Login to your account

Username *
Password *
Remember Me

تاريخ بدون تشويه ..حصار السويس حكايه ١٠٠ يوم مجهوله في حرب أكتوبر

 

في فجر يوم 23 أكتوبر انتهكت إسرائيل قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر 73 بوقف اطلاق النار، فقد تقدمت الفرقتان المدرعتان بقيادة الجنرالين ابراهام أدان وكلمان بموافقة القيادة الجنوبية الاسرائيلية، جنوبا في اتجاه السويس، وأصبح من الواضح أن اسرائيل مصممة على تحقيق أهدافها التي لم تتمكن من تحقيقها قبل وقف اطلاق النار، بسبب المقاومة المصرية الباسلة، وهي عزل مدينة السويس واحكام الحصار حول الجيش الثالث الميداني شرق القناة، لاستخدام ذلك كورقة رابحة في يدها للمساومة بها خلال المحادثات التي كان من المنتظر عقدها بينها وبين مصر وفقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 338.

وفي الساعة التاسعة والنصف صباحا يوم 23 أكتوبر بتوقيت شرق الولايات المتحدة، اتصل كورت فالدهايم السكرتير العام للأمم المتحدة من نيويورك بوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في واشنطن هاتفيا، واخطره أن مصر تقدمت بشكوى رسمية عن الخرق الاسرائيلي لوقف اطلاق النار، وانه يقترح ايفاد قوة طوارئ دولية لمراقبة وقف اطلاق النار.

قرار مجلس الأمن رقم 339

أفراد المقاومة الشعبية يقفون بالقرب من دبابة إسرائيلية مدمرة أثناء معركة السويس.

نظرا لان السفير السوفيتي أناتولي دوبرينين كان لا يزال في موسكو عقب حضوره محادثات الرئيس بريجينيف وكسنجر يوم 21 أكتوبر في العاصمة السوفيتية، فقد بادر كيسنجر عقب حديث فالدهايم معه الى الاتصال بالقائم بالأعمال السوفيتي في واشنطن، وقدم له اقتراحا لينقله الى موسكو، وهو أن يجتمع مجلس الأمن كي يكلف السكرتير العام فالدهايم باصدار نداء الى الاطراف المعنية بضرورة الالتزام بوقف اطلاق النار وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 338.

وكان هنري كيسنجر الشديد التعصب لاسرائيل بحكم ديانته اليهودية، قد استغل منصبه كوزير خارجية الولايات المتحدة لتقديم مساعدات ضخمة لاسرائيل منذ بداية الحرب في شتى المجالات. وأثناء محادثاته مع بريجينيف خلال رحلته الى موسكو من اجل وقف اطلاق النار، تعمد اضاعة الوقت وتأخير اجتماع مجلس الامن لكي يعطي مهلة اضافية لاسرائيل عسى أن تسجل قواتها مزيدا من التقدم في جبهة القتال.

وخلال وجوده في موسكو أبرقت اليه جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل تطلب منه القدوم الى اسرائيل قبل عودته الى واشنطن، وعلى الفور غير كيسنجر من مسار رحلته كلها لكي يستجيب لطلب رئيسة وزراء اسرائيل، ووصل الى مطار بن جوريون في الساعة الواحدة ظهر يوم 22 أكتوبر أي بعد صدور قرار مجلس الامن رقم 338 بست ساعات.

وقبل أن يغادر كيسنجر اسرائيل، كان موعد سريان وقف اطلاق النار قد حل، وقد سجل كيسنجر في مذكراته ما يثبت تماما انه قد استغل منصبه لكي يعطي اسرائيل ضوءا اخضر لكي تخرق وقف اطلاق النار، فقد ذكر بالحرف: "في اسرائيل ولكي احظى بمساندتهم فانني أشرت لهم انني سوف اتفهم الامر اذا افلتت ساعات قليلة من سريان وقف اطلاق النار، وستفلت هذه الساعات بينما اكون عائدا بطائرتي الى واشنطن". وعلى ذلك لم يكن اقتراح كيسنجر للقائم بالاعمال السوفيتي بتكليف مجلس الامن لفادلهايم باصدار نداء الى الاطراف المعنية للالتزام بوقف اطلاق النار. . سوى حلقة جديدة من سلسلة اضاعة الوقت التي أحكم كيسنجر تدبيرها لمنح القوات الاسرائيلية الفرصة التي تتوق اليها لتحقيق أهدافها.

ولكن كيسنجر في غمرة مناوراته الملتوية نسى أن زعماء الكرملين في موسكو كانوا يدركون جيدا حقيقة اهدافه ومراميه في سبيل خدمة اسرائيل، ولذا أدركته الدهشة حينما نقل اليه القائم بالاعمال السوفيتي مذكرة عاجلة موجهة اليه من الرئيس السوفيتي بريجنيف، اذ ان ذلك الاجراء لم يسبق حدوثه من قبل، فان بريجنيف وفقا للاعراف الدبلوماسية لا يوجه رسائله الا الى الرئيس الأمريكي نيكسون. وفهم كيسنجر على الفور ان الرئيس السوفيتي يريد ان يلفت نظره بهذه الرسالة المباشرة المرسلة اليه.. الى أنه يدرك جيدا حقيقة الدور الذي يلعبه في الخفاء لكي يخدم اسرائيل. وسجل بريجنيف في رسالته ان القوات الاسرائيلية تتحرك جنوبا بمحاذاة الضفة الغربية لقناة السويس، وان هذه الاعمال الاسرائيلية غير مقبولة وتمثل خداعات وتحايلا فاضحا، ولذا فهو يقترح اجتماعا عاجلا لمجلس الامن ظهر لاعادة تاكيد وقف اطلاق النار، واصدار الامر للقوات الاسرائيلية بالعودة الى المواقع التي كانت عليها لحظة صدور القرار رقم 338 في اليوم السابق.

وفور تلقي كيسنجر رسالة بريجنيف ، سارع بالاتصال بالسفير الاسرائيلي في واشنطن سيمحا دينتز لابلاغه بهذا التطور. وخلال دقائق معدودات كانت جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل على سماعة الهاتف تطلب كيسنجر من تل أبيب. واخبرها كيسنجر بان الولايات المتحدة لن تتمكن من الاعتراض على مشروع قرار يتقدم به الاتحاد السوفيتي الى مجلس الامن لعودة القوات المتحاربة الى خط 22 أكتوبر وفقا لقرار رقم 338 الذي اشتركت الولايات المتحدة نفسها في صياغته وتقديمه. وعندما لاحظ كيسنجر قلقها أخذ يهدئ من روعها فقال لها وفقا لما ورد في مذكراته بالحرف: "انني اقترح عليك ان تنسحب قوات اسرائيل في هذه الحالة مئات قليلة من الياردات من أي موقع تكون قد وصلت اليها الان، ثم تقف وتقول ان هذه هو خط 22 أكتوبر". وأضاف كيسنجر متهكما لرئيسة وزراء اسرائيل: "كيف يمكن لاي شخص أن يعرف على الاطلاق أين كان يوجد خط 22 أكتوبر في الصحراء؟".

وهكذا أعطى كيسنجر الضوء الاخضر الجديد لاسرائيل لكي تمضي قواتها في عملياتها الحربية منتهكة قرار وقف اطلاق النار دون خوف من عقاب، اذ ان الحل بسيط فيما لو تأزمت الأمور، هو أن تنسحب قوات اسرائيل بضع مئات من الياردات وتقول: هذا هو خط 22 أكتوبر.

لقد كان هنري كيسنجر هو وزير خارجية احدى القوتين العظميين، ويمكنها أن تعرف بسهولة بوسائلها المتطورة في الاستطلاع الجوي اين كان يوجد خط 22 أكتوبر على وجه التحديد، وكان كيسنجر بالذات قد تسلم قبل مغادرته اسرائيل تقريرا عسكريا اسرائيليا كان يحدد خط 22 أكتوبر، ومع ذلك فهو نفسه الذي يقول لرئيسة وزراء اسرائيل متهكما.. ان أحد لا يعرف مطلقا أين كان يوجد خط 22 أكتوبر. وقد سجل كيسنجر في مذكراته أنه في محاولة لكسب الوقت اتصل بالقائم بالأعمال السوفيتي في حوالي الساعة الحادية عشرة ونصف.. لكي يخبره أن الولايات المتحدة لا تمانع في دعوة مجلس الأمن للانعقاد ظهرا، ولكنها لن تكون على استعداد للتصويت الا فيما بعد، كما أنها لا توافق على انسحاب اسرائيل الى خط 22 أكتوبر.

وفي حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا – أي في خلال ساعة واحدة فقط من رسالة كيسنجر الى موسكو – وردت رسالة من بريجنيف في هذه المرة الى الرئيس الأمريكي نيكسون. وكانت رسالة الرئيس السوفيتي شديدة اللهجة. فقد أشار في رسالته الى أن الاتحاد السوفيتي، يرى أن خرق اطلاق النار هذه المرة هو خيانة في ظل ضمان كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لذلك فهو يطلب اتخاذ أكثر الاجراءات فعالية بصفة مشتركة وبدون اي تاخير لفرض وقف اطلاق النار.

ونظرا لان نيكسون لم يكن مشتركا مع وزير خارجيته في مناوراته المشبوعة لمساندة اسرائيل في استمرار خرقها لوقف اطلاق النار – اذ ان ذلك لم يكن في صالح الولايات المتحدة – فقد بعث برده الى بريجنيف الذي أقر فيه بالمسئولية الكاملة للولايات المتحدة عن التزام اسرائيل بوقف اطلاق النار، وموافقته على ضرورة اعادة اسرائيل الى خط 22 أكتوبر. واضطر كيسنجر الى ابلاغ القائم بالاعمال السوفيتي برسالة نيكسون الى بريجنيف، التي كانت تتناقض مع ما سبق أن أبلغه لموسكو من عدم موافقة الولايات المتحدة على الانسحاب الى خط 22 أكتوبر.

