملها في صدره .. !
دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم لكي يبصروا عجبا .. " والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه .. وانه لموثق في الحديد .. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة .. ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا " .. !!
أجل آتاه الله عبده الصالح، كما آتى من قبل مريم بنت عمران، يوم كانت : " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا * قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب " ..
استقبل اللواء اح عبد المجيد صقر محافظ السويس بمكتبه اليوم ليو اى مين رئيس مجلس إدارة شركة تيدا مصر والوفد المرافق له بحضور الاستاذ خالد سعداوى السكرتير العام لمحافظة السويس والعميد إيهاب سراج الدين السكرتير العام المساعد .
و فى اللقاء تم استعراض بعض الموضوعات و المشروعات التى تقام على ارض السويس ومنها المشروعات المقامة بمنطقة التعاون المصرى الصينى و سبل الارتقاء بالمنطقة .
أكد المحافظ على مسئولى الشركة بأهمية تكثيف أعمال التطوير بالمنطقة و التأكيد على تنوع المشروعات و الالتزام بقوانين البيئة و دفع عجلة العمل بالمنطقة .
وتم التطرق إلى المشروعات الجارى إنشاؤها و التعاقد عليها وتم الاتفاق على تدريب شباب السويس على العمالة و الوظائف المطلوبة لهذه المشروعات بدون أى التزام على المنطقة على أن يتم الاختبار فى نهاية فترة التدريب للمتدربين وإنتقاء أفضل العناصر للعمل بهذه الشركات من أبناء السويس .
و فى نهاية اللقاء أشار المحافظ إلى إستعداد محافظة السويس لتقديم كافة التسهيلات وتذليل أى عقبات من أجل استثمار جاد يرتقى بالاقتصاد المصرى بالتعاون مع الجانب الصينى .
استقبل اللواء اح عبد المجيد صقر محافظ السويس بمكتبه اليوم ليو اى مين رئيس مجلس إدارة شركة تيدا مصر و تيدا الصين أفريقيا الوفد المرافق له بحضور الاستاذ خالد سعداوى السكرتير العام لمحافظة السويس والعميد إيهاب سراج الدين السكرتير العام المساعد .
و فى اللقاء تم استعراض بعض الموضوعات و المشروعات التى تقام على ارض السويس ومنها المشروعات المقامة بمنطقة التعاون المصرى الصينى و سبل الارتقاء بالمنطقة .
أكد المحافظ على مسئولى الشركة بأهمية تكثيف أعمال التطوير بالمنطقة و التأكيد على تنوع المشروعات و الالتزام بقوانين البيئة و دفع عجلة العمل بالمنطقة .
وتم التطرق إلى المشروعات الجارى إنشاؤها و التعاقد عليها وتم الاتفاق على تدريب شباب السويس على العمالة و الوظائف المطلوبة لهذه المشروعات بدون أى التزام على المنطقة على أن يتم الاختبار فى نهاية فترة التدريب للمتدربين وإنتقاء أفضل العناصر للعمل بهذه الشركات من أبناء السويس .
و فى نهاية اللقاء أشار المحافظ إلى إستعداد محافظة السويس لتقديم كافة التسهيلات وتذليل أى عقبات من أجل استثمار جاد يرتقى بالاقتصاد المصرى بالتعاون مع الجانب الصينى .
كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم ..
وكانوا يقولون : " لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا " ..
ذلك أنه كان أجرد، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون بها وجوههم .
فمن هذا الفتى الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه، وتكمل الشكل الخارجي لعظمته الحقيقية، وزعامته المتفوقة .. ؟؟
انه قيس بن سعد بن عبادة ..
من أجود بيوت لعرب وأعرقها .. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام :
" ان الجود شيمة أهل هذا البيت " ...
وانه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق : " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب ". . !!
ذلك أنه حادّ الذكاء، واسع الحيلة، متوقّد الذهن .
ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية .. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم، بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيء الخطر، ثم يذكر قول الله سبحانه : (ولا يحيق المكر السوء الا بأهله) .. فيهبّ من فوره مستنكرا، ومستغفرا، ولسان حاله يقول : " والله لئن قدّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا".. !!
ان هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم، ورث المكارم كابرا عن كابر .. فهو ابن سعد بن عبادة، زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء ..
وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه الى الرسول قائلا : " هذا خادمك يا رسول الله " ..
ورأى لرسول في قيس كل سمات التفوّق وأمائر الصلاح .. فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما ..
يقول أنس صاحب رسول الله : " كان قيس بن سعد من النبي، بمكان صاحب الشرطة من الأمير " ..
وحين كان قيس، قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن، ولم يكن في المدينة وما حولها الا من يحسب لدهائه ألف حساب .. فلما أسلم، علّمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه، لا بدهائه، ولقد كان ابنا بارّا للاسلام، ومن ثمّ نحّى دهاءه جانبا، ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية .. وصار كلما واجه موقعا صعبا، يأخذه الحنين الى دهائه المقيد، فيقول عبارته المأثورة : " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب " ... !!
ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده.. ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس، فهو من بيت عريق في الجود والسخاء، كان لأسرة قيس، على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ، مناد يقف فوق مرتفع لهم وينادي الضيفان الى طعامهم نهارا ... أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليلا .. وكان الناس يومئذ يقولون : " من أحبّ الشحم، واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة " ...
ودليم بن حارثة، هو الجد الثاني لقيس ..
ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح ..
تحّدث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا : " لو تركنا هذا الفتى لسخائه، لأهلك مال أبيه "..
