752 زائر، وعضو واحد داخل الموقع
بقلم الاستاذ : سيد كراوية
قصيدة الأبنودى التى لم تنشر ..لهذه القصيده زمن وقصة .. كتبت فى السويس وقت أن كانت الأنوار مطفئة بقوانين الحرب فى مدن القناة .. بعد هزيمة يونيو الكارثية .. تلك الهزيمة التى شحذت القوى الحية فى المجتمع ناحية ليس فقط حقيقة الأوضاع السياسية ومدى ماتمثله من ضياع وضعف أوصلنا الى هذا الهوان .. لكنها كانت وصلت لإستنتاج أن هذه الأوضاع غير قابله للإستمرار .. ولابد للبحث عن طريقه ومنهج لتغييرها من أجل تجاوز هذه الأزمة المؤلمة .. فى هذه الأيام كنا نحدد معسكرنا التحررى فى مواجهة المعسكر الإمبريالى .. فكان كل إنتصار للفيتناميين إنتصارا لنا وصموهم ينعش أمالنا فى القدرة على الصمود والتصدى .. وكان من الطبيعى أن يكون جيفارا أيقونة هذه الحالة .. الثورى المطلق والمجرد والذى ينازل الإمبريالية حيث توجد فى حالة مثالية تقترب من فكرة " المخلص الثورى " .. لذا كان خبر قتله فى أحراش بوليفيا دراميا للغاية : مابين عدم التصديق والأسى المر .. طرح هذا على المناضلين المصريين فكرة تحديد ماهو الوضع ؟ .. ومن هم ؟ .. وما العمل ؟ .. فى وسط هذا الحطام جلس الأبنودى بقرية الجناين بالسويس فى ظل غياب النور وكما يقول تحت لمبة جاز – قليلة الجاز - يترجم حالة شباب هذه الأيام المناضل .. الذى يشكو حاله مابين الرجاء والأمل وبين اليأس .
الوجه الآخر كيف ضاعت هذه القصيده من الأبنودى .. وكيف وصلت الينا ؟ .. كان هناك شابا فلسطينيا صديق مشترك بيننا وبين الأبنودى .. وكان يدرس بمعهد عالى بشبين الكوم .. وكنا نعرف عنه مدى ولعه بالثقافة والفكر والسياسة .. وأنه وهب عمره لقضية وطنه .. مازن أبوغزاله .. هو الذى أعطانا القصيده على أساس أننا سوف ننسخها ثم يستعيدها .. وبعد أسبوع أو حوالى ذلك جاءنا خبر إستشهاده على الحدود الفلسطينية وهو يحاول التسلل فى عملية فدائية فى الداخل من الحدود الأردنية .. وهكذا لم يستعد مازن القصيده .. وعرف الأبنودى أن نسختها الأصلية لدى .. ولكنها طبعا تم مصادرتها ضمن مكتبتى كامله فى أحد حملات أمن الدولة الشهيرة فى السبعينات عقب أحداث قصر ثقافة بورسعيد .
من حسن الحظ أن لدينا صديقا ( أحمد أبوزيد ) .. مولع بالإحتفاظ بالوثائق والمستندات .. كان أخذها وكتبها لديه ليخرجها الآن .. كنت فقدت الأمل فى العثور عليها .. بل أن الأبنودى مرة طلبها .. وأيضا مؤمن المحمدى .. وتأسفت لضياعها ..
قصيدة : العالم الرابع – عبد الرحمن الأبنودى
" الى أرنستو شى جيفارا ..
والى كل حد ..
والى أى حد
وبالذات من أشعر أنى منهم ..
وبالذات من أحس إنى أقلهم "
عبد الرحمن الأبنودى
مين اللى قال ، ان الشكايه مذله ، وهى اول خطونا للفعل ..؟؟ "
اشكو اليك يابا ، نفسى واخوانى ..
ما تقولش مين ، واحد من الملايين ، اللى على الارض انهارده وبكره
وبيدعوا الملكيه فيك فى حاجات .. وبيدعوا ان ليك حاجات فيهم
واحد من اللى كل يوم ، بيقولوا " لسه ما مات ..