وعندما علم القادة السوفيت ان القوات المدرعة الاسرائيلية غرب القناة تندفع الى الجنوب في سرعة خاطفة دون اكتراث بوقف اطلاق النار في محاولة لعزل السويس ومحاصرة الجيش المصري الثالث شرق القناة، اتحذ بريجنيف خطوة أشد عنفا مما سبق. فبعث برسالة جديدة الى الرئيس نيكسون، أصبحة هي الرسالة الثانية خلال أقل من ساعتين، يطلب فيها دعوة مجلس الامن للانعقاد في الحال لفرض وقف اطلاق النار واعادة القوات الاسرائيلية الى خط 22 أكتوبر دون أي تأخير. وبعد هذا الموقف المتشدد من السوفيت، اضطر كيسنجر الى تغيير موقفه كما يبدو بوضوح في مذكراته، فقد ذكر ان اعتبارات أخرى قد طرأت على الموقف، فلم تكن للولايات المتحدة مصلحة في رؤية السادات يتم تدميره عن طريق انهيار وقف اطلاق النار الذي كانت الولايات المتحدة نفسها شريكة في الاشراف عليه، وانه في حالة سقوط السادات فان المرجح ان يحل قائد راديكالي يميل الى السوفيت، وسوف تقوم الأسلحة السوفيتية في وقت قياسي باعادة تشكيل ما يعادل قوات الجيش الثالث، ولابد في هذه الحالة من نشوب حرب أخرى بين مصر واسرائيل ان عاجلا أو آجلا.

وازاء هذه التطورات، تم ابلاغ بريجنيف في الخامسة والربع مساء بأن واشنطن توافق على التقدم بمشروع أمريكي سوفيتي مشترك الى مجلس الأمن لتثبيت وقف اطلاق النار ومطالبة القوات المتحاربة بالعودة الى خط 22 أكتوبر. وبناء على ذلك اجتمع مجلس الأمن مساء يوم 23 أكتوبر، وعندما تقدم جون سكالي مندوب الولايات المتحدة بالمشروع الأمريكي أعلن المندوب السوفيتي جاكوب مالك تأييده للمشروع، وطالب بالاقتراع عليه في الحال فأحرز 14 صوتا لامتناع الصين عن التصويت، وصدر بذلك القرار الذي عرف باسم قرار مجلس الأمن رقم 339 ، وكان نصه كما يلي: "ان مجلس الأمن اذ يشير الى قراره رقم 338 الصادر بتاريخ 22 أكتوبر 73:

أولا – يؤكد قراره المتعلق بوقف جميع أنواع اطلاق النار وجميع الانشطة العسكرية فورا، ويحث على أن تعود قوات الجانبين الى المواقع التي كانت تحتلها عند نفاذ قرار وقف اطلاق النار.

ثانيا – يطلب من السكرتير العام اتخاذ الاجراءات اللازمة لارسال مراقبين من الأمم المتحدة فورا لمراقبة الالتزام بوقف اطلاق النار بين قوات اسرائيل وقوات جمهورية مصر العربية مستخدما لهذه الغاية أفراد الأمم المتحدة الموجودين حاليا في الشرق الأوسط، وفي المقام الأول الموجودين في القاهرة".

خرق وقف اطلاق النار

الجنرال أڤراهام أدان قائد الفرقة 162.

عند منتصف ليلة 23/24 أكتوبر كانت القوات الاسرائيلية التي اندفعت في اتجاه الجنوب منذ فجر 23 أكتوبر قد أكملت في ظل وقف اطلاق النار حلقة الحصار حول مدينة السويس، فقد تم لها قطع طريق السويس القاهرة من ناحية الغرب، والطريقين اللذين يؤديان الى الاسماعيلية من ناحية الشمال، وهما طريق القناة وطريق المعاهدة، كما تم لها قطع الطريق البري الذي يربط السويس بميناء الأدبية وخليج السويس من ناحية الجنوب، وبوصول بعض القطع البحرية الاسرائيلية صباح يوم 24 أكتوبر الى ميناء الأدبية تم قطع الطريق البحري الذي يربط السويس بالخليج والبحر الأحمر.

وفي نفس الوقت الذي تم فيه عزل السويس عن العالم الخارجي، نجح العدو في احكام حصاره للجيش الثالث الميداني شرق القناة، وكان هذا الجيش يتشكل من فرقتين 7 مشاة و19 مشاة وقوامها حوالي 40.000 ضابط وجندي ونحو 250 دبابة. وعلاوة على ذلك أصبحت هذه القوات كلها هي ومدينة السويس خارج نطاق شبكة الدفاع الجوي (سام) فقد كان الجيب الاسرائيلي الممتد من جنوب ترعة الاسماعيلية شمالا حتى ميناء الأدبية جنوبا يفصل بين كتائب الصواريخ المصرية أرض جو في الغرب ووحدات الجيش الثالث ومدينة السويس في الشرق مما أتاح الفرقة للطائرات الاسرائيلية للقيام بهجماتها العنيفة المركزة على السويس وعلى قوات الجيش الثالث دون اي فرصة لردع الطائرات الاسرائيلية المغيرة. هذا ولم تكن لدى القيادة المصرية وقتئذ أي قوات احتياطية غرب القناة سواء على المستوى التعبوي أو الاستراتيجي للقيام بهجوم مضاد رئيسي أو للقيام بضربة مضادة يمكن عن طريقها انهاء عزلة السويس وفك الحصار عن وحدات الجيش الثالث شرق القناة.

وبتعليمات من السكرتير العام للأمم المتحدة الجنرال الفنلندي إنزيو سيلاسفو قائد قوات الطوارئ الدولية في قبرص كلا من القاهرة وتل أبيب عقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 339 في 23 أكتوبر، وتم الاتفاق بينه وبين المسئولين في القيادتين المصرية والاسرائيلية على أن تلتزم قوات الطرفين بالموعد الثاني لوقف اطلاق النار وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 339 وهو الساعة السابعة صباحا يوم 24 أكتوبر.

ورغم اعلان اسرائيل قبولها لهذا الموعد الجديد لوقف اطلاق النار، فان عملياتها الحربية ضد الجيش الثالث وضد مدينة السويس استمرت طوال المدة من 24 إلى 27 أكتوبر. فقد كان الاسرائيليون يأملون أن تستسلم خلال هذه الفترة تحت ضغطهم الشديد قوات الجيش الثالث المحاصرة، وأن ينجحوا في اقتحام مدينة السويس قبل وصول قوات الامم المتحدة. ولو قدر لهم أن يحققوا ما كانوا يهدفون اليه لكانت مصر قد واجهت كارثة عسكرية من أسوأ الكوارث في تاريخها.

ولا شك في أن من أهم العوامل التي شجعت القيادة الاسرائيلية على الاستمرار في محاولاتها لحصار وتدمير الجيش الثالث والاستيلاء على مدينة السويس، تلك المساعدات الأمريكية الجبارة عبر الجسر الجوي الأمريكي لتزويدها بأحدث الأسلحة والمعدات المتطورة في محاولة لقلب ميزان الموقف العسكري بعد النجاح الساحق الذي أحرزته القوات المصرية في المرحلة الأولى من الحرب. وكان الالتزام الامريكي بضمان أمن وسلامة اسرائيل الذي يمثل خطا استراتيجيا رئيسيا في السياسة الامريكية بمنطقة الشرق الأوسط، هو العامل الاول الذي شجع اسرائيل على مواصلة عملياتها الحربية غرب القناة على الرغم من صدور قرارين من مجلس الامن بوقف اطلاق النار، وهما القراران رقما: 339 في 22 أكتوبر، و339 في 23 اكتوبر ، اللذان أعلنت اسرائيل نفسها موافقتها عليهما.

وقبل مهاجمة مدينة السويس، وبعد احكام الحصار حولها، كان هدف القيادة الاسرائيلية هو القضاء على بقايا وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية التي اشتركت في المعارك التعطيلية العنيفة ضد قوات الجنرال ابراهام أدان المتقدمة على المحور الساحلي الموازي للبحيرات المرة والقناة، مما أدى في النهاية الى تداخلها بين القوات الاسرائيلية.

وفي مساء يوم 23 أكتوبر كانت بقايا الوحدات الفرعية للفرقة السادسة الميكانيكية متمركزة في بعض المواقع الدفاعية التي احتلتها على عجل في المنطقة المحصورة ما بين طريق القاهرة-السويس الشمالي (طريق 12) وطريق القاهرة-السويس الرئيسي. وكانت وصلة جنيفة التي تتقاطع مع الطريق الشمالي على مسافة 6 كم جنوب معسكر حبيب الله وتتقاطع مع الطريق الرئيسي عند علامة الكيلو متر 109، تحد هذه المنطقة من الشرق. وكانت قوات الفرقة السادسة الميكانيكية في وضع تكتيكي خطير بسبب احاطة قوات العدو بها من الجوانب الاربعة: من الشرق في منطقة عجرود ومدخل السويس، ومن الغرب في منطقة الكيلو متر 101 طريق القاهرة السويس، ومن الشمال في مرتفعات جبل جنيفة وجبل غرة والتبة الزلطية، ومن الجنوب جبل عتاقة وكان القضاء عليها يعتبر مسالة وقت لاغير. ورغم ذلك فان القيادة الاسرائيلية كانت تهدف الى سرعة تطهير جميع الهيئات الحاكمة والمرتفعات شمال طريق القاهرة –السويس حتى علامة الكيلو متر 101 غربا من القوات المصرية، حتى يمكنها القيام بعملياتها ضد مدينة السويس دون احتمال اي تدخل من جانب القوات المصرية التي كانت لا تزال في الغرب.