وعلم سعد بن عبادة بمقالتهما عن ابنه قيس، فصاح قائلا : " من يعذرني من أبي قحافة، وابن الخطّاب .. يبخلان عليّ ابني ".. !!
وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا .. وفي الموعد المضروب للوفاء ذهب الرجل يردّ الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال : " انا لا نعود في شيء أعطيناه ".. !!
وللفطرة الانسانية نهج لا يتخلف، وسنّة لا تتبدّل .. فحيث يوجد الجود توجد الشجاعة ..
أجل ان الجود الحقيقي والشجاعة الحقيقية توأمان، لا يتخلف أحدهما عن الاخر أبدا .. واذا وجدت جودا ولم تجد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا.. وانما هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر الزهو الأدّعاء ... واذا وجدت شجاعة لا يصاحبها جود، فاعلم أنها ليست شجاعة، انما هي نزوة من نزوات التهوّر والطيش ...
ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والاقدام ..
لكأنه المعنيّ بقول الشاعر :اذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
في ضوء توجيهات الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم والتعليم الفني
واللواء أ.ح عبد المجيد صقر محافظ السويس
في سابقة فريده من نوعها أطلقها تعليم السويس لمشروع ملتقي فني يجمع طلاب المراحل التعليميه المختلفه من مدارس التعليم العام وبين أبناؤنا طلاب مدارس التربيه الخاصه والدمج .
حيث بدأت فعاليات اليوم بمدرسة اللغات الفرنسيه وبحضور السيد الأستاذ ياسر عمارة وكيل وزارة التربيه والتعليم بالسويس
يرافقه فيها السيد الاستاذ سيد حمدان وكيل المديرية وعدد من السادة مديري الإدارات النوعية المختلفه.
ومن الجدير بالذكر أن السيد مدير المديرية وافق علي تبني ودعم مقترح الساده موجهي التربيه الفنيه بإقامه يوم تنافسي وترفيهي يجمع بين كلا من ابناؤنا الأسوياء وابناؤنا طلاب وطالبات الدمج والتربيه الخاصه وعمل انشطه فنيه وابداعيه في أجواء يسودها المرح والتنافس .
كما صرح عماره أن رساله وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني تغيرت ملامحها في السنوات الأخيره شكلاً وموضوعا من تعليم تقليدي يعتمد علي التلقين والحفظ الي تعليم يهدف إلي الابداع مصحوبا بالمتعه وإعمال الفكر وتقييم نواتج التعلم ، واضاف عماره أن هناك استراتيجيه اعتمد عليها في تطبيق مثل هذا اليوم الفني عن طريق التعلم بالاقران وهي أحدي استراتيجيات التعليم النشط والتي تتشابه الي حد كبير مع استيراجيه التعلم التعاوني ، واستطرد عمارة قائلاً إن هذا الأمر هو ما دفع مديرية التربية والتعليم بالسويس لدعم المشروع تمهيداً لتعميمه وتكراره وتحديداً بعد النجاح الباهر الذي شهده اليوم وشارك فيه مختلف مدارس السويس من إداراتها التعليمية الثلاثة كما قدم الشكر لمديره المدرسه الفرنسيه علي استقبالها للفاعليه
عقدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة واللواء أح عبد المجيد صقرمحافظ السويس، اجتماعا بحضور الدكتورطارق العربى رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات والدكتور على أبو سنه رئيس جهازشئون البيئة عددمن القيادات المعنيةبالوزارة وأحدالمستثمرين فى مجال المخلفات لمناقشة آخر مستجدات مشروع المدفن الصحي للتخلص الآمن من المخلفات الذي يتم تنفيذه بمحافظة السويس، وأيضاً الوضع الحالي لمنظومة إدارة المخلفات بالمحافظة، وفرص الاستثمار فى مجال المخلفات ، .
وقدم اللواء أح عبد المجيد صقر محافظ السويس الشكر لوزيرة البيئة على الجهد المبذول للنهوض بمنظومة المخلفات ، مستعرضاً المعوقات والمشكلات التى تواجهها المحافظة لرفع كفاءة منظومة المخلفات .
واكد محافظ السويس على ضرورة توفير عدد ٢ محطة وسيطة ، للمحافظة إحداهما بمنطقة عتاقة ، والأخرى بحى فيصل، وقد أتفق الجانبان على العمل على حل هذه المشكلات ، وأيضاً الإنتهاء من كافة الإجراءات الخاصة بتسليم تلك المحطتين
وفى الاجتماع، أشادت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة بالتعاون والتنسيق الجاد بين الوزارة والمحافظة للنهوض بمنظومة المخلفات، موضحة أن هناك مخططات للتعامل مع المخلفات لكافة محافظات الجمهورية ، والتى منها المخطط الخاص بمنظومة إدارة المخلفات بمحافظة السويس ،
واستعرضت وزيرة البيئة الخطوات التى يمكن اتخاذها والتكنولوجيات المستخدمة فى إطار منظومة الإدارة المتكاملة للمخلفات الصلبة البلدية ، من بنية تحتية وعقود تشغيل، وقانون المخلفات، وكيفية تمكين القطاع الخاص للعمل فى تلك المجال ، ومصانع التدوير والتى تعمل الدولة على طرحها للاستثمار بنظام التصميم والإنشاء والإدارة ، حيث تم استصدار قرار من رئاسة مجلس الوزراء بتحويل المخلفات إلى طاقة.
