278 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
مهمتهم الحياة لا السلاح، لكن طعنات النكسة أصابتهم من حيث لا يحتسبون، كغيرهم من سواد الشعب، شعروا بجرح غائر فى كرامتهم الوطنية، وانتقاص لقدرهم كرجال فى الدفاع عن أعراضهم، لا يأبهون الموت، يطلبون الشرف الأكبر فى ساحة القتال، يقينهم أن الموت قادم لا محال، فأين يلقون الله؟!
انتفضوا رغم قلة حيلتهم لصد العدوان عن الأهل والبلاد، طلبوا التجنيد لكن أعمارهم تخطت القواعد التنظيمية للمؤسسة العسكرية، لجأوا إلى حركة فتح لإدراجهم تحت راية العمليات المدنية، فما إن علمت المخابرات الحربية بهذا الطلب حتى استدعتهم فرادى، كلُ بما نطق يقول للقادة العسكريين عما دار، أخبروهم برغبتهم الحثيثة فى مجابهة العدو الراكن إلى الضفة الشرقية من القنال، يصطاد أرواح ذويهم كالطيور العابثة، وافقت الإدارة على استخدامهم لعمليات نوعية، بينما كانت تُعيد ترتيب صفوف الجيش بأفراده ومعداته وصولًا لقادته.
اثنا عشر رجلًا بعضهم لا زال على قيد الحياة، وهبوا أنفسهم للموت قبل الحياة، منهم الفدائى عبدالمنعم قناوى، الذى يتذكر بعزة ما قاموا به منذ ٥ يونيو ١٩٦٧. يقول: “بعد النكسة كوّنا مجموعات المقاومة الشعبية، وكان هدفها الرئيسى حماية المنشآت الحيوية داخل المدينة كالمصانع والمدارس والمساجد والمستشفيات، وتم تشكيل مجموعة تسمى الفرقة الانتحارية وكان واجبها أن تقود لنشات بداية من الساعة السادسة مساءً حتى الصباح تجوب منطقة الغاطس فى السويس، حيث كنا نؤمن البواخر من منطقة غاطس التى تبعد عن العدو حتى لا يستهدفنا”.
هذه الحماية المفروضة على المنشآت جعلت مجموعة الفدائيين ترغب فى القيام بهجمات أولية من ناحية الضفة الغربية، يُضيف قناوى “تم إنشاء منظمة للعمل الفدائى للمدنيين لتكون بمثابة إزعاج للعدو بموافقة قيادة المخابرات الحربية بالسويس فى هذا الوقت، وتم تسميتها “منظمة سيناء العربية” وبعد التدريب الشاق، بدأنا فى القيام بعمليات ازعاج للعدو خلال مرحلة إعادة بناء القوات المسلحة عقب ٥ يونيو، عن طريق نسف الطرق والمعدات والدبابات وخطوط الاتصالات، وكانت هذه العمليات تتم ليلًا وعلى أهداف ثابتة”.
يوم ٥ نوفمبر ١٩٦٩، كان الحدث الأبرز لكتيبة الفدائيين، حيث جرت أول عملية استهداف مباشرة للعدو نهارًا، بعدما بدأوا التدريب للعملية بسرية تامة، فى إحدى المناطق القريبة من ميناء العين السخنة، والتى طالما تدربوا فيها على معظم عملياتهم الفدائية التى قاموا بها.
“وضح النهار”.. هكذا سُميت العملية باسم توقيت حدوثها، فقد تحرك الفدائيون مع سطوع أشعة الشمس للمرة الأولى بعدما كانوا ينفذون عملياتهم ليلًا خوفًا من الاستهداف، حددوا الهدف بالعبور للضفة الشرقية من القناة، وتدمير دورية إسرائيلية ورفع العلم المصرى على سيناء، والرجوع بأسير إسرائيلى على الأقل لضرب العدو معنويًا.
يقول قناوى “تم تكليف الشهيد مصطفى أبو هاشم بهذه العملية، ومحمود عواد قائد ثانى المجموعة، وقمنا بمراقبة الدورية، واستأذنا من قائد السرية المجاورة للعبور إلى الضفة؛ لاستطلاع الأرض على الواقع، لأن هذه المنطقة لا ينام فيها الجنود لأنهم اعتادوا سماع تحركات دبابات ومدرعات طوال الليل. عندما عبرنا اكتشفنا أنها خدعة من العدو عن طريق ميكروفون مثبت بالأرض ولا توجد أى قوات للإغارة على الأهداف المصرية. وبالتالى عبرنا من شرق قناة السويس، كنا ١٢ فدائيا واشتبكنا مع دورية متحركة للعدو الإسرائيلى مكونة من عربتين ودبابة، وتم قتل عدد منهم، ونجحنا فى أسر أحد أفراد هذه الدورية ورفع العلم المصرى لأول مرة يرفرف شرق القناة وكان مزارا سياحيا عسكريا لكل القوات المصرية الموجودة فى القطاع الجنوبى لجبهة القتال فى ذلك الوقت”.