وبناء على تعليمات قائد الجيش الثالث الذي انتقل منذ مساء يوم 23 أكتوبر الى مركز قيادته الرئيسي في جنوب جبل عوبيد بعد اقتحام الدبابات الاسرائيلية لمركز قيادته المتقدم شمال غرب السويس، كان العميد أ. ح أبو الفتح محرم قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية موجودا عند علامة الكيلو متر 109 طريق القاهرة-السويس في الساعة السابعة صباحا يوم 24 أكتوبر بعد ان اصبح القرار الثاني لوقف اطلاق النار نافذ المفعول، انتظارا لوصول المراقبين الدوليين الذين وعد الجنرال سيلاسفو بارسالهم في هذا التوقيت لارشادهم الى مناطق التجمعات المصرية داخل المنطقة التي احتلها اسرائيل عقب القرار الاول لوقف اطلاق النار لامكان تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 339 باعادة القوات الاسرائيلية الى خط 22 أكتوبر.

ولكن مفاجاة قاسية كانت في انتظار العميد أبو الفتح. فبدلا من قدوم المراقبين الدوليين، قدمت الى المنطقة الدفاعية التي تحتلها وحدات فرقته الطائرات الاسرائيلية لتقوم بهجماتها المدمرة، وتلاها قصف عنيف مركز من المدفعية الاسرائيلية ، واتضح ان اعلان اسرائيل قبولها لوقف اطلاق النار كان في المرتين ستارا خادعا لتقوم من ورائه بعملياتها.

وقبل الظهر تقدمت الدبابات الاسرائيلية الى الموقع الدفاعي شمال تقاطع الكيلو متر 109 الذي كانت تحتله بقايا وحدات من اللواء الأول مشاة ميكانيكي من اتجاهي الشرق والغرب على طول طريق القاهرة السويس الرئيسي، وتحت قصف عنيف من المدفعية وعن طريق المعاونة المباشرة للطيران، اخترقت الدبابات الاسرائيلية الموقع الدفاعي في حوالي الساعة الثالثة والنصف مساء. وتحولت الدبابات الاسرائيلية بعد ذلك شمالا، وتحت ستار هجمات جوية مركزة وقصف مدفعي كثيف قامت الدبابات الاسرائيلية باختراق الموقع الدفاعي لبقايات وحدات اللواء 113 مشاة ميكانيكي في الساعة الخامسة مساء، وبذا تم تدمير وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية غرب القناة بعد معارك شرسة ، وسقطت جميع المواقع المصرية شمال طريق القاهرة السويس حتى علامة الكيلو متر 101 غربا.

وكان الجنرال ابراهام أدان قائد الفرقة المدرعة الاسرائيلية التي تحاصر السويس قد تلقى رسالة لاسلكية من الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية في الساعة الثانية صباح يوم 24 أكتوبر يسأله فيها اذا كان في مقدرته احتلال السويس في خلال ساعتين ونصف الساعة، وهي الفترة بين طلوع الفجر في الساعة الرابعة والنصف، وموعد السريان الثاني لوقف اطلاق النار في الساعة الرابعة صباحا. وعندما رد الجنرال ادان بأن هذا يتوقف على عدد المصريين المقاتلين بالمدنية ومدى تصميمهم على القتال، وأنه يستطيع الاستيلاءعلى جزء من المدينة من أسوأ الفروض، فتردد جونين قليلا ثم قال: "حسنا اذا كانت بئر السبع فتقدم على الفور، واذا كانت ستالينجراد فلا تدخلها". وبكلمات أخرى كان جونين يعني انه اذا كان في الامكان الاستيلاء على السويس بنفس السهولة التي بها استيلاء الاسرائيلية على مدينة بئر السبع في 20 أكتوبر 1948 فانه يوافق على الهجوم، ولكن اذا كان أدان سيلقي مقاومة مثل تلك التي صادفها الجنرال الالماني فون باولوس عند محاولة اقتحام مدينة ستالينجراد السوفيتية عام 1945 فينبغي عليه العدول عن المحاولة. وعقب هذا الحوار مباشرة أصدر الجنرال أدان أمرا الى قواته بالهجوم على مدينة السويس في صباح يوم 24 أكتوبر وفقا للخطة التالية:

لواء جابي: يتم دخول السويس من اتجاهين: من اتجاه الغرب على محور طريق القاهرة السويس، ومن اتجاه الجنوب الغربي على محور طريق الزيتية السويس، وتندفع القوتان الى وسط المدينة.

لواء آريين: يدخل السويس من اتجاهين: اتجاه الشمال (طريق الجنانين) ومن اتجاه الشمال الغربي، على أن يكون مجهود الرئيسي على اليمين بموازاة طريق القاهرة السويس، وكانت تتبع لواء آرييه من المظليين بقيادة المقدم يوسي. وكان على قوات آرييه الالتقاء بقوات جابي عند وسط المدينة. ولتأمين المدينة عقب اقتحامها بالدبابات الاسرائيلية، تم تخصيص كتيبتي مشاة من لواء دوفيك تماري لكي تتبع الدبابات على طريق القاهرة-السويس للقيام بعملية التطهير. وكانت الخطة تقضي بأن يتم معاونة هجوم لواءي جابي وآرييه بقصف مدفعي كثيف، وأن تتبعه في الحال ضربة جوية مركزية ضد مراكز المقاومة داخل السويس. وكان على لواء نيتكا ولواء دوفيك تماري (عدا كتيبتين) أن يواصلا عملية تطهير الحزام الاخضر بين الشلوفة والسويس.

وكان الاسرائيليون على ثقة بان قواتهم المدرعة لن تلبث أن تقتحم السويس دون اي مقاومة، وان عملهم سوف يخفق عليا على مبنى المحافظة خلال بضع ساعات من بدء الهجوم، اذ ان السويس- حسب معلوماتهم – كانت خالية من القوات العسكرية الا من بعض الجنود الشاردين الذين التجأوا اليها عقب المعارك الاخيرة، وكانت روحهم المعنوية بالطبع ضعيفة. ولذا اعتقد الجنرال أدان انه سيتوج زحفه الناجح غرب القناة بدخول السويس التي سيكون لسقوطها دوي سياسي هائل على المستوى العالمي، مما سيحقق له شهرة واسعة ومجدا ذائع الصيت. وكان على يقين بان دخولها سيكون صورة مماثلة لدخول بئر السبع خلال حرب عام 1948. ولم يكن يخطر على بال الجنرال أدان أن مدينة الأشباح كما كانت عناصر استطلاعه تسميها قد تحولت بفضل تلاحم الجيش مع الشعب الى قلعة حصينة ، وأن قواته المدرعة ستواجه ستالينجراد أخرى.

وكانت السويس – من وجهة النظر العسكرية- بعيدة تماما عن خطر التعرض لاي غارة اسرائيلية بعد أن نجحت القوات المصرية ذلك النجاح الساحق يوم 6 أكتوبر،وتمكنت من عبور قناة السويس، واجتياح خط بارليف وانشاء منطقة حصينة من رؤوس الكباري شرق القناة تكسرت أمام صلابتها وقوتها جميع الهجمات الاسرائيلية المضادة. ونتيجة لهذا الوضع لم تتخذ بشأن الدفاع عن المدينة أي تدابير عسكرية شاملة ، فلم توضع خطة مرسومة لمواجهة أي غزوة محتمل، ولم تخصص قوات كافية للدفاع عن مرافق المدينة ومنشآتها الهامة، ولم يعين قائد عسكري للسويس الا بعد أن تعرضت فعلا للغزو. فقد صدر الأمر بتعيين المستشار العسكري للمحافظة قائدا عسكريا لها مساء 23 أكتوبر. ورغم كل الظروف الصعبة التي واجهتها السويس عندما وجدت جيش الغزاة يحيط بها من كل جانب، استطاع شعبها الباسل باسلحته البدائية وبفضل التحامه بقواته المسلحة أن يصد تلك الجحافل المدرعة الفتاكة التي انطلقت يوم 24 أكتوبر تخترق شوارع المدينة

كان معظم سكان مدينة السويس قد تم تهجيرهم الى خارج المحافظة منذ أن بدأت معارك حرب الاستنزاف عام 1968 ، ولذا لم يكن داخل المدينة عند نشوب حرب أكتوبر 1973 سوى عدد قليل لا يتجاوز خمسة آلاف فرد كان معظمها من الجهاز الحكومي ورجال الشرطة والدفاع المدني وموظفي وعمال شركات البترول والسماد بالزيتية.

ونتيجة للعبور الاسرائيلية الى غرب القناة ليلة 15/16 أكتوبر وتقدم الجنرال ابراهام أدان على راس فرقته المدرعة يوم 19 أكتوبر في اتجاه الجنوب على محور طريق المعاهدة بدات السويس تستقبل اعدادا غفيرة من مواطني القطاع الريفي في محافظة الاسماعيلية، ثم محافظة السويس في الفترة من 19 إلى 23 أكتوبر الذين قدموا مشيا على الاقدام هربا من زحف المدرعات وقصف الطيران الاسرائيلي. وتمكنت السلطات المسئولة في السويس وتدبير وسائل اعاشتهم. وخلال يومي 22 و23 أكتوبر، وفدت مجموعات كبيرة من افراد القوات المسلحة الى السويس بلغ مجموعهم حوالي 5000 ضابط وجندي كان معظمهم من بقايات الوحدات الادارية ومؤخرات الوحدات التي عبرت الى شرق القناة، وكذا بقايا بعض وحدات الجيش الثالث التي كانت تشكل جانبا من احتياطيه التعبوي غرب القناة والتي سبق لها خوض معارك تعطيلية عنيفة ضد القوات المدرعة الاسرائيلية. وعندما أصبح قرار وقف اطلاق النار نافذ المفعول في الساعة السادسة والدقيقة الثانية والخمسين مساء يوم 22 أكتوبر واستمرت القوات الاسرائيلية في زحفها نحو الجنوب غير مكترث بالقرار رقم 338 الصادر من مجلس الامن حتى تمكنت في ظل وقف اطلاق النار من اغلاق جميع الطريق المؤدية الى الشمال والغرب والجنوب، لذا اضطرت تلك المجموعات العسكرية المصرية الى اللجوء الى مدينة السويس تجنبا للوقوع في الاسر، وكان افرادها مسلحين بالاسلحة الخفيفة فقط من بنادق آلية ورشاشات. وقد سبب وصولهم الى السويس فجاة ارتباكا لدى المسئولين في المدينة ، ولكن الجهود الصادقة التي بذلك ذللت جميع المشكلات وامكن تدبير اماكن اقامتهم في المساكن الخالية خاصة في حي الاربعين، وكذا توفير وسائل اعاشتهم. وكان وصول هؤلاء العسكريين من حسن حظ السويس، فقد أدوا دورا مهما في الدفاع عن المدينة.