جيفارا عايش فى ضمير العصر ، جيفارا مات لكن صبح فكره
ان مات جيفارا ،فكلنا ملايين جيفارا تانى "
باشكو اليك يابا نفسى واخوانى
متقولش مين ، واحد من الملايين ، اللى على الارض النهارده وبكره
وبيدعوا انك فى عروق الجيل ، وف خطوته الاماميه
وان العيون شايفاك فى المستقبل
واحد من اللى بيدعوا ملكيه الفقرا ، وقضيه الفقرا
وبيؤمنوا بالحب والثوره
وبيؤمنوا ان ليك حاجات فيهم
وبيدعوا ملكيتك فى حاجات
وبيلملموا فى الغيب ، بنات الفجر
....
واحد من اللى اتعودوا ، يخلدوا الشهدا
ويكتبوا عن عالم العمال ، وصانعى المستقبل الابيض
2
والعالم الانسانى ..
متقلش مين ، واحد من الملايين
اللى على الارض انهارده وبكره ..
واللى كنت شايفهم امبارح ، قبل الرصاصه ما تخطفك بثوانى
باشكوا اليك يابا .. نفسى .. واخوانى ..
مين اللى قال ان الشكايه مذله ؟
.. ..
" الشكل والمضمون "
والعالم الثالث ، طريق النمو الغير .. المستقله حديث
الحزب .. الحتميه .. البونابارتيه .."
الحاجات دى وغيرها ، نقولها ونعيش منها ..
ويمكن نخش سجن يومين ..
وهناك ننعكش فى المسائل تانى ..
" الجانب الايجابى .. الانتقال السلمى ..لا .. عدم ضروره الحزب .."
ونخرجوا .. وبالليل نخش ننام ..
ولما نبقى احنا ونفسنا وبس
ما اعرفش يابا فينا غير شجره
وحيده عريانه بتتطوح فى ليل الريح
فى الصبح معدوله .. وفى المسا مالت ..
وفى انهى عالم احنا .. ولا نعرف
فى العالم الاول ، فى العالم الثالث
والصبح ادينا .. وكل يوم وله كلام
ف العالم الاول معادش اول
والعالم الثانى معادش تانى
وننتظر .. وننتظر تانى
متقولش مين .. واحد من الملايين ..
يمكن اكون مخلص وبس
3
ممكن يكون فيا فتيل .. يمكن ..
يمكن ولا ده .. يا أرنستوا
ويمكن اللقمه من الكلمه ..
ده كل امكانى ..
وأدينى ذى الكل باتكلم
وزيهم .. ما اعرفش جاى كلامى من قلبى ولا لسانى ..
لكن اكتر منهم فى عذابهم .. وعذابى
اكتر عتاب للنفس ، لما ابقى وحدانى
والليله مش حاقدر انام
لأنى مش فى مدينتى يآرنستو
ولأنى متحاط من الليالى .. بالشكا ..
بالفلاحين .. عمامى وخلانى ..
وبالنباح .. والقمل .. والبراغيت ..
بصنوف طعامهم ع الطبالى الوسخه
بعيالهم المتعفنين .. وضوافر النسوان
بكل شيى الا الافنديات ياشى .. والراديو .. والجرنان ..
ومثقفين العالم الاول والثانى والثالث
أنا مش باحس هنا الا عاوز ابكى
مين اللى قال ان الشكايه مزله
مزله : لو سكتت فى احضانى
ومسكت قلمى اليك
ورفعت قلمى اليك
ملعقتى .. وسلاحى
اشكو اليك يابا .. نفسى .. واخوانى
فانا مثلا .. نزعت نفسى من بلدنا وقلب جيرانى
كان هو ده الحل الوحيد
عشان اشوف الدنيا ماشيه ازاى ..
4
واكتب حاجات .. انشرها فى الجورنان
واقعد على القهوه .. واشرب شاى .. واغير القمصان
يبقى لى اسم .. وكل ما داديته يدادينى .. واعرق وسطه لودانى ..
بدايه مش وحشه يا أرنستو .. لولد من البندر
وناس البندر ، ماتعودتش تقرا وتفكر ، وتحس وتعانى
وهنا فى مدينه الفكر والضحكه ..
عرفت اعرفكم ياارنستو..
بواسطتكم .. وبواسطه اخوانى ..
محاضره والتانيه ، كتاب والتانى
ولما قلت ان الخطأ واحد . انا وانتو ..
