ولقد سأل الرسول عليه السلام، عندما بلغه صنيع خالد بن الوليد ..
سأل عليه السلام قائلا :
" هل أنكر عليه أحد ".. ؟؟
ما أجله سؤالا، وما أروعه .. ؟؟!!
وسكن غضبه عليه السلام حين قالوا له :
" نعم .. راجعه سالم وعارضه " ..
وعاش سالم مع رسوله والمؤمنين ..
لا يتخلف عن غزوة ولا يقعد عن عبادة ..
وكان اخاؤه مع أبي حذيفة يزداد مع الأيام تفانيا وتماسكا ..
وانتقل الرسول الى الرفيق الأعلى ..
وواجهت خلافة أبي كبر رضي الله عنه مؤامرات المرتدّين ..
وجاء يوم اليمامة ..
وكانت حربا رهبة، لم يبتل الاسلام بمثلها ..
وخرج المسلمون للقتال ..
وخرج سالم وأخوه في الله أبو حذيفة ..
وفي بدء المعركة لم يصمد المسلمون للهجوم .. وأحسّ كل مؤمن أن المعركة معركته، والمسؤولية مسؤوليته ..
وجمعهم خالد بن الوليد من جديد ..
وأعاد تنسيق الجيش بعبقرية مذهلة ..
وتعانق الأخوان أبو حذيفة وسالم وتعاهدا على الشهادة في سبيل الدين الحق الذي وهبهما سعادة الدنيا والآخرة ..
وقذفا نفسيهما في الخضمّ الرّهيب .. !!
كان أبو حذيفة ينادي :
" يا أهل القرآن .. زينوا القرآن بأعمالكم " .
وسيفه يضرب كالعاصفة في جيش مسيلمة الكذاب ..
وكان سالم يصيح :
" بئس حامل القرآن أنا .. لو هوجم المسلمون من قبلي " .. !!
حاشاك يا سالم .. بل نعم حامل القرآن أنت .. !!
وكان سيفه صوّال جوّال في أعناق المرتدين، الذين هبوا ليعيدوا جاهلية قريش .. ويطفؤا نور الاسلام ..
وهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها.. وكان يحمل بها راية المهاجرين بعد أن سقط حاملها زيد بن الخطاب
...ولما رأى يمناه تبتر، التقط الراية بيسراه وراح يلوّح بها الى أعلى وهو يصيح تاليا الآية الكريمة : "
وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " ...ألا أعظم به من شعار .. ذلك الذي اختاره يوم الموت شعارا له .. !!
وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل .. ولكن روحه ظلت تتردد في جسده الطاهر، حتى انتهت المعركة بقتل نسلمة الكذاب واندحار جيش مسيلمة وانتصار المسلمين ..
وبينما المسلمون يتفقدون ضحاياهم وشهداءهم وجدوا سالما في النزع الأخير ..
وسألهم : ما فعل أبو حذيفة .. ؟؟
قالوا : استشهد ..
قال : فأضجعوني الى جواره ..
قالوا : انه الى جوارك يا سالم .. لقد استشهد في نفس المكان .. !!
وابتسم ابتسامته الأخيرة ..
ولم يعد يتكلم .. !!
لقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان .. !!
معا أسلما ..
ومعا عاشا ..
ومعا استشهدا ..
يا لروعة الحظوظ، وجمال المقادير .. !!
وذهب الى الله، المؤمن الكبير الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يموت : " لو كان سالم حيّا، لوليته الأمر من بعدي " .. !!