وجاء يوم 23 أكتوبر ليحمل في طياته الى السويس اسوأ النذر، فقد قامت الطائرات الاسرائيلية ظهر ذلك اليوم بغارات وحشية على شركة النصر للأسمدة، مما اشعل الحرائق في كثير من اقسامها واصاب القصف الجوي ايضا مبنى الثلاجة الرئيسية على طريق عتاقة، وأصيبت مناطق عديدة في الادبية باضرار جسيمة ، كما اصيبت نقطة مرور العوبيد ومحطة بنزين شركة مصر للبترول على مدخل السويس من ناحية طريق القاهرة السويس.

ولم تكتف القوات الاسرائيلية بالحصار البري الذي ضربته على السويس بقطع كل الطرق المؤدية اليها، ولا بالحصار البحري بقطع الطريق المائي المؤدي الى الخليج والبحر الاحمر، بل عمدت الى توجيه اقسى أساليب الحرب النفسية ضد سكانها وبغير شفقة أو رحمة بقصد ترويعهم والضغط على أعصابهم لحملهم على التسليم. ولهذا تم لها قطع ترعة السويس المتفرعة من ترعة الاسماعيلية والتي تغذي المدينة بالمياه الحلوة، كما دمرت شبكة الضغط العالي التي تحمل التيار الكهربائي من القاهرة الى السويس، وقطعت بعد ذلك أسلاك الهاتف التي تربط المدينة بالعالم الخارجي. وكانت القيادة الاسرئايلية على يقين بان اهل السويس سوف يقابلون دباباتها ومدرعاتها بالاعلام البيضاء حال ظهورها في الشوارع بعد أن أصبحوا في هذه الظروف المعيشية التي لا يمكن لبشر أن يتحملها، فلا مياه ولا طعام ولا كهرباء ولا معدات طبية أو أدوية للمرضى والمصابين، ولا اتصالات هاتفية مع الخارج.

وفضلا عن ذلك ركزت مدفعيته قصفها العنيف على أحيائها السكنية، وانطلقت طائراها تملأ سماء المدينة لتصب على مرافقها ومنشآتها الحيوية وابلا من صواريخها لتشعل في المدينة النار والدمار، وليخر تحت قصفها المدمر مئات من الشهداء وآلاف من الجرحى، حتى ضاق المستشفى العام بالجرحة والمصابين ، وأصبحوا لفرط الازدحام يوضعون على الارض في طرقات المستشفى ، وكان الهدف من هذه الحرب النفسية الشرسة هو اقناع الجميع في السويس بانه لا جدوى من المقاومة، وأن الحل الوحيد للخلاص من كل متاعبهم هو الاستسلام للغزاة.

إستعداد السويس للمعركة

كان أول نبأ رسمي يصل الى بدوي الخولي محافظ السويس وقتئذ عن التحركات الاسرائيلية حول المدينة هو التبليغ الهاتفي الذي تم تلقيه عن طريق العقيد فتحي عباس مدير مخابرات جنوب القناة في الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 23 أكتوبر. فقد ابلغه ان الدبابات الاسرائيلية وصلت الى منطقة شركات البترول بالزيتية وأنها في طريقها الى منطقة الأدبية. وبناء على دعوة المحافظ انعقد مؤتمر عسكري بالمحافظة في الساعة السادسة مساء راسه المحافظ وحضره اللواء محيي خفاجي مدير أمن السويس والعميد عادل اسلام المستشار العسكري للمحافظة والعميد كمال السنهوري قائد محطة السويس العسكرية وقائد كتيبة الدفاع الاقليمي، لبحث اجراءات الدفاع عن المدينة وتأمين مداخلها والاستعانة في ذلك بالقوات العسكرية التي قدمت أخيرا إلى المدينة وقات الدفاع الشعبي. ورغم الظروف العصيبة التي كانت تواجه السويس، كان الامل ما يزال قويا في قهر العدوان الذي أوشك أن يطبق على المدينة. فلقد كان من بين مواطنيها فتية آمنوا بربهم ووطنهم وصمموا على الدفاع عن مدينتهم الخالدة حتى أخر رمق في حياتهم. وكانت قوات الدفاع الشعبي تتكون من منظمتين، احداهما تدعى منظمة سيناء، وقد تكونت عقب حرب يونيو 67 وانضم اليها عدد من أبناء السويس وتلقوا تدريبا خاصا عن طريق مكتب المخابرات الحربية في السويس للقيام ببعض العمليات الحربية خلف خطوط العدو. أما المنظمة الثانية، فتدعى فرق حماية الشعب، وقد أنشئت تحت اشراف لجنة الدفاع الشعبي بالتنظيم السياسي بالسويس وقتئذ للقيام بأعمال الدفاع والحراسات في حالات الطوارئ.

وبناء على تعليمات المستشار العسكري للمحافظة، اجتمع ظهر يوم 21 أكتوبر في مدرسة أحمد عرابي نحو 150 فردا من فرق حماية الشعب، وتم لمندوب المستشار العسكري اختيار 50 فردا منهم، وتم تسليحهم بالبنادق، على أن يبقى الباقون كاحتياطي تحت الطلب، وقسم هؤلاء الى مجموعتين تتناوبان الحراسة في منطقة المثلث عند مدخل المدينة بهدف الحراسة والعمل كنقطة انذار للابلاغ عن تحركات العدو. وفي مساء يوم 23 أكتوبر وعقب حصار المدينة، كلف العقيد فتحي عباس مدير مخابرات جنوب القناة بعض شباب منظمة سيناء بواجبات دفاعية وزودهم ببعض البنادق والرشاشات ووزعهم في أماكن مختلفة داخل المدينة بعد أن أبقى بعضهم كاحتياطي في يده تحسبا للطوارئ.

وكانت هناك مجموعة من الابطال الذين ينتمون لمنظمة سيناء لم يهدأ لهم بال ولم يغمض لهم جفن طوال ليلة 23/24 أكتوبر. فقد خططوا لعمل عدة كمائن على مدخل السويس لملاقاة العدو. ولكن نظرا لضعف امكانتهم، فقد اتفقوا على الاكتفاء بعمل كمين عند ميدان الاربعين وآخر عند مزلقان الشهداء. وكانت المشكلة الرئيسية التي واجهتهم هي البحث عن السلاح المؤثر ضد الدبابات من المدى القصير والذي يصلح لقتال الشوارع وهو القاذف RPG 7. وهداهم التفكير الى التوجه الى مخزن السلاح بالطابق الارضي بالمستشفى العام الذي تحفظ فيه أسلحة الجنود الجرحى والشهداء عسى أن يجدوا داخله بغيتهم. وكان من ضمنهم البطلان الشهيدان ابراهيم سليمان واحمد أبو هاشم. وعندما اعترضهم المخزنجي خوفا على عهدته فتحوا المخزن عنوة، وكانت فرحتهم الكبرى حيثما عثروا على قاذف RPG 7 وثلاث قذائف. وكان هذا القاذف في يد الشهيد ابراهيم سليمان على موعد مع القدر كما سنرى فيما بعد.

وكان العميد أ. ح يوسف عفيفي يتولى قيادة الفرقة 19 مشاة التي كانت تحتل مساحة كبيرة من راس كوبري الجيش الثالث شرق القناة، وكان قطاع الفرقة يمتد مباشرة بجوار السويس. وعندما أدرك العميد أ. ح يوسف عفيفي الخطر الذي باتت تعرض له السويس قرر بمبادرة شخصية منه ضرورة الدفاع عن المدينة التي ارتبطت بها فرقته بأوثق الروابط منذ سنوات طويلة حتى لا تسقط في يد العدو. وفي يوم 23 أكتوبر، أرسل قائد الفرقة سرية مقذوفات موجهة ضد الدبابات بقيادة المقدم حسام عمارة لصد العدو على طريق المعاهدة. وقد قامت السرية بالاشتباك مع دبابات العدو عند الشلوفة ودمر أفرادها له أكثر من تسع دبابات، وعندما نفدت ذخيرتهم أمرهم قائد الفرقة بالتوجه الى السويس صباح 24 أكتوبر عبر كفر أحمد عبده، وان يشتركوا في الدفاع عنها باستخدام القواذف RPG التي بالسرية حتى يعاد امدادهم بالصواريخ اللازمة. وبالاضافة الى هذه السرية، ارسل قائد الفرقة الى السويس صباح يوم المعركة طاقم اقتناص دبابات بقيادة الملازم أول عبد الرحيم السيد من اللواء السابع مشاة بعد تزويده بقواذف (أر بي جي 7) وقنابل يدوية مضادة للدبابات.