كما استمعت الوزيرة خلال الاجتماع إلى خطوات المشروع المقدم من أحد المستثمرين، فى مجال اعادة تدوير المخلفات بمحافظة السويس، مؤكدة على ضرورة توافر دراسة فنية حول التكنولوجيا المتبعة بالمشروع، موضحة أنه سيتم إعطاء موافقة مؤقتة ، ويتم تقييم ومتابعة المشروع من خلال لجنة من جهاز شئون البيئة خلال الفترة القادمة..
ان أمره لعجيب .. !!
هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الاسلام بقية الأيام .. !!
ألا فلنأت على قصته من البداية ..
ولكن أية بداية .. ؟؟
انه هو نفسه، لا يكاد يعرف لحياته بدءا الا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا ..
ولو استطاع لنحّى عمره وحياته، كل ماسبق ذلك اليوم من سنين، وأيام ..
فلنبدأ معه اذنمن حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله، وتلقت روحه فيها لمسة من يمين الرحمن، وكلتا يديه يمي، فنفجّرت شوقا الى دينه، والى رسوله، والى استشهاد عظيم في سبيل الحق، ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات ..
لقد خلا يوما الى نفسه، وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا، وتمنّى على الله علام الغيوب أن يمدّ اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين، فقال : " والله لقد استقام المنسم .... وان الرجل لرسول .. فحتى متى .. ؟؟ أذهب والله، فأسلم " ..
ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن رحلته من مكة الى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين : " .. وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا .. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص، فقال مرحبا يا قوم،
قلنا : وبك .. قال : أين مسيركم ؟ فأخبرناه، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم ،فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان .. فلما اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلام بوجه طلق، فأسلمت وشهدت شهادة الحق .. فقال الرسول : قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير .. وبايعت رسول الله وقلت : استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله .. فقال : ان الاسلام يجبّ ما كان قبله .. قلت: يا رسول الله على ذلك ..فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك ..
الحفناوي يستمع لبعض المرضي والمرافقين ويوجه بسرعة تقديم الخدمة داخل أقسام الطوارئ والإحالة للأقسام الداخلية لإستكمال البرنامج العلاجي .
تفقد الدكتور إسماعيل الحفناوي وكيل وزارة الصحة والسكان ، بشكل مفاجئ ، أقسام الطوارئ بمستشفيات المحافظة وذلك لمتابعة تواجد الأطقم الطبية بمواقع عملها و توافر المخزون الاستراتيجي من المستلزمات الطبية والأدوية .
واستهل «الحفناوي» الجولة ، بتفقد طوارئ النساء والتوليد و الباطنه بمستشفى السويس العام ، حيث اطمئن علي تواجد الأطباء والتمريض ، موجهاً بتقديم الخدمة الطبيه داخل قسم الطوارئ وسرعة الإحالة للأقسام الداخلية حسب الحالة التشخيصية لكل مريض ، كما تابع وكيل وزارة الصحة جولته المفاجئة بالمرور علي أقسام الطوارئ بمستشفيات الحميات والصدر وقد شدد علي تواجد الطاقم الطبي من أطباء وتمريض بموقع عملهم لسرعة إسعاف المترددين فور وصولهم .
وخلال الجولة ، فقد تابع الحفناوي ، معدلات الترددات علي أقسام الطوارئ والاطمئنان علي تنفيذ البرتوكولات العلاجية لجميع الحالات ، كما استمع «وكيل وزارة الصحة » لبعض مرافقي الحالات الصحية وسؤال المرضي عن الخدمة الطبيه المقدمة لهم .
ويستهدف استمرار الجولات الميدانية لجميع منافذ تقديم الخدمات ، متابعة انتظام تقديم الخدمة تنفيذاً لتكليفات الأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان ، ومتابعة أقسام الطوارئ بجميع المستشفيات تنفيذاً لتوجيهات اللواء أ ح عبد المجيد صقر محافظ السويس .
ترأس الدكتور إسماعيل الحفناوي وكيل وزارة الصحة والسكان ، منذ قليل ، إجتماعاً بحضور قيادات مديرية الصحة ومديري المستشفيات بالسويس وذلك لمتابعة تنفيذ التكليفات الوزارية وتلافي المعوقات والسلبيات .
وخلال الاجتماع فقد أكد الحفناوي ، علي إستمرار قيام جميع القيادات بأدوراهم لضمان انتظام تقديم الخدمة الطبيه لحين إطلاق التشغيل الرسمي لمنظومة التأمين الصحي الشامل بمحافظة السويس .
وبحث الإجتماع ماتم بشأن ماتم تنفيذه من تكليفات للأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان وتوجيهات اللواء أ ح عبد المجيد صقر محافظ السويس ، كذلك الاطلاع علي تقارير الأداء بمختلف الإدارات والأقسام .
أقبل على مكة نشوان مغتبطا .. صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضنى والألم، بيد أن الغاية التي يسعى اليها، أنسته جراحه، وأفاضت على روحه الحبور والبشور .
ودخلها متنكرا، كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوّفوا بآلهة الكعبة العظام .. أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه، أو طال به السفر والارتحال فأوى اليها يستريح ويتزوّد .
فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم، ويستمع اليه لفتكوا به .
وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به، ولكن بعد أن يقابل الرجل الي قطع الفيافي ليراه، وبعد أن يؤمن به، ان اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته.. ولقد مضى يتسمّع الأنباء من بعيد، وكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد اقترب منهم في حذر، حتى جمع من نثارات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد، وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه .
في صبيحة يوم ذهب الى هناك، فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم جالاسا وحده، فاقترب منه وقال : نعمت صباحا يا أخا العرب.. فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام : وعليك السلام يا أخاه .
قال أبو ذر : أنشدني مما تقول.. فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام : ما هو بشعر فأنشدك، ولكنه قرآن كريم .
قال أبو ذر : اقرأ عليّ.. فقرأ عليه الرسول، وأبو ذر يصغي.. ولم يمضي من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر : "أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " وسأله النبي : ممن أنت يا أخا العرب .. ؟ فأجابه أبو ذر : من غفار..
وتألقت ابتسامة على فم السول صلى الله عليه وسلم، واكتسى وجهه الدهشة والعجب ..
وضحك أبو ذر كذلك، فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالاسلام أمامه انما هو رجل من غفار .. !! فغفار هذه قبيلة لا يدرك لها شأو في قطع الطريق .. !! وأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع .. انهم حلفاء الليل والظلام، والويل لمن يسلمه الليل الى واحد من قبيلة غفار .
أفيجيء منهم اليوم، والاسلام لا يزال دينا غصّا مستخفيا، واحد ليسلم .. ؟! يقول أبو ذر وهو يروي القصة بنفسه : ".. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوّبه تعجبا، لما كان من غفار، ثم قال : ان الله يهدي من يشاء .
ولقد كان أبو ذر رضي الله عنه أحد الذين شاء لهم الهدى، وأراد بهم الخير .
وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين شاء الله لهم الهدى، وأراد بهم الخير .
وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين كلنوا يتألهون في الجاهلية، أي يتمرّدون على عبادة الأصنام، ويذهبون الى الايمان باله خالق عظيم ، وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبي يسفّه عبادة الأصناك وعبّادها، ويدعو الى عبادة الله الواحد القهار، حتى حث اليه الخطى، وشدّ الرحال .
أسلم أبو ذر من فوره .. وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس..
اذن، هو قد أسلم في الأيام الأولى، بل الساعات الأولى للاسلام، وكان اسلامه مبكرا ..
وحين أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة همسا .. يهمس بها الى نفسه، والى الخمسة الذين آمنوا معه، ولم يكن أمام أبي ذر الا أن يحمل ايمانه بين جنبيه، ويتسلل به مغادرا مكة، وعائدا الى قومه ... ولكن أبا ذر، جندب بن جنادة، يحمل طبيعة فوارة جيّاشة .
لقد خلق ليتمرّد على الباطل أنى يكون .. وها هو ذا يرى الباطل بعينيه .. حجارة مرصوصة، ميلاد عابديها أقدم من ميلادها، تنحني أمامها الجباه والعقول، ويناديها الناس : لبيك.. لبيك .. !!
وصحيح أنه رأى الرسول يؤثر لهمس في أيامه تلك.. ولكن لا بدّ من صيحة يصيحها هذا الثائر الجليل قبل أن يرحل.
لقد توجه الى الرسول عليه الصلاة والسلام فور اسلامه بهذا السؤال : يا رسول الله، بم تأمرني ؟ فأجابه الرسول : ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري ..
فقال أبو ذر : والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد.. !!
ألم أقل لكم .. ؟؟
تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة، أفي اللحظة التي يكشف فيها أبو ذر عالما جديدا بأسره يتمثل في الرسول الذي آمن به، وفي الدعوة التي سمع بتباشيرها على لسانه.. أفي هذه اللحظة يراد له أن يرجع الى أهله صامتا ؟ هذا أمر فوق طاقته .. هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته : [أشهد أن لا اله الا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله] ...
كانت هذه الصيحة أول صيحة بالاسلام تحدّت كبرياء قريش وقرعت أسماعها .. صاحها رجل غريب ليس له في مكّة حسب ولا نسب ولا حمى ..
ولقد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه .. فقد أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه ..
وترامى النبأ الى العباس عم النبي، فجاء يسعى، وما استطاع أن ينقذه من بين أنيابهم الا بالحيلة لذكية، قال له : " يا معشر قريش، أنتم تجار، وطريقكم على غفار،، وهذا رجل من رجالها، ان يحرّض قومه عليكم، يقطعوا على قوافلكم الطريق ".. فثابوا الى رشدهم وتركوه ، ولكن أبا ذر، وقد ذاق حلاوة الأذى في سبيل الله، لا يريد أن يغادر مكة حتى يظفر من طيباته بمزيد ... !!
وهكذا لا يكاد في اليوم الثاني وربما في نفس اليوم، يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين (أساف، واثلة) ودعوانهما، حتى يقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا.. فتصرخ المرأتان، ويهرول الرجال كالجراد، ثم لا يفتون يضربونه حتى يفقد وعيه .. وحين يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله " ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلوه ..
ويعود أبو ذر الى عشيرته وقومه، فيحدثههم عن النبي الذي ظهر يدعو الى عبادة الله وحده ويهدي لمكارم الأخلاق، ويدخل قومه في الاسلام، واحدا اثر واحد .. ولا يمتفي بقبيلته غفار، بل ينتقل الى قبيلة أسلم فيوقد فيها مصابيحه.. !!
وتتابع الأيام رحلتها في موكب الزمن، ويهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة، ويستقر بها والمسلمون معه .
وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من المشاة والركبان، أثارت أقدامهم النقع.. ولولا تكبيراتهم الصادعة، لحبسهم الرائي جيشا مغيرا من جيوش الشرك .. اقترب الموكب اللجب.. ودخل المدينة.. ويمم وجهه شطر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومقامه ..