ما اتهدش العالم ياارنستو
ولا اعترض واحد من اخوانى
مع ان للخطا دى يا ارنستوا
لسه خطايا فى الطريق مغلوبه
متقولش مين .. واحد هنا فى العالم الثالث
" العالم الثالث يارنستوا "
واحد من اللى بيرفضوا الاسمين
" التانى " و "الاول "
لأن ده تهمه .. ولأن ده تهمه ..
واللى بيخطوا طريق من غير يفط ، من غير سهام ولا نمر كيلو
تهمه بلا عنوان ..
النخله عندينا ان مالت .. ما اسمهاش مالت ياارنستو
لاننا فى العالم الثالث ..
والفلاحين حواليا بتنكت وتتضاجع
تنده فى قلبيهم .. ولا من سامع
لانهم عايشين ياارنستو .. فى " العالم الرابع "
5
..
مالتقولش مين .. واحد من الملايين
اللى بنفس .. اسمى .. وعنوانى
بنفس بيتى .. ودكانى
باشكوا اليك يابا ، نفسى واخوانى ..
ياشى جيفارا ..
اشكو اخوانى
مع ان كلتهم شرفا وطيبين
وماليانين .. حب وغنا وتعاسه
فربما لو جم فى وقت تانى .. على حد تانى ..
" لو كان كفايه ان انت فى العالم "
كان اصبحوا سيسبان بنيل وخضره ..
" ما كنتش انت كفايه يارنستو "
ووقفوا ووقفت معاهم اتفرج عليك
وحتى لما عرفنا انك مت ..
ما اعرفش ازاى فى عرى القلب
لكن مت .. وطبعت ضلك ع الضمير ومشيت
وضرورى لما رجعوا ياارنستو .. زى البيت ..
كانت الحياه بلاطعم
وكان السراج بلا ذيت
وحروف كتبهم فى الايدين مطفيه
لكنهم فى الصبح .. لبسوا البدله
واتكلموا عنك بحزن حقيقى
وبس ياارنستو ..
مع انهم شرفا ياشى جيفارا
ومليانين غنا وحب وتعاسه
.. ..
6
ويميلوا تحت سقف المدينه .
عيدان حزينه
سلخ ضمير بكره وعيون ماضينا
ايه اللى صاب الدنيا ياارنستوا
ياترى كان احسن لو مكناش جينا
.. ..
بالطبع انت عارفنا ياارنستو واحد واحد
" البرجوازيه الصغيره " ياشى ف العالم الثالث
اللى ما طلعتش الجبل
واللى ما فشلتش فى هجوم " مونكادا "
واللى ماخفتش وبردت فى " الييرا مايسسترا "
واللى ما هيش " لينين " .. ولا " اكتوبر "
واللى ماهيش " ماو والجبال والرحله "
وما ارتفعش فى القفص صوتها
بحق عاملها وفلاحها فى حياه حره
واللى ماهيش ......
ياشى جيفارا ..
مع انهم باقى النجوم فى الحق والخير والحياه
فى عالمنا ده .. فى قرننا العشرين
وأحسن الموجودين ..
فين احنا ياارنستوا
.. ..
قريت كلامك قبل ما تنصاب
عن احتمال الاصطدام فى الشرق
كلمتنا .. وانت هناك .. والبندقيه فى كتفك الضعفان
( تحت الشجر ) .. فى بوليفيا ..
عن اندونسيا سوكارنو .. عن نكروما
7
كلمت اهل العالم الثالث .. مثقفين العالم الثالث
نشروه هنا .. ونشروا معاه تحفظات ..
وقبل ما حبر الصحف ينشف
وقع اللى قلت عليه .. واللى اشرت اليه
وقبل ما جرح الشهيد ينشف ..
كانت الرصاصه فيك ياارنستو ..
واتكوم العالم .. هنا تحت رجلينا
نعم .. انت كنت الرمز والقنديل
لكن باارنستو .. قنديل ورمز وبس
وكنت بعد القتل .. قبل القتل
بلا وطن .. لكن حقيقى مواطن
مش انت ابو هيلديتا .. الديتا كاتميلو .. سيتسا .. ياارنستو
وكنت ابن .. فليه ياارنستو احنا مش احنا ؟
ليه احنا مش ناس تانى وليه مثلا ..
ما املكش غير قلمى ولسانى ..
وليه باخاف م الدم ..
وصرخه الطلقه وعيون الميتين ..؟
" مغ ان صوت محتلى اقرب منى لودانى ؟
وليه كده العالم اصبح كده ..