وعلى الرغم من أن الدفاع عن السويس كان خارج مهمة الفرقة القتالية، فقد تم للفرقة 19 مشاة احتلال السواتر الترابية على ضفتي القناة، وتم توجيه بعض مواسير مدافع الميدان لتغطية بعض القطاعات الحيوية غرب القناة، كما دفع مركز ملاحظة للمدفعية على الساتر الترابي غرب القناة لادارة نيران المدفعية.

واستعدت الشرطة بأقسامها ووحداتها للمعركة، وأصبحت غرفة عمليات الدفاع المدني بميدان الاربعين مقرا لأعمال قيادة الدفاع الشعبي. وبذلت أجهزة الاطفاء والانقاذ جهودا جبارة خلال الغارات الجوية، كما فتحت الشرطة مخازن السلاح لامداد المتطوعين بالأسلحة والذخائر. وعندما نجح العدو يوم 23 أكتوبر في قطع الاتصالات السلكية مع القاهرة، أصبحت الشبكة اللاسلكية الخاصة بشرطة النجدة هي حلقة الاتصال الوحيدة بين السويس والقاهرة. وكان الرائد محمد رفعت شتا يتولى قيادة هذه الوحدة اللاسلكية، ويعاونه الملازم أول عبد الرحمن غنيفة ضابط الاتصال وتحت قيادته 27 ضابط صف وعسكريا. وكان قيام الوحدة اللاسلكية يعملها في هذه الظروف الصعبة فيه مخاطرة كبرى ويدل على شجاعة عظيمة، فقد كان مقرها في مكان منعزل غرب السويس ويقع على طريق ناصر الذي يصل بين مدخل السويس عند منطقة المثلث وبين الطريق الرئيسي المؤدي الى الزيتية. وقد مرت عبر هذا الطريق في المساء الدبابات الاسرائيلية وهي في جميع الاوقات، في الوقت الذي لا يوجد فيه لدى قوة الدورية أي تسليح سوى طبنجتين للدفاع الشخصي.

المعركة

لم تنم المدينة الباسلة وظل جميع أبنائه ساهرين طوال الليل في انتظار وصول الاعداء. وعندما نادى المؤذن لصلاة الفجر اكتظت المساجد بالناس. وفي مسجد الشهداء بجوار مبنى المحافظة، أم المصلين الشيخ حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الاسلامية وعقب الصلاة ألقى المحافظ بدوي الخولي كلمة قصيرة وأوضح فيها للناس أن العدو يستعد لدخول السويس، وطالبهم بالهدوء وضبط الأعصاب، وأن يسهم كل فرد بما يستطيعه، واختتم كلمته بالهتاف "ألله أكبر" وارتفع الدعاء من أعماق القلوب الى السماء.

وابتداء من الساعة السادسة صباحا بدأت الطائرات الاسرائيلية في قصف احياء السويس لمدة ثلاث ساعات متواصلة في موجات متلاحقة وبشدة لم يسبق لها مثيل. وكان الغرض هو تحطيم أي مراكز للمقاومة داخل المدينة والقضاء على أي تصميم على القتال لدى أهل السويس.

وتنبه افراد المقاومة الى ظاهرة مهمة، وهي أن الطائرات في اثناء هجماتها الشرسة تتجنب اصابة الشوارع الرئيسية في المدينة والتي تمثل امتداد المحاور الثلاثة التي اعتزم العدو التقدم عليها بمدرعاته وهي:

محور المثلث: وهو المدخل الغربي من ناحية الطريق الرئيسي القادم من القاهرة الى السويس، وامتداده هو شارع الجيش الى ميدان الاربعين.

محور الجناين: وهو المدخل الرئيسية من ناحية طريق القناة القادم من الاسماعيلية، ويمر وسط مساحات شاسعة من حدائق الفاكهة ويعبر على الكوبري الذي فوق الهويس ويتجه جنوبا الى شارع مصطفى كامل ومنه الى ميدان الاربعين.

محور الزيتية: وهو المدخل الجنوبي من ناحية طريق الأدبية وعتاقة، ويمتد بحذاء خليج السويس حتى الطريق المؤدي الى بورتوفيق.

وجاءت أول طلائع الإسرائيلية عندما قامت كتيبة مدرعة من لواء العقيد آرييه بالتقدم على محور الجناين في الشمال في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباح يوم 24 أكتوبر. وعندما حاولت سرية المقدمة عبور الكوبري الذي فوق الهويس للوصول الى شارع مصطفى كامل، تصدى لها كمين قوي من رجال القوات المسلحة وأطلق صواريخه المضادة للدبابات فأصيبت الدبابة الأولى وتعطلت فوق الكوبري الضيق مما أدى الى استدارة باقي الدبابات الى الخلف حيث تجمعت في منطقة جبلاية هاشم شمال غرب الهويس، ولم تقم هذه الكتيبة بأي محاولات أخرى للتقدم من هذا المحور.

وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا، قامت كتيبة مدرعة من لواء العقيد جابي بالتحرك من منطقة الزيتية، واجتازت ببطء الطريق المحاذي للخليج حتى وصلت الى منطقة المحافظة دون أن يتعرض لها أحد، وانتشرت في عدة مجموعات ما بين قصر الثقافة وغرفة عمليات المحافظة وميدان الخضر وفندق بلير، وسيطرت الدبابات من امكنتها على شارع الكورنيش وشارع سعد زغلول ووقفت دبابة على ناصية فندق بلير انتظارا لرتل الدبابات الذي سيتقدم على محور المثلث ويخترق بعد ذلك طريق الجيش.

الفخ

وفي حوالي الساعة العاشرة والدقيقة الخمسين صباحا، وبعد النجاح الذي حققته الكتيبة المدرعة التي سيطرت على منطقة المحافظة دون أي مقاومة بقيادة المقدم يوسي في عربات مدرعة نصف جنزير في ثلاث موجات كل موجة كانت تتكون من 8 دبابات وكل دبابة منها تتبعها عربة مدرعة، وكانت هذه القوة هي التي اختيرت لتكون المجهود الرئيسي للهجوم على السويس. وعبرت القوة المدرعة منطقة المثلث، وأخذت تجتاز طريق الجيش في ثبات وتؤدة، وقد بلغت ثقة الاسرائيليين بعدم تجرؤ أحد من أهل المدينة على مقاومتهم الى الحد الذي جعل قادة الدبابات يقفون جميعا ليطلوا من أبراج دباباتهم المفتوحة للفرجة على الشوارع التي يمرون من خلالها. ووصلت الموجة الأولى الى ميدان الاربعين دون أن تصطدم بأي مقاومة. وأطلق محمود عواد من طاقم الكمين الأول من منظمة سيناء قذيفتين من قاذفه الصاروخي آر بي جي على الدبابة الأولى فأصابتها القذيفة الأولى باصابة سطحية، بينما طاشت القذيفة الثانية. وأسرع الكمين الثاني الذي كان يتكون طاقمة من أفراد منظمة سيناء أيضا ليأخذ موقعه عند سينما رويال، وأمسك البطل ابراهيم سليمان بالقاذف آر بي جي 7، وجلس القرفصاء بجوار المخبأ الذي كان يقع بين سينما رويال وسينما مصر، وطلب من زميله محمد سرحان أن يعد له القذيفة. وعندما أصبحت الدبابة الأولى التي تتقدم الرتل على بعد حوالي 12 مترا من موقعه صوب ابراهيم سليمان القاذف بدقة نحوها وضغط على الزناد لتنطلق القذيفة وتستقر أسفل برج الدبابة التي اختل توزانها وتوقفت ومالت ماسورة مدفعها على الارض.

وانتقل ابراهيم سليمان الذي كاد يطير فرحا الى الجانب الآخر من المخبأ ليطلق القذيفة الثانية على العربة التي كانت تتبع الدبابة والتي كان يستقلها أفراد المظليين فاشتعلت فيها النار. وكانت هذه اللحظات القصيرة هي نقطة التحول في المعركة. ففي الوقت الذي توقفت فيه مدرعات الموجة الأولى أمام قسم شرطة الأربعين بتأثير المفاجأة، خرجت آلاف حاشدة من الجنود والمواطنين الى الميدان والشوارع المحيطة بقسم الشرطة، وهم يهتفون في حماسة "ألله أكبر .. الله أكبر". وأخذوا في اطلاق نيران بنادقهم ورشاشاتهم على أطقم الدبابات، بينما ألقى البعض بقنابله اليدوية داخل أبراج الدبابات التي أخذت تنفجر ويشتعل بعضها بالنار حتى تحولت المنطقة الى قطعة من الجحيم.

ولم يلبث الاسرائليون أن قفزوا من الدبابات والعربات المدرعة، وهم في حالة عارمة من الذعر والارتباك، وأسرعوا في مجموعات يحتمون ببعض المباني المجاورة لقسم الشرطة. وحاول بعضهم الدخول الى سينما رويال ولكنهم ضربوا عند مدخل السينما، ونجحت مجموعة اسرائيلية تتكون من 25 فردا في دخول قسم شرطة الأربعين، واستطاعوا بنيران رشاشاتهم السيطرة على القسم الذي كان يتكون من طابقين وتحيطه سواتر عالية مبنية بالطوب الأحمر، وكان في داخله عدد من ضباط الشرطة والجنود. وتمكن خمسة جنود اسرائيليين من الصعود الى أسطح بعض العمارات وأخذوا في اطلاق نيران رشاشاتهم على المواطنين.

وعندما أبصرت دبابات الموجتين الثانية والثالثة ما لحق بمدرعات الموجة الأولى من فتك وتدمير، حاولت الاستدارة الى الخلف في ارتباك شديد للعودة الى منطقة المثلث. ونظرا لضيق الشارع اصطدمت بعضها بالبعض وحطم بعضها سور السكة الحديدية الممتد بحذاء الشارع. وكانت أربع دبابات قد تسللت خلف مسجد سيدي الأربعين من ناحية المثلث، فتصدى لها كمين من الفرقة 19 مشاة بقيادة المقدم حسام عمارة كان مرابطا على شريط السكة الحديد وأطلق عليها صواريخه وأجبرها على العودة.