لقد كان الموكب قبيلتي غفار وأسلم، جاء بهما ابو ذر مسلمين جميعا رجالا ونساءا. شيوخا وشبابا، وأطفالا.. !!
وكان من حق الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزداد عجبا ودهشة ..
فبالأمس البعيد عجب كثيرا حين رأى أمامه رجلا واحدا من غفار يعلن اسلامه وايمانه، وقال معبّرا عن دهشته : " ان الله يهدي من يشاء " !!
أما اليوم فان قبيلة غفار بأجمعها تجيئه مسلمة..وقد قطعت في الاسلام بضع سنين منذ هداها الله على يد أبي ذر، وتجيء معها قبيلة أسلم .. ان عمالقة السطو وحلفاء الشيطان، قد أصبحوا عمالقة في الخير وحلفاء للحق .
أليس الله يهدي من يشاء حقا ؟؟
لقد ألقى الرسول عليه الصلاة والسلام على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا ..
ونظر الى قبيلة غفار وقال : " غفار غفر الله لها " ثم الى قبيلة أسلم فقال : " وأسلم سالمها الله " ..
وأبو ذر هذا الداعية الرائع.. القوي الشكيمة، العزيز المنال.. ألا يختصه الرسول عليه الصلاة والسلام بتحية ؟؟
أجل .. ولسوف يكون جزاؤه موفورا، وتحيته مباركة ..
ولسوف يحمل صدره، ويحمل تاريخه، أرفع الأوسمة وأكثرها جلالا وعزة ..
ولسوف تفنى القرون والأجيال، والناس يرددون رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي ذر : " ما أقلّت الغبراء، ولا أظلّت الصحراء أصدق لهجة من أبي ذر " .. !!
ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته اباهرة على مواجهة الباطل .. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلّوه .. أصدق لهجة في أبي ذر .. ؟
لقد قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام مستقبل صاحبه، ولخص حياته كلها في هذه الكلمات .. فالصدق الجسور، هو جوهر حياة أبي ذر كلها .. صدق باطمه، وصدق ظاهره ..
صدق عقيدته وصدق لهجته ..
ولسوف يحيا صادقا.. لا يغالط نفسه، ولا يغالط غيره، ولا يسمح لأحد أن يغالطه ..
ولئن يكون صدقه فضيلة خرساء.. فالصدق الصامت ليس صدقا عند أبي ذر ..
انما الصدق جهر وعلن.. جهر بالحق وتحد للباطل..تأييد للصواب ودحض للخطأ ..
الصدق ولاء رشيد للحق، وتعبير جريء عنه، وسير حثيث معه ..
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ببصيرته الثاقبة عبر الغيب القصيّ والمجهول البعيد كل المتاعب التي سيفيئها على أبي ذر صدقه وصلابته، فكان يأمره دائما أن يجعل الأناة والصبر نهجه وسبيله .
وألقى الرسول يوما هذا السؤال : " يا أبا ذر كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء " ؟ فأجاب قائلا : " اذن والذي بعثك بالحق، لأضربن بسيفي " !! فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : " أفلا أدلك على خير من ذلك.. ؟ اصبر حتى تلقاني " .
ترى لماذا سأله الرسول هذا السؤال بالذات ؟؟ الأمراء .. والمال.. ؟؟ تلك قضية أبي ذر التي سيهبها حياته، وتلك مشكلته مع المجتمع ومع المستقبل .. ولقد عرفها رسول الله فألقى عليه السؤال، ليزوده هذه النصيحة الثمينة : " اصبر حتى تلقاني " ..
ولسوف يحفظ أبوذر وصية معلمه، فلن يحمل السيف الذي توّد به الأمراء الذين يثرون من مال الأمة.. ولكنه أيضا لن يسكت عنهم لحظة من نهار ..
أجل اذا كان الرسول قد نهاه عن حمل السيف في وجوههم، فانه لا ينهاه عن أن يحمل في الحق لسانه البتار ..
ولسوف يفعل ..
ومضى عهد الرسول، ومن بعده عصر أبي بكر، وعصر عمر في تفوق كامل على مغريات الحياة ودواعي الفتنة فيها ..
حتى تلك النفوس المشتهية الراغبة، لم تكن تجد لرغباتها سبيلا ولا منفذا .
وأيامئذ، لم تكن ثمة انحرافات يرفع أبو ذر ضدها صوته ويفلحها بكلماته اللاهبة ... ولقد طال عهد أمير المؤمنين عمر، فارضا على ولاة المسلمين وأمرائهم وأغنيائهم في كل مكان من الأرض، زهدا وتقشفا، ودعلا يكاد يكون فوق طاقة البشر ..
ان واليا من ولاته في العراق، أو في الشام، أ، في صنعاء.. أو في أي من البلاد النائية البعيدة، لا يكاد يصل اليها نوعا من الحلوى، لا يجد عامة الناس قدرة على شرائه، حتى يكون الخبر قد وصل الى عمر بعد أيام، وحتى تكون أوامره الصارمة قد ذهبت لتستدعي ذلك الوالي الى المدينة ليلقى حسابه العسير .. !!
ليهنأ أبو ذر اذن .. وليهنأ أكثر ما دام الفاروق العظيم أميرا للمؤمنين .. وما دام لا يضايق أبا ذر في حياته شيء مثلما يضايقع استغلال السلطة، واحتكارالثروة ، فإن ابن الخطاب بمراقبته الصارمة للسلطة، وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا .. وهكذا تفرغ لعبادة ربه، وللجهاد في سبيله.. غير لائذ بالصمت اذا رأى مخالفة هنا، أو هناك .. وقلما كان يرى ..