وليه شبابه اصبحوا شرفا وبس
بيحلموا ويقروا ..
ويصفوا ( عالقهوه ) هذا العالم الانسانى ..
وليه غرقنا فى اللى بنقوله ؟
( العالم الاول ) .. و (العالم الثانى ) و ( العالم الثالث ) ..؟
متقولش مين .. بالطبع عارف انى مش ( فيتنامى )
ولا من شباب ( الصين ) .. لآن دول فى العالم التانى ..
اما انا دلوقتى فى مكانى ..
8
سرير بعيد . فى اوضه طين ..
وجنبى لمبه جاز . قليله الجاز .. وسهرانين
فى بيت صغير تحت ليل العالم الثالث
قدامى اعدائى ياارنستو ، حواليا اعدائى
وانا حستريح فى مكانى
كاءنى واحد تانى . واحد من الملايين
اللى على الار ض انهارده ووبكره
اشكو اليك نفسى واخوانى
..............
بيحلموا ويقروا ياارنستو
ويكتبوا عن اصعب الصعب فى عالمنا الكهل
لكنهم ابدا ما قالوو : الفلاحين فقرا
( صياغه التاريخ من وجهه نظر ..
الثوره والانموذج )
وما هو امر طبيعى يسمى بالنكسه
وناخد احنا التسميه وكأننا احنا اللى اكتشفناها
وفى كل بيت دمعه
.. قليل اللى اتهرس تحت الحذاء الامريكى هذا العام ..
ونبتسم واحنا بنقرا صفحه البندارى
او لما نسمع مطربه بتتلوى فى الراديو
فاحنا ورانا مشكله اصعب
وتبعد الناس كل مادا ومادا ..
فموسيقار الجيل ياارنستو هنا (مثلا )
راجل يسرح تاكسيات فى الشارع ..
ويهرب اموال .. ولما يعود
تنداس رقابنا بالجزم
فى اعلى حته فى واجهه الجرنان
9
واما بالنسبه لأرائنا فى الدنيا والعالم
تنقلها للعالم ( الست )
تعرف يعنى ايه الست ياارنستو
ونضحكوا فى القهوه والشقه
مين احنا ياجيفارا
صدقنى لا خبثا ولا طفيليين
وبستوى فى ايدينا الجنيه والميه
وماعندناش احساس مريض بذوانتا والملكيه
لكننا اشبه بسكارى
ساكنين خماره
وكأننا حاملين زنوب او لعنه
.. ...
كفتنا تنقص او تذيد بالامر
السجن يفتح .. تعلى كفتنا
يفتح من الناحييه دى .. كفتنا ياشى مالت
لا دول ولا دول فوق ياارنستو ..
اهو ده اللى انا شقته فى العالم الثالث
بلياتشوههات فى سييرك احنا ياشى
( فاذا كانت الثوريه هيه هيه الحقيقه الواحده
فى العالم . احنا هنا من غير حقيقه ياشى )
شفق طروف بصتنا نلمحها
لكننا نمشى فى طريق تانى
او قول بنسعى بس مش فى طريق
يمكن لفوق يمكن لتحت
لكن مالناش طريق ياشى
وربما ولا بنعلى ولا بنوطى ولا بنمشى
وربما ماحناش هنا
10
وربما مانيش انا
وربما مش انت شى جيفارا
وربما انا والورق دلوقت
مانيش فى اوطانى
وربما باكتب وبس
خلاص ضمير .. لحظه عذاب
لا باشتكى نفسى ولا اخوانى
( .. الربما فى كل شيىء فى العالم الثالث باارنستو .. )
لان مفيش غير طريق واحد
مت انت على جنبه برشاشهم
ونخرجوا فى الصبح نتهامس
" ان كان جيفارا مات فجيفارا فينا عاش
ودمه راح يروى ابتسامات الرجال والامهات فى العالم الانسانى "
......................................
واهرب انا آخر النهار للركن ده
وحدانى ..
اشكو اليك فى الليل ياارنستو
وتحت لمبه جاز .. قليله الجاز .. نفسى .. واخوانى
مين انت يا ارنستو .. ؟
الجناين
30 ديسمبر 1967
عبد الرحمن الابنودى
.. ...
الزراير - شارع النيل - امام برج الساعة
السويس، مصر
الجوال: 01007147647
البريد الألكتروني: admin@suezbalady.com