وأثناء عودة دبابات الموجتين الثانية والثالثة عبر طريق الجيش للخروج من المدينة، خرجت حشود ضخمة من الجنود والمواطنين من البيوت المهدمة على طول الشارع، وأخذوا يطلقون نيران بنادقهم ورشاشاتهم ويقذفون الدبابات بالقنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف الحارقة وهي تفر أمامهم كالفئران المذعورة.

وقد اعترف الجنرال جيرزوج – رئيس دولة اسرائيل الاسبق – في كتابة حرب التكفير أن الكتيبة المدرعة التي دخلت السويس من ناحية المثلث وكان عدد دباباتها 24 دبابة قد قتل أو جرح عشرون قائد دبابة من قادتها الاربعة والعشرين.

وكان الامر الذي يدعو الى الدهشة ان الكتيبة المدرعة المتمركزة في منطقة المحافظة لم تحاول التدخل مطلقا في معركة قسم الاربعين وظلت في أماكنها. وقد حاولت خمس دبابات منها التقدم على طريق بورتوفيق، ولكن الدبابة الأولى اصطدمت بلغم مضاد للدبابات فقطع جنزيرها وتوقفت الدبابات الأربع الأخرى، وعادت الى موقعها بمنظمة المحافظة بعد أن سحبت الدبابة المعطلة. وأثناء المعركة كلف المحافظ الملازم الأول عبد الرحيم السيد من الفرقة 19 مشاة بالتوجه الى دبابات العدو التي تحاصر المحافظة. ولكن الكتيبة المدرعة في منطقة المحافظة لم تلبق ان انسحبت فور حلول الظلام، وعادت الى الزيتية متبعة نفس الطريق الذي تقدمت عليه في الصباح.

معركة قسم شرطة الأربعين

دبابة إسرائيلية مدمرة بالقرب من قسم الأربعين بالسويس.

ضربت جموع حاشدة الحصار حول قسم شرطة الأربعين الذي احتلته مجموعة كبيرة من المظليين الاسرائيليين. وكانت كتيبة مدرعة من لواء العقيد جابي قد سبق لها دخول المدينة عن طريق محور الزيتية، وتقدمت بحذاء شاطئ خليج السويس حتى وصلت الى منطقة المحافظة دون أن تصادفها أي مقاومة. ومما يثير الدهشة أن هذه الكتيبة التي تمكنت دباباتها من السيطرة على المنطقة التي تضم قصر الثقافة وغرفة عمليات المحافظة وميدان الخضر وفندق بلير وكذا على شارعي الكورنيش وسعد زغلول لم تحاول التدخل مطلقا في المعركة التي دارت رحاها في ميدان الاربعين، ولم تبذل كذلك أدنى محاولة لانقاذ القوة الاسرائيلية المحاصرة في قسم الشرطة رغم أن المسافة التي كانت تفصل بين احدى دباباتها التي وقفت عند ناصية فندق بلير وقسم شرطة الاربعين، لم تتجاوز بضع مئات من الأمتار.

وقد بذلت محاولتان بطوليتان من جانب رجال الشرطة لاقتحام قسم الأربعين وانقاذ الضباط والجنود الموجودين داخله من قبضة الاسرائيليين. وقاد المحاولة الأولى الرائد نبيل شرف على راس قوة من جنود قسم شرطة السويس ومن جنود وحدة قوات الأمن. وقاد المحاولة الثانية النقيب عاصم حمود على راس قوة من جنود قسم شرطة السويس وبعض جنود قسم شرطة الأربعين. ولكن المحاولتان لم يصادفهما النجاح، واستشهد الضابطان ومعهما ستة من ضباط الصف والجنود.

وانتاب اليأس أفراد القوة الاسرائيلية بعد أن وجدوا أن جماهير الشعب تحيط بقسم الشرطة الذي تحصنوا داخله من كل جانب.

ولذا بعثوا بأحد جنود الشرطة المأسورين في الداخل ليعرض على قيادة المقاومة المصرية التي تحاصر القسم استعدادهم للتسليم بشرط المحافظة على حياتهم.

والتقى شرطي عند خروجه باحد ابناء منظمة سيناء وهو محمد سرحان، وعندما علم بما يطلبه الاسرائيليون اصطحبه الى مقر مدير مخابرات جنوب القناة العقيد فتحي عباس، وكان مدير المخابرات قد نقل مكتبه بأفراده وبكل ما يحوي من أوراق ووثائق ومستندات في حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 23 أكتوبر، من مقره بشركة النصر لتصنيع البترول بالزيتية الى احدى الغرف بمستشفى السويس العام عندما أخذت الدبابات الاسرائيلية تمر على الطريق أمام مقر الشركة. وعندما التقى العقيد فتحي عباس بالشرطي الذي احضره اليه محمد سرحان قبل ظهر يوم 24 أكتوبر وعلم منه بالعرض الاسرائلي للتسليم رحب على الفور بذلك العرض لما كان يمكن ان يحققه من فائد كبرى لاهل السويس ولمكتب المخابرات. وطلب من محمد سرحان أن يرافق الشرطي الى داخل قسم الاربعين ليتباحث مع قائد القوة الاسرائيلية في شروط التسليم. ولكن هذا الموضوع لم يتيسر اتمامه، فقد كان القتال محتدما بشدة حول قسم الشرطة واطلاق الرصاص لا ينقطع، ولم يكن هناك قائد للمعركة بحيث يمكنه السيطرة على الجموع المحتشدة لكي تكف عن اطلاق النار ريثما تجرى محادثات التسليم. واهتزت أعصاب الشرطي العجوز ورفض في اصرار العودة ثانية الى قبضة الاسرائيليين. وهكذا باءت محاولة التسليم بالفشل.

وفي حوالي الساعة الرابعة مساء قررت مجموعة من ابطال المقاومة الشعبية وهم: ابراهيم سليمان واشرف عبد الدايم وفايز أمين وابراهيم يوسف اقتحام قسم شرطة الأربعين. والتف ابراهيم سليمان خلف القسم واخذ في تسلق السور الخلفي وهو يحمل رشاشه في يده لكي يفاجئ الاعداء بالداخل ، ولمحه قناص اسرائيلي كان مختفيا في الطابق الثاني من المبنى فاطلق عليه نيران رشاشه عندما وصل الى اعلى السور. وسقط اعظم أبطال معركة السويس شهيدا بعد أن أدى واجبه. وكانت قذيفته التي أطلقها في الصباح على الدبابة الاسرائيلية القائدة هي نقطة التحول التاريخية في معركة السويس. وظل جثمان الشهيد معلقا على سور القسم حتى فجر اليوم التالي، وفوجي الذين حملوه أن ابتسامة مشرقة كانت مرتسمة على وجهه. وفي الوقت الذي سقط فيه الشهيد ابراهيم سليمان على السور الخلفي للقسم، سقط الشهيدان اشرف عبد الدايم وفايز أمين على المدخل الامامي للقسم عندما كانا يحاولان اقتحامه من الأمام، فقد انهالت عليهما الطلقات من القناصة الاسرائيليين بالطابق الثاني.

ونظرا لان خمسة جنود اسرائيليين كانوا قد صعدوا الى سطح عمارة مجاورة لقسم الشرطة وأخذوا في استخدام نيرانهم في القنص، لذا صعد اليهم بعض الجنود ورجال المقاومة الشعبية وتمكنوا من الفتك بهم بعد معركة ضارية استخدمت فيها النيران والأسلحة البيضاء والأيدي.

ورغم أن أهل السويس كانوا صائمين في هذا اليوم من شهر رمضان المبارك. . فان احدا لم يحس بالجوع او العطش، ولم يهتم بتناول الشراب أو الطعام الا النذر اليسير، فقد كانت المعركة ضد الاعداء هي محور الاهتمام من جميع المواطنين، وعندما سرت في المدينة انباء النصر خرج أهل السويس جميعا الى الشوارع يهللون ويكبرون ويشهدون في فخر واعتزاز مدرعات العدو المحطمة التي تناثرت على طول شارع الأربعين، وكان عددها حوالي 15 دبابة وعربة مدرعة نصف جنزير. وخشية أن يفكر الاسرائيليون في سحبها، قام محمود عواد من أبطال المقاومة الشعبية بسكب كميات من البنزين عليها عند منتصف الليل وأشعل فيها النار.

أصبحت السويس منذ يوم 23 أكتوبر لاول مرة عبر تاريخها الطويل تحت وطأة الحصار. فقد أحاطت بها القوات الاسرائيلية من كل جانب، بل واحتلت ضاحيتها الصناعية الشهيرة التي تقع في جنوبها الغربي وهي منطقة الزيتيات، حيث مقر شركة الاسمدة ومجموعة من اهم شركات البترول. وكان احتمال فتح الطرق التي تربطها بالخارج أمرا في علم الغيب، بينما كان الامر الاكثر احتمالا هو ظهور الدبابات الاسرائيلية في شوارعها الرئيسية اذا ما فكرت القيادة الاسرائيلية في اعادة الكرة وارسال قواتها مرة أخرى.