بيد أن أعظم، وأعدل، وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم، تاركا وراءه فراغا هائلا، ومحدثا رحيله من ردود الفعل ما لا مفرّ منه ولا طاقة للناس به، وتستمر القتوح في مدّها، ويعلو معها مد الرغبات والتطلع الى مناعم الحياة وترفها .. ويرى أبو ذر الخطر ..
ان ألوية المجد الشخصي توشك أن تفتن الذين كل دورهم في الحياة أن يرفعوا راية الله ..
ان الدنيا بزخرفها وغرورها الضاري، توشك أن تفتن الذين كل رسالتهم أن يجعلوا منها مزرعة للأعمال الصالحات ..
ان المال الذي جعله الله خادما مطيعا للانسان، يوشك أن يتحوّل الى سيّد مستبد ..
ومع من ؟ مع أصحاب محمد الذي مات ودرعه مرهونة، في حين كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه .. !!
ان خيرات الأرض التي ذرأها الله للناس جميعا .. وجعل حقهم فيها متكافئا توشك أن اصير حكرا ومزية ..
ان السلطة التي هي مسؤولية ترتعد من هول حساب الله عليها أفئدة الأبرار، تتحول الى سبيل للسيطرة، وللثراء، وللترف المدمر الوبيل ..
رأى أبو ذر كل هذا فلم يبحث عن واجبه ولا عن مسؤوليته.. بل راح يمد يمينه الى سيفه.. وهز به الهواء فمزقه، ونهض قائما يواجه المجتمع بسيفه الذي لم تعرف له كبوة .. لكن سرعان ما رنّ في فؤاده صدى الوصية التي أوصاه بها الرسول، فأعاد السيف الى غمده، فما ينبغي أن يرفعه في وجه مسلم ..
(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ)
ليس دوره اليوم أن يقتل.. بل أن يعترض .. وليس السيف أداة التغيير والتقويم، بل الكلمة الصادقة، الأمينة المستبسلة .. الكلمة العادلة التي لا تضل طريقها، ولا ترهب عواقبها .
لقد أخبر الرسول يوما وعلى ملأ من أصحابه، أن الأرض لم تقلّ، وأن السماء لم تظلّ أصدق لهجة من أبي ذر ..
ومن كان يملك هذا القدر من صدق اللهجة، وصدق الاقتناع، فما حاجته الى السيف .. ؟
ان كلمة واحدة يقولها، لأمضى من ملء الأرض سيوفا ..
فليخرج بصدقه هذا، الى الأمراء.. الى الأغنياء. الى جميع الذين أصبحوا يشكلون بركونهم الى الدنيا خطرا على الدين الذي جاء هاديا، لا جابيا.. ونبوة لا ملكا،.. ورحمة لا عذابا.. وتواضعا لا استعلاء.. وتكافؤ لا تمايز.. وقناعة لا جشعا.. وكفاية لا ترفا.. واتئادا في أخذ الحياة، لا فتونا بها ولا تهالكا عليها..
فليخرج الى هؤلاء جميعا، حتى يحكم الله بينهم وبينه بالحق، وهو خير الحاكمين .
وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة، يغزوها بمعارضته معقلا معقلا .. وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون .. حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد .. طاره اليها ذكره ، وأصبح لا يمر بأرض، بل ولا يبلغ اسمه قوما الا أثار تسؤلات هامّة تهدد مصالح ذوي الشلطة والثراء .
ولو أراد هذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى مكواة تتوهج حمرة ولهبا، فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده في كل مكان وزمان.. ويردده الانس عنه كأنه نشيد .. هذه الكلمات : " بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ".. !!
لا يصغد جبلا، ولا ينزل سهلا، ولا يدخل مدينة، ولا يواجه أميرا الا وهذه الكلمات على لسانه .
ولم يعد الانس يبصرونه قادما الا استقبلوه بهذه الكلمات : " بشّر الكانزين بمكاو من نار " ..
لقد صارت هذه العبارة علما على رسالته التي نذر حياته لها، حين رأى الثروات تتركز وتحتكر.. وحين رأى السلطة استعلاء واستغلال .. وحين رأى حب الدنيا يطغى ويوشك أن يطمر كل ما صنعته سنوات الرسالة العظمى من جمال وورع، وتفان واخلاص ..
لقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة.. هناك في الشام حيث "معاوية بن أبي سفيان" يحكم أرضا من أكثر بلاد الاسلام خصوبة وخيرا وفيضا، وانه ليعطي الأموال ويوزعها بغير حساب، يتألف بها الناس الذين لهم حظ ومكانة، ويؤمن بها مستقبله الذي كان يرنو اليه طموحه البعيد .
هناك الضياع والقصور والثروات تفتن الباقية من حملة الجعوة، فليدرك أبو ذر الخطر قبل أن يحيق ويدمّر .. وحسر زعيم المعارضة رداءه المتواضع عن ساقيه، وسابق الريح الى الشام ..
ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه في حماسة وشوق، والتفوا حوله أينما ذهب وسار ..
حدثنا يا أبا ذر .. حدثنا يا صاحب رسول الله ..
ويلقي أبو ذر على الجموع حوله نظرات فاحصة، فيرى أكثرها ذوي حصاصة وفقر .. ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع .. ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا : " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الانس شاهرا سيفه ".. ؟؟!!