فدائيون كثيرون لاحوا على خطوط العدو، ينغصون راحته، ويعكرون صفو مزاج جنوده، فعبد المنعم قناوى ذهب فى سيناء خلف خطوط العدو، بعد نكسة يونيو، يستطلع تجهيزاته ومعداته ويرسلها فورًا إلى القيادة، وكيف كان هو المصرى الوحيد الذى استطاع أن يعبر من ثغرة الدفرسوار فى ليلة ١٦ أكتوبر وقتما كان اللواء الإسرائيلى بقيادة شارون يعبر قناة السويس ويحتل الضفة الغربية للقناة، واستطاع «قناوى» إنقاذ مركز قيادة الجيش الثالث من استهداف قوات العدو الإسرائيلى وقت حصار السويس.
يُضيف قناوى: «كنت موجودا فى سيناء منذ يوم ١٤ سبتمبر وحتى ١٥ أكتوبر ١٩٧٣، بعدها صدرت لى الأوامر أن انتقل من ممر متلا وحتى منطقة الدفرسوار، وحينما وصلت هناك راقبت رأس كوبرى كان العدو يبدأ فى إنشائه، ووجدت العدو يسحب الأفراد من على الكبارى، لأنه لو تم تفجير الكبارى سيتم إصلاحها، لكن الجندى الذى سيقتل ليس له بديل، من هنا راقبت الكبارى ٤٨ ساعة، ووجدت آثاراً لقوارب مطاطية عبر من خلالها جزء من قوات العدو إلى غرب القناة، ونجحت فى العبور من أحد كبارى العدو واخترق الثغرة وجمع كافة المعلومات وإبلاغها إلى القيادة.
كبريت الأولى
محمود عوّاد، هو أحد أبطال الفدائيين فى السويس، وقام بالعديد من العمليات خلال فترة حرب الاستنزاف، وشملت توصيل عدد من الفدائيين إلى سيناء عبر لانشات مطاطية وتأمين وصولهم للضفة الشرقية للقناة، بعدها بدأ التكليف المحدد لعواد بزرع ألغام خلف خطوط العدو فى سيناء، كان ذلك فى أواخر عام ١٩٦٧، وكان الغرض من هذه العملية، هو زرع تسعة ألغام فى منطقة تسمى كبريت فى سيناء، والغرض منها تدمير دورية إسرائيلية كانت تمر من تلك المنطقة.
كانوا جزءًا من المعركة!
يقول محمد أبو ليلة، مؤلف كتاب «كل رجال السويس»، وهوّ يختص بذكر بطولات الفدائيين حتى انتصار أكتوبر، إن رجال المقاومة الشعبية قاموا بتنفيذ عدد من العمليات الفدائية على جبهة القتال خلال حرب الاستنزاف، مثل عملية «وضح النهار»، والتى أسفرت عن أسر جندى من جنود العدو ومقتل عشرة إسرائيليين بينهم ضابط بهذه السهولة والسلاسة.
وأضاف: «كيف قاد عواد زملاءه الفدائيين لتحقيق كل هذه الانتصارات فى معركة كبريت الأولى ومنع احتلال القوات الإسرائيلية للجزيرة الخضراء؟، كيف قادتهم تلك المعارك للتصدى لقوات العدو الإسرائيلى يوم ٢٤ أكتوبر فى معركة الأربعين؟، كيف قتل عواد بيديه قائد الشرطة العسكرية الإسرائيلية وقت حصار إسرائيل للسويس، بعدما أطلق قذيفة من سلاحه الآر بى جى على سيارة القائد الإسرائيلى».
وأشار «أبو ليلة» إلى أن هذه الأعمال التى قام بها فدائيو السويس كانت نقطة الانطلاق لتفكير القيادة العامة للقوات المسلحة وتشجيعها على البدء فوراً فى خوض حرب استنزاف طويلة ضد العدو الإسرائيلى، وكما أكدت الكثير من الكتب العسكرية فإنه لولا حرب الاستنزاف لما انتصر الجيش المصرى يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، ولو تابعت جزءا ضئيلا مما قدمه الفدائيون بعد نكسة يونيو، ستعرف لماذا قررت إسرائيل أن تنشأ خط بارليف المنيع كى يتصدى لاعتداءات الفدائيين من أبناء السويس.
فقلما نجد من يعرف عن عملية وضح النهار ورفع العلم المصرى لأول مرة فى سيناء منذ نكسة يونيو، ويجهل الكثيرون تفاصيل عملية كبريت الأولى والتى دمرت دورية إسرائيلية وقتلت ثمانية من العدو، كما يجهل البعض عملية عن إنقاذ مركز قيادة الجيش الثالث من الدمار وقت حصار السويس أو الاستيلاء على ٢٠٠ بندقية آلية، وثمانية مدافع هاون وآلاف الذخائر من أسلحة العدو، بل ومحاربته بها.
الزراير - شارع النيل - امام برج الساعة
السويس، مصر
الجوال: 01007147647
البريد الألكتروني: admin@suezbalady.com