وفور وصول قوات الطوارئ الدولية يوم 28 أكتوبر وسريان وقف حقيقي لاطلاق النار، بدأت السويس تمارس حياتها كدولة مستقلة لا تعتمد الا على مرافقها الخاصة ومواردها الذاتية. واصدر المحافظ امره بصفته الحاكم العسكري باعتبار السويس منطقة عسكرية، وتوالى منذ ذلك الوقت صدور الاوامر العسكرية التي اسهمت كثيرا في استقرار الحياة وانتظامها بالمدينة. كما أمر المحافظ بتشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة مرتكبي الجرائم والمنحرفين والمتلاعبين بأقوات الشعب. وقد انقسمت فترة الحصار الى مرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى من 23 أكتوبر حتى 14 نوفمبر 73، وهي فترة شديدة الحرج اذ كانت المدينة تعتمد في الاعاشة على مواردها الذاتية الضئيلة دون تلقي اي مساعدات من الخارج. أما المرحلة الثانية فتبدأ من 15 نوفمبر 73، وهو موعد بدء وصول الامدادات من القاهرة عن طريق قوة الطوارئ الدولية على اثر توقيع اتفاقية النقاط الست بين مصر واسرائيل في 11 نوفمبر 73، واستمرت هذه المرحلة حتى يوم 28 يناير 74 وهو موعد فتح الطرق ثانية بين السويس والخارج على اثر توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولي في 18 يناير 74 بين مصر واسرائيل في المحادثات التي عرفت باسم محادثات الكيلو متر 101.

وكانت اكبر مشكلة واجهتها السويس خلال فترة الحصار هي مشكلة المياه. فقد وضعت القوات الاسرائيلية يدها بعد استيلائها على منطقة الزيتيات على صهاريج تخزين المياه الاحتياطية الخاصة بالمدينة والموجودة داخل مباني شركة الاسمدة والصناعات الكيماوية وشركة النصر للبترول. وفي يوم 28 أكتوبر أقام العدو سدا ترابيا على الترعة الحلوة عند جبلاية السيد هاشم بالقرب من الهويس على بعد كيلو متر واحد من محطة هيئة قناة السويس التي تمد المدينة بالمياه، مما أدى الى انخفاض منسوب المياه في الجزء المتبقي من الترعة والموجود داخل المدينة. وعلى أثر الاجتاع الذي عقده المحافظ مع مدير الامن والمسئولين عن المياه في المدينة، تقرر سحب المياه المتبقية في الترعة فورا وتخزينها بخزانات واحواض محطة مياه هيئة قناة السويس لضمان عدم قيام العدو بحرمان المدينة منها. وبتعليمات من اللواء محيي خفاجي مدير الامن، اشرف المقدم فتحي غنيم رئيس قسم الدفاع المدني والحريق على تنفيذ العملية المطلوبة باستخدام 7 ماكينات اطفاء من وحدة الحريق. وبلغت كمية المياه التي تم تخزينها في محطة المياه 14.000 متر مكعب م المياه العكرة، وقد قام الفنوين في المحطة بتطهيرها وصدرت التعليمات بنقل 400 متر مكعب من هذه الكمية الى خزانات شركة جركو بحي الاربعين لتكون بمثابة احتياطي يتم استخدامه في حالة قيام العدو بضرب محطة المياه.

وكانت الخطة لمواجهة النقص الحاد في المياه هي وقف ضخ المياه نهائيا في شبكة المدينة، وتخصيص كمية المياة الموجودة كلها لتزويد الجيش الثالث شرق القناة بمعدل 50 متر مكعبا يوميا لكل من الفرقتين 7 و19 مشاة، وكذا تزويد المخابز يوميا بخمسة أمتار مكعبة والمستشفى بثلاثة أمتار مكعبة، على أن تتولى عربات القوات المسلحة نقل الكميات المخصصة لها وتقوم سيارات الاطفاء بنقل المياه المخصصة للمخابز والمستشفى. وألقيت على عاتق الاهالي مهمة البحث عن الآبار القديمة التي كان سكان السويس يستخدمونها منذ حوالي قرن قبل وصول مياه النيل عن طريق ترعة الاسماعيلية . وقد نجح الاهالي بفضل ارشادات بعض المواطنين المسنين في العثور على عدد من الآبار، كان أهمها بئر سيدي الغريب الذي اثبتت التحاليل أن مياهه صالحة للشرب، وبلغ معدل تصريفه 120 لترا في الساعة. واستخدمت مياه البحر المالحة في أعمال النظافة وطرد المخلفات في دورات المياه من الأماكن العامة ، وكان نقلها يتم باستخدام البغال توفيرا للوقود.

وكان المتبقي من رصيد الدقيق 1400 جوال لا تكفي الا لاستهلاك شهر واحد فقط بمعدل رغيفين للفرد يوميا. ومن أجل توفير الخبز لقوات الجيش الثالث شرق القناة أصدر المحافط أمرا سريا الى علاء الخولي مدير التموين – الذي أدى دورا بارزا اثناء الحصار – بتخفيض وزن الرغيف وبصرف رغيف واحد للفرد يومي السبت والثلاثاء من كل اسبوع بحجة عمل صيانة في المخابز ومحطة المياه. وتحمل المواطنون هذا القرار رغم علم معظمهم بالغرض الحقيقي من اصداره، فقد كانوا عل استعداد لاي تضحية في سبيل معونة قواتهم المسلحة التي تزود عن مدينتهم وتدافع عن شرف وطنهم. وكانت مشكلة الكهرباء من أهم المشاكل التي واجهتها المدينة، فقد قام العدو يوم 23 أكتوبر بتدمير شبكة الضغط العالي التي تحمل التيار الكهربي من القاهرة الى السويس. ولم يبقى الا عدد من محطات الطوارئ التي كان أغلبتها يحتاج الى اصلاح، فلم يكن يجري تشغيلها في الماضي الا في حالات نادرة عند انقطاع تيار الضغط العالي لفترة محدودة، ولكن تشغيلها بعد انقطاع تيار الضغط العالي القادم من القاهرة أصبح ضرورة حتمية لتشغيل غرفة العمليات واجهزة التعقيم وثلاجات حفظ الدم بالمستشفى. وكذا تشغيل المخابز والمعاجن الكهربائية والطلمبات في محطات الوقود وورش الاهالي. وقد تم وضع نظام لتشغيل محطات الطوارئ بعد اصلاحها لمدة 16 ساعة يوميا. وهكذا ظلت انوار السويس مضاءة تثير لدى العدو عوامل الحيرة والتعجب.

وواجه المستشفى العام بالسويس موقفا عصيبا في المرحلة الاولى من الحصار، فقد اصبح المستشفى الذي ان اقصى سعته لا تزيد عن 300 سرير يضم ما يزيد على 1400 فرد من الجرحى والمصابين نتيجة للعمليات الحربية والغارت الجوية، وكانوا يحتاجون الى اجراء عمليات جراحية لهم وكذا الى عمليات نقل دم وعلاج من الجروح والحروق والكسور وغير ذلك من صنوف العلاج.

ونتيجة لشدة الازدحام اصبح معظم المصابين يرقدون على الارض ويملأون طرقات المستشفى، وكان لجهود الاطباء وهيئة التمريض فضل كبير في عدم حدوث حالات تسمم أو عدوى وبائية بين المرضى والجرحى، خصوصا أن المستشفى اصبح مقر دائم لاعداد غفيرة من المواطنين الذين وجدوا في المستشفى ملاذا يعطيهم نوعا من الأمان خلال الغارت الجوية.

وفقا لقرار مجلس الامن رقم 340 الصادر في 25 اكتوبر 1973، بدأت قوات الطوارئ الدولية يتوالى وصولها الى السويس منذ يوم 28 أكتوبر. وكانت المفارز الأولى التي تم نقلها بصفة عاجلة من قوات الطوارئ الدولية العاملة في قبرص الى جبهة السويس تابعة لقوات النمسا وفنلندا وايرلنده والسويد.

وبدأت القوة الدولية بمجرد وصولها في انشاء نقاط ثابتة لها على الخط الفاصل بين المواقع المصرية والمواقع الاسرائيلية على مدخل المدينة.

وكانت أحرج المراحل التي مرت على السويس خلال الحصار هي المرحلة من 23 اكتوبر حتى 14 نوفمبر 1973 (23 يوما) ، فقد أمضت المدينة الأيام الخمسة الأولى تحت وطأة التهديد الاسرائيلي بغزوها، وتعرضت لقصف كثيف متواصل من طيران العدو ومدفعيته. وخلال هذه المرحلة الحرجة كانت السويس تعتمد في اعاشة سكانها من المدنيين والعسكريين الذين بلغ عددهم حوالي 20.000 مواطن على مواردها الذاتية الضئيلة ، مما جعل سكانها يعانون من ويلات الجوع والعطش.

وفي فجر يوم 25 أكتوبر ، وبعد التأكد من خلو المدينة من قوات العدو، بدأ رجال الدفاع المدني والانقاذ في نقل المصابين والشهداء من الامكنة التي سقطوا فيها بشوارع المدينة الى المستشفى العام. وفي يوم 30 أكتوبر قام متطوعون من الأهالي بنقل جثث الشهداء التي كانت محفوظة في المستشفى العام الى مقبرة الشهداء بالروض، حيث تم دفنهم في مشهد مهيب اشتركت فيه جميع فئات الشعب.

أما جثث الاسرائيليين التي عجز العدو – وفقا لعادته- عن سحبها معه اثناء ارتداد قواته عن السويس عقب معركة 24 أكتوبر، فقد أمر المحافظ بدفنها في جبانة السويس حرصا على الصحة العامة، وتم ذلك بمعرفة رجال الدفاع المدني تحت اشراف العميد أحمد العروسي مساعد مدير الأمن. وقد نقلت الجثث من الشوارع الى حيث دفنت في مقبرة جماعية بالجبانة. وخلال محادثات الكيلو متر 101 على طريق القاهرة السويس التي بدأت فجر يوم 28 أكتوبر، طالبت اسرائيل بان تستعيد 33 جثة، وهو عدد ضباطها وجنودها المفقودين داخل السويس، خلال معركة 24 أكتوبر. وتنفيذا لتعليمات القاهرة، نقلت جثث الاسرائيليين من الجبانة الى مستشفى الحميات للتسليم الى الصليب الاحمر. وخلال يومي 6 و7 نوفمبر تم تسليم 18 جثة الى مندوبي الصليب الأحمر في مستشفى الحميات، لتسليمها الى السلطات الاسرائيلية، وظل مصير الأفراد المفقودين الباقين مجهولا الى يومنا هذا.

