بقلم الكاتب : محمد عبد اللطيف حمدان
ليس كل متعلم مثقف بينما كل مثقف لا بد أن يكون متعلما وكثير من علماء الاجتماع يؤكدون على إن المثقف هو الإنسان الايجابي في سلوكه الذي يستوعب ثقافة مجتمعه بدرجة من الوعي الذي يصل به إلى درجة الرقي الإنساني السليم
من بين المثقفين الذين اشتهروا بالوعي الثقافي العالي في السويس المعلم يحي محمود عارف صاحب مقهى ( نيو سوريا ) الملقب بـــــــــ ( يحيي سوريا ).
ولد يحي محمود عارف يوم 26 من شهر نوفمبر عام 1940 في بيت أبيه احد الشخصيات التي كانت قد نزحت الي مصر من سوريا الشقيقة وأقامت في جزيرة بدران بروض الفرج في القاهرة .. هناك في العاصمة افتتح الحاج محمود عارف دكانا صغير لبيع الحلويات الشامية .
و شب عود الفتي ( يحي ) حتي الحقه الوالد بأحد كتاتيب تحفيظ القران فتعلم الصغير حروف الهجاء والمطالعة وكان منذ صباه مولعا بقراءة الكتب والمجلات القديمه التي يجدها عند باعه الصحف.
بسبب الانهيار الاقتصادي الذي حدث في مصر إبان الاحتلال ألبريطاني كسدت تجارة الأب في بيع الحلوى فنزح مع اسرته  الصغيرة الي السويس من اجل كسب لقمه العيش الحلال كما يفعل الكثيرين من أبناء وادي النيل وكانت الأسرة وقتها تضم الوالدة ويحيي وشقيقه الأصغر منه محمد وكان يحيي في الخامسة عشرة  من عمره .. في السويس وقف الأب صاحب الخبرة الطويلة في صناعه الحلويات الشامية وابنة المتميز قي صناعه البسبوسة بعربه صغيرة امام محلات الخواجة ( كولماكس ) الجواهرجي الواقع في بداية شارع النمسا وكانت مهارات الأب والابن الفائقة في صناعة الحلوى حديث المجتمع السويسي ... سنوات قليلة حتي استقل الابن ( يحيي ) عن والده فاختار لنفسه مكانا جديدا في نفس الشارع علي مقربة من والده تخصص في صناعة وبيع البسبوسة بالقشدة .
ظل الفتي المجتهد ( يحيي عارف ) يكد ويتعب في العمل دون كلل حتي بات تاجرا كبيرا امتلك مخبرا ومحلا ومقهى شهير غير إن ميله الفطري للمطالعة ومواظبته الدائمة علي القراءة جعله يكتسب معرفه بكل شئ حتي أصبح واحدا من أشهر مثقفي المدينة مواظبا علي الجلوس مع رجالات السويس الكبار ثقافيا في الخمسينات امثال الأستاذ فتحي خليل الصحفي القدير بمجله روزا اليوسف في تلك الفترة والروائي المخضرم ( سيد الشوربجي ( والأستاذ ( يوسف فكرى ) رئيس تحرير مجله المصور الأسبوعية و الكابتن محمد احمد غزالي صديقه التاريخي .
امتلك يحي عارف رصيدا معرفيا كبيرا في كافة الأمور الثقافة وقرا كثيرا في مناحي الشعر والأدب والفلسفة والعلوم التقنية والبحثية فكان رحمة الله علية مثقفا واعيا تعدى حدود اختصاصه كبائع بسبوسة وصاحب مقهى بلدي حيث تكلم في القضايا السياسية بوعي ملموس وكان مرجعا ومكتبة لأصدقائه وزبائنه حيث وفر لرواد مقهاه الكثير من الكتب والجرائد والصحف أليوميه لاستعارتها وقراءة محتوياتها بالمجان .
كان رحمة الله علية مثقفا واعيا واحد من شكلوا الواعي الحقيقي فكان صاحب رؤية سليمة قادر على التحليل المنطقي السليم امتلك أسلوب بديع في انتقاء ألألفاظ ولباقة في الحديث المنظم والسلوك السليم .
لقب بــــ ( ابن بطوطة) نظرا لرحلاته الكثيرة إلي معظم بلدان العالم وهي الرحلات التي كانت كلها من ماله الخاص من اجل معرفة عادات الشعوب حول الكرة الأرضية وكان مقصده في ترحاله دول أوربا الغربية والشرقية وبعض الدول االافريقيه وعدد من دول فارة اسيا حيث حط زائرا في عواصم انجلترا وفرنسا واسبانيا ويوجوسلافيا وايطاليا ورومانيا والاتحاد السوفيتي وأوكرانيا وتشيكوسلوفاكيا وتركيا وألبانيا وكل دول شمال إفريقيا وما يعرف ببلدان العالم الثالث ومدن شبه القارة الهندية في آسيا الوسطى في الصين وفيتنام وكمبوديا وعرف خلال رحلاته الكثيرة من عادات وتقاليد شعوب تلك البلدان حيث سمع موسيقي الصعاليك في فرنسا وشاهد بهلوانات السيرك في روسيا وأوكرانيا وزار كنائس روما والفاتيكان العتيقة ومشي في طرقات لندن الواسعة وتعرف علي النساء الجميلات في أشهر الملاهي الليلية في تلك الأماكن .. والغريب إن اللغة العربية واللكنة المصرية كانت هي اللغة الوحيدة التي استخدمها في معظم رحلاته التي امتدت إلى أكثر من ثلاثين عاماً غطي خلالها معظم دول العالم شرقا وغربا .
ظل رحمه الله عليه يطوف العالم سنويا دون انقطاع إلي إن أضناه تعب السفر وقرر العودة الي معشوقته السويس ..وما إن قرر سرد رحلاته ومغامراته في كتاب وثائقي بعد رحله طويلة لم يمهله الأجل حيث توفاة الله في يوم 5 يونيه عام 2011 بعدما لحقته ازمه قلبيه وهو في نحو الثانيه والسبعين من عمره .
رحمة الله عليك يا معلم يحيي يا ابن بطوطة بحق يا صاحب أشهر مقاهي السويس الذى استطاع إن يحدد مواقفه مع الآخرين بكل وضوح وشفافية حسب فهمه للوقائع … في ذمه الله صديقي المعلم يحي عارف