ثم يذكر من فوره وصية رسول الله أن يضع الأناة مكان الانقلاب، والكلمة الشجاعة مكان السيف .. فيترك لغة الحرب هذه ويعود الى لغة المنطق والاقناع، فيعلم الناس جميعا أنهم جميعا سواسية كأسنان المشط.. وأنهم جميعا شركاء في الرزق.. وأنه لا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى.. وأن أمير القوم ووليهم، هو أول من يجوع اذا جاعوا، وآخر من شبع اذا شبعوا ..
لقد قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عامّا من كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة، والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه، وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم، أو محتكرة للثروة .
وفي أيام قلائل، كانت الشام كلها كخلايا نحل وجدت ملكتها المطاعة .. ولو أعطى أبو ذر اشارة عابرة بالثورة لاشتعلت نارا .. ولكنه كما قلنا، حصر اهتمامه في خلق رأي عام يفرض احترامه، وصارت كلماته حديث المجالس والمساجد والطريق .
ولقد بلغ خطره على الامتيازات الناشئة مداه، يوم ناظر معاوية على ملأ من الناس. ثم أبلغ الشاهد للمناظرة، الغائب عنها. وسارت الرياح بأخبارها .. ولقد وقف أبو ذر أصدق العالمين لهجة، كما وصفه نبيه وأستاذه ..
وقف يسائل معاوية في غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما، وعن ثروته اليوم .. !!
وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة، وعن قصوره بالشام اليوم .. !!
ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية الى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع .
ثم يصيح فيهم جميعا : أفأنت الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم .. ؟؟
ويتولى الاجابة عنهم : نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن، وشهدتم مع الرسول المشاهد ..
ثم يعود ويسأل : ألا تجدون في كتاب الله هذه الآية : (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم .. يوم يحمى عليها في نار جهنّم، فتكوى بها جباههم، وجنوبهم، وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون) .. ؟؟
ويختلام معاوية طريق الحديث قائلا : لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ..
ويصيح أبو ذر : لا بل أنزلت لنا ولهم ..
ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال .. وألا يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه ..
وتتناقل المحافل والجموع نبأ هذه المناظرة وأنباء أبي ذر ..
ويتعالى نشيد أبي ذر في البيوت والطرقات : (بشّر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة) ..
ويستشعر معاوية الخطر، وتفزعه كلمات الثائر الجليل، ولكنه يعرف له قدره، فلا يقرّ به بسوء، ويكتب عن فوره للخليفة عثمان رضي الله عنه يقول له : " ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام " ..
ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه للمدينة .
ويحسر أبي ذر طرف ردائه عن ساقيه مرّة أخرى ويسافر الى المدينة تاركا الشام في يوم لم تشهد دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة والوداع .. !! (لا حاجة لي في دنياكم) .. !!
هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل الى المدسنة، وجرى بينهما حوار طويل .
لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه، ومن الأنباء التي توافدت عليه من كل الأقطار عن مشايعة الجماهير لآراء أبي ذر، بادراك صحيح لخطر دعوته وقوتها وقرر أن يحتفظ به الى جواره في المدينة محددا بها اقامته .
ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا، رقيقا، فقال له : " ابق هنا بجانبي، تغدو عليك اللقاح وتروح "..
وأجابه أبو ذر : (لا حاجة لي في دنياكم) !
أجل لا حاجة له في دنيا الناس .. انه من أولئك القديسين الذين يبحثون عن ثراء الروح، ويحيون الحياة ليعطوا لا ليأخذوا .. !! ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يأذن له الخروج الى الرّبذة فأذن له ..
ولقد ظل وهو في احتدام معارضته أمينا لله ورسوله، حافظا في اعماق روحه النصيحة التي وجهها اليه الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يحمل السيف .. لكأن الرسول رأى الغيب كله .. غيب أبي ذر ومستقبله، فأهدى اليه هذه النصيحة الغالية .
ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا لاشباع ولعهم وكيدهم .
جاءه يوما وهو في الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة، فزجرهم بكلمات حاسمة :
" والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أجبل، لسمعت، وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي .. "
" ولوسيّرني ما بين الأفق الى الأفق، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي ..
" ولو ردّني الى منزلي، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي " ..
ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا، ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة .. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها .. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر، فتحاشاه أيضا، ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولهجة الصدق، لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه.. !
لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل .
وسيقضي عمره كله يحدّق في أخطاء الحكم وأخطاء المال، فالحكم والمال يملكان من الاغراء والفتنة ما يخافه أبو ذر على اخوانه الذين حملوا راية الاسلام مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، والذين يجب أن يظلوا لها حاملين .
والحكم والمال أيضا، هما عصب الحياة للأمة والجماعات، فاذا اعتورهما الضلال تعرضت مصاير الناس للخطر الأكيد .
ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول ألا يلي أحد منهم امارة أو يجمع ثروة، وأن يظلوا كما كانوا روّاد للهدى، وعبّادا لله ..
وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال، وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا .. ولطالما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الامارة ويقول عنها : ".. انها أمانة، وانها يوم القيامة خزي وندامة.. الا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها " ...
ولقد بلغ الأمر بأبي ذر لى تجنّب اخوانه ان لم يكن مقاطعتهم، لأنهم ولوا الامارات، وصار لهم بطبيعة الحال ثراء وفرة ..
لقيه أبو موسى الأشعري يوما، فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه :" مرحبا أبا ذر .. مرحبا بأخي " ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول: " لست بأخيك، انما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا "..!
كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا، ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له : (اليك عني.. ألست الذي وليت الامارة، فتطاولت في البنيان، واتخذت لك ماشية وزرعا) .. ؟؟
ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات .. وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من الجكم والثروة ..
ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه، ومع ايمانه، فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله .. بسلوكه ورؤاه، عند المستوى الذي خلفه لهم رسول الله وصاحباه.. أبو بكر وعمر ..
واذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدرك شأوها، فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل، ولا سيما لأولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلام، وصلوا وراءه، وجاهدوا معه، وبايعوه على السمع والطاعة .
كما أنه يدرك بوعيه المضيء، ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس، ومن ثم فان أي خلل يصيب أمانة الحكم، أو عدالة الثروة، يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته .
ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه، أمينا عليها، حارسا لها .. وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الامارة والثروة ... عرضت عليه الامارة بالعراق فقال : " لا والله .. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا " .. ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله : أليس لك ثوب غير هذا.. ؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين .. ؟ فأجابه أبو ذر : " يا بن أخي .. لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني " .. قال له : والله انك لمحتاج اليهما !!
فأجاب أب ذر : " اللهم غفر .. انك لمعظّم للدنيا، ألست ترى عليّ هذه البردة .. ؟؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل ما نحن فيه ".. ؟؟
وجلس يوما يحدّث ويقول : [أوصاني خليلي بسبع .. أمرني بحب المساكين والدنو منهم .. وأمرني أن أنظر الى من هو دوني، ولاأنظر الى من هو فوقي .. وأمرني ألا أسأل أحد شيئا .. وأمرني أن أصل الرحم .. وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا .. وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم .. وأمرني أن أكثر من : لا حول ولا قوة الا بالله] .
ولقد عاش هذه الوصية، وصاغ حياته وفقها، حتى صار " ضميرا " بين قومه وأمته ..
ويقول الامام علي رضي الله عنه : " لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ".. !!
عاش يناهض استغلال الحكم، واحتكار الثروة .. عاش يدحض الخطأ، ويبني الصواب ..
عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير .. يمنعونه من الفتوى، فيزداد صوته بها ارتفاعا، ويقول لمانعيه : " والذي نفسي بيده، لو وضعتم السيف فوق عنقي، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها ".. !!
ويا ليت المسلمين استمعوا يومئذ لقوله ونصحه ..
اذن لما ماتت في مهدها تلك الفتن التي تفقم فيما بعد أمرها واستفحل خطرها، وعرّضت تادواة والمجتمع والاسلام لأخطار، ما كان أقساها من أخطار .
والآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة .. المكان الذي اختار الاقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنه، فتعالوا بنا اليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع، ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام .
ان هذه السيدة السمراء الضامرة، الجالسة الى جواره تبكي، هي زوجته ..
وانه ليسألها : فيم البكاء والموت حق .. ؟ فتجيبه بأنها تبكي : " لأنك تموت وليس عندي ثوب يسعك كفنا " !!
".. لا تبكي، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول : ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين ..
وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق منهم غيري.. وهأنذا بالفلاة أموت، فراقبي الطريق،، فستطلع علينا عصابة من المؤمنين، فاني والله ما كذبت ولا كذبت " .
وفاضت روحه الى الله .. ولقد صدق ..
فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء، تؤلف جماعة من المؤمنين، وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله .
وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميّت، والى جواره سيدة وغلام يبكيان .. ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد، ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان، حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والاسلام أبي ذر .
وتفيض عيناه بالدمع، ويقف على جثمانه الطاهر يقول : " صدق رسول الله.. نمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك " !
ويجلس ابن مسعود رضي الله عنه لصحبه تفسير تلك العبارة التي نعاه بها : " تمشي وحدك.. وتموت حدك.. وتبعث وحدك " ...
كان ذلك في غزوة تبوك .. سنة تسع من الهجرة، وقد أمر الرسول عليه السلام بالتهيؤ لملاقاة الروم، الذين شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به .
وكانت الأيام التي دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ. .
وكانت الشقة بعيدة .. والعدو مخيفا .. ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين، تعللوا بشتى المعاذير ..
وخرج الرسول وصحبه.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا ومشقة، فجعل الرجل يتخلف، ويقولون يا رسول اللهتخلف فلان، فيقول : " دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ".. !!
وتلفت القوم ذات مرة، فلم يجدوا أبا ذر .. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام : لقد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره ..
وأعاد الرسول مقالته الأولى .. كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه ..
وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد، ولكن الاعياء كان يلقي ثقله على البعير ..
ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر، فنزل من فوق ظهر البعير، وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه، مهرولا، وسط صحراء ملتهبة، كما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه ..
وفي الغداة، وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا، بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير ..
وقال الذي رأى : يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق وحده ..
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : (كن أبا ذر) ..
وعادوا لما كانوا فيه من حديث، ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم، وعندها يعرفون من هو ..
وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا .. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا، وحمله فوق ظهره بتؤدة.. ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة، ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين ..
وحين بلغ أول القافلة، صاح صائهحم : يار سول الله : انه والله أبا ذر ..
وسار أبو ذر صوب الرسول .
ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية، وقال : [يرحم الله أبا ذر .. يمشي وحده.. ويموت وحده .. ويبعث وحده ..] .
وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد، مات أبو ذر وحيدا، في فلاة الربذة .. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده، وبطولة صموده ..
ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة، لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه .. !!! .
الزراير - شارع النيل - امام برج الساعة
السويس، مصر
الجوال: 01007147647
البريد الألكتروني: admin@suezbalady.com