وصول الامدادات

كان لتوقيع اتفاقية النقاط الست بين مصر واسرائيل في محادثات الكيلو متر 101 يوم 11 نوفمبر 1973 اثر كبير في تحسن احوال اهالي السويس بشكل واضح. فقد كانت النقطة الثالثة من نقاطها الستة المعروفة تنص على ما يلي: "تتلقى مدينة السويس امدادات يومية من الاطعمة والمياه والادوية، ويتم اخلاء جميع المدنين الجرحى من مدينة السويس". وتبعا لذلك فقد تم اخلاء جميع الجرحة والمصابين من المستشفى، وجرى ترحيلهم الى القاهرة على دفعتين: الدفعة الاولى يوم 17 نوفمبر وكان عددهم 1400 فرد، والدفعة الثانية يوم 23 نوفمبر وكان عددهم 280 فرد. وأصبح المستشفى منذ ذلك الحين خاليا الا من بعض الحالات البسيطة. وتنفيذا لما ورد في الاتفاقية، أبلغت القاهرة محافظ السويس يوم 14 نوفمبر ان الامدادات من الاطعمة والمياه والادوية سوف تصل الى السويس اعتبارا من يوم 15 نوفمبر.

وقد وضع الاسرائيليون من اجل ايصال هذه الامدادات الى المدينة نظاما شاقا، سبب اجهادا كبيرا لمواطني السويس، وذلك من فرط خشيتهم من وصول مواد عسكري ضمن قوافل الامدادات الى اهل المدينة.

ووصل حرصهم الى الحد الذي جعلهم يمنعون دخول الوقود والزيوت وحجارة البطاريات وزجاجات الكولونيا، والى قيامهم بفتح بعض صفائح الجبن وتفتيش أقفصة البرتقال.

وكان نظام تسلم الامدادات، يقضي بان تتوقف السيارات القادمة من القاهرة وعددها 35 سيارة نقل حمولة 10 أطنان في المتوسط، على مسافة قريبة من السويس، وبعد أن يتركها سائقوها المصريون، يتولى قيادتها سائقون من قوات الطوارئ الدولية حتى نقطة المثلث على مدخل السويس. وفي الجهة المقابلة من النقطة تقف 35 سيارة نقل قادمة من السويس، ومع كل سيارة فردان بخلاف السائق للتفريغ والتحميل. ويترجل هؤلاء الافراد وعددهم 70 فردا من السيارات، ويجتازون الحاجز الذي في نقطة المثلث، ويدخلون الى المنطقة التي يحتلها العدو برفقة رجال من قوة الطوارئ، ويقوم الافراد بعد ذلك بتفريغ حمولة سيارات النقل على الارض بجوار هذه السيارات، التي لا تلبث أن تغادر نقطة المثلث عائدة في اتجاه القاهرة، ليتسلمها سائقوها المصريون في مكان نزولهم السابق على الطريق ليواصلوا رحلة العودة بها الى العاصمة. وعلى اثر ذلك تدخل سيارات النقل القادمة من السويس، وتجتاز الحاجز عند نقطة المثلث وتقف بنفس النظام الذي كانت تتبعه سيارات القاهرة ويقوم الافراد المصريون بتحميلها من الحمولات الموضوعة على الارض. وبعد انتهاء عملية التحميل تعود السيارات الى السويس، حيث يتم تفريغها الى المخازن التي حددتها المحافظة، تحت حراسة قوية من رجال الشرطة.

وقد وضع المقدم فتحي عفيفي رئيس قسم الدفاع المدني والحريق – بتعليمات من اللواء محي خفاجي مدير الامن – نظاما يكفل اشتركا جميع ابناء المدينة الاصحاء في عملية التفريغ والتحميل التي تجري يوميا عند نقطة المثلثة بصفة دورية، على أن يتولى جنود الاطفاء ومتطوعو الدفاع المدني – وحدهم – بعملية تفريغ المؤن من السيارات داخل السويس ونقلها الى المخازن التي حددتها المحافظة. واصدر المحافظ من اجل السيطرة على عملية التسليم والتخزين امرا عسكريا بتشكيل لجنة كانت تضم ممثلين عن القوات المسلحة والشرطة ومديرية التموين والاتحاد الاشتراكي. ونظرا لان المياه كانت متوافرة داخل المدينة بعد الاجراءات التي اتخذها المحافظ ومعاونوه، فقد طلب المحافظ من القاهرة عدم ارسال عربات فناطيس مياه، وكان ذلك عقب وصول عشر عربات فناطيس مياه، ضمن قافلة الامدادات التي وصلت السويس يوم 18 نوفمبر.

وعلى الرغم من وصول كميات ضخمة من المواد التموينية من القاهرة قدرت في نهاية مدة الحصار بما لا يقل عن 35 ألف طن، فان المحافظ بدوي الخولي ظل متمسكا بقراره، الذي تم فيه تحديد المقدار الذي يصرف لكل فرد في المدينة من المواد التموينية مجانا بدون مقابل على أساس ان هذا المقدار يكفي لاعاشة الفرد دون اسراف.

ونظرا لان هذا التحديد في الصرف نتج عنه امتلاء جميع المخازن التابعة للمحافظة وعددها 37 مخزنا بمواد التموين، فقد اقترح علاء الخولي مدير التموين على المحافظ يوم 4 يناير 74 الاتصال بالقاهرة لايقاف شحن المواد التموينية الى السويس، ولكن المحافظ رفض هذا الاقتراح، فقد كان يخشى تجدد القتال مرة أخرى وامتناع وصول اي امدادات الى المدينة، وكان هدفه ضرورة ابقاء احتياطي كبير دائم من المواد التموينية داخل المدينة تحسبا للطوارئ.

وقد أدت هذه السياسة التموينية بالحذر التي اتبعها المحافظ الى توجيه انتقادات شديدة اليه خاصة من الاتحاد الاشتراكي بالسويس، بدعوى انه كان يقتر على المواطنين في صرف مواد التموين، ويبيع لهم بعض الاصناف بالنقد، بينما كانت مخازن المحافظة ممتلئة على سعتها بالمواد التموينية المرسلة من القاهرة. وقد رد المحافظ بدوي الخولي فيما بعد على هذا الانتقاد الموجه اليه خلال المؤتمر المشترك لاعضاء المجلسين التنفيذي والشعبي الذي عقد بديوان عام المحافظة يوم 5 مارس 1974، فقال: "لي تعقيب بسيط على عملية صرف التعيينات. فعلا كان هناك مواطنون طلبوا مني صرف بعض المواد ولم اوافق على ذلك لان هناك اشارات وصلتني من القاهرة تطل اعتبار التعيينات الموجودة عندي احتياطيا ويبغي الحفاظ عليها. وهذه الاشارات موجودة ومحفوظة وهي سرية، ويستطيع أي فرد منكم الاطلاع عليها.

لقد وضعت رقابة على بعض الاصناف التي ترد الينا بكميات قليلة، وقيدت توزيعها في الشهرين الأخيرين. وعندما زادت، وافقت على توزيعها بالنقد لمن يريد ان يشتري. اما بالنسبة للكميات التي كانت تصرف للافراد وهل كانت وافية او غير وافية فانا كنت اعتبر انها كانت وافية، وبعض الناس خرجوا من المدينة (بعد انتهاء الحصار) ومعهم كثير من التعيينات. واللجنة التي كانت تقرر هذه الكميات مشكلة مني ومن قائد قوات المدينة ومدير الامن ومدير التموين، وكنا نقدر احتياجات المواطنين. وهذه وجهات نظر. ولم نكن نعلم ماذا يحدث مستقبلا فكان لابد من الحفاظ على هذه المواد. وكنت مسيطرا على صرف المياه لتكفي المواطنين وقوات المدينة، وقوات الجيش الثالث. ولقد سئلت من مواطنين كثيرين، هل سيادتك تعطي المياه للجيش؟ وكنت أقول: نعم، لانه كان يلزم في هذا الوقت أن أعطي للجيش المياه".

وكان من أطرف انباء الحصار انشاء مؤسسة عامة للنقل البطئ، تتبعها جميع وسائل النقل البطئ في المدينة من عربات الكارو والحنطور وعربات اليد ودراجات النقل (التريسكل)، وذلك للتغب على ازمة الوقود.

وقد أصدر المحافظ من اجل تنظيم هذه المؤسسة التي تكون لها جهاز خاص بالمحافظة خمسة أوامر عسكرية، كان من بينها الامر المتعلق بتحديد التسعيرة الخاصة بكل وسيلة نقل مها، وكذا تحديد كمية التبن المخصصة للخيول والحمير والبغال التي تجر العربات. وفي يوم 28 يناير ، انتهى حصار المدينة الباسلة عمليا، حينما تم انسحاب القوات الاسرائيلية من جميع مواقعها حول المدينة. وأعيد فتح جميع الطرق التي تربط السويس بالخارج، كما اعيدت الاتصالات الهاتفية التي كانت مقطوعة بينها وبين سائر مدن الجمهورية. وقد تم ذلك نتيجة لتوقيع اتفاقية فض الاشتباك الاولى في 18 يناير 1974 بين مصر واسرائيل. وفي يوم 29 يناير التقى موكب مواطني السويس القادمين من القاهرة مع أولئك الابطال الصامدين في السويس، وكان لقاء تاريخيا

قيم الموضوع
(0 أصوات)

فيس بوك

Ad_square_02
Ad_square_03
.Copyright © 2024 SuezBalady