أدانت دار الإفتاء، حرق عناصر تنظيم "داعش" الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة حيًّا، ووصفت ما حدث بالمشهد البربري الذي يدل على سادية هؤلاء المتطرفين، حد تعبيرها.
وقالت الدار، في بيان أصدرته اليوم ردًا على فتوى "داعش" التي نفذت بموجبها جريمة إحراق الطيار، "هؤلاء الإرهابيون ضربوا بالتعاليم الإسلامية ومقاصدها التي تدعو إلى الرحمة وحفظ الأنفس عرض الحائط، وخالفوا الفطرة الإنسانية السليمة، واستندوا في جريمتهم البشعة على تفسيرات خاطئة لنصوص أو أقوال ليبرروا فجاجة فعلهم".
فندت الدار، الدعاوى الباطلة التي استند عليها المتطرفون في جريمتهم، موضحة أن زعم هؤلاء بأن الصحابي الجليل أبوبكر الصديق أحرق "الفجاءة السلمي" حيًّا غير صحيح وساقط باطل لا سند له؛ لأن رواية إحراق سيدنا أبي بكر الصديق للفجاءة رواية باطلة مدار سندها على "علوان بن دَاوُدَ البجلي" وهو رجل مطعون في روايته، قال الحافظ بن حجر في لسان الميزان: "قال البخاري: علوان بن داود- ويقال بن صالح- منكر الحديث".
وأضافت "كما علق الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد على هذه الرواية بقوله: رواه الطبراني وفيه علوان بن دَاوُدَ البجلي وهو ضعيف وهذا الأثر مما أُنكر عليه، وروى العقيلي في (الضعفاء الكبير) عن يحيى بن عثمان أنه سمع سعيد بن عفير يقول: كان علوان بن داود زاقولي من الزواقيل، والزواقيل هم اللصوص".
وتابعت "أهل العلم اجمعوا على أن المقدور عليه (الأسير) لا يجوز تحريقه بحال من الأحوال حتى لو كان في حال الحرب فكيف بالأسير المكبل؟ وكل هذا في حال أسرى الحرب في نطاق الدول، فما بالنا بأن هذا التنظيم الإرهابي لا ينبغي أن يطلق عليه مسمى الدولة وبالتالي فإن ما حدث هو اختطاف قسري إرهابي تنبذه كافة الأديان والشرائع والقوانين الدولية".
أشارت دار الإفتاء، في تفنيدها، إلى أن اتهام الصحابي خالد بن الوليد بحرق رأس خالد بن نويرة هي رواية باطلة في سندها محمد بْنُ حميد الرازي وهو كذاب، قال عنه الإمام ابنُ حِبَّان: "كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات. قال أبو زرعة ومحمد بن مسلم بن وَارَة: صَحَّ عندنا أَنَّهُ يكذب".
وشددت "الإفتاء"، على أن التمثيل بالأسرى منهي عنه في الإسلام، وقد ورد النهي عن الإعدام حرقًا، وجاء النهي عنها في أكثر من موضع منها حديث ابن مسعود قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمررنا بقرية نمل قد أحرقت؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله عز وجل.
وأكدت الإفتاء، أن الطيار الأردني سقط رهينة لدى هذه الجماعة المتطرفة أثناء تأدية واجبه في الدفاع عن الأوطان ضد هذا الخطر المحدق بالجميع وهو بمثابة رهينة مختطف، بل حتى وإن كان أسيرًا لديهم فإن الإسلام أكد على ضرورة الإحسان إلى الأسرى وجعلها من الأخلاق الإسلامية والآداب القرآنية، قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً}، ويكون هذا الإحسان في الطعام والشراب والكساء والعلاج والكلام الحسن.
وأضافت "النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أحسن إلى أسرى بدر وكذلك مع ثمامة بن أثال رضي الله عنه، كما نهى النبي عن تعذيب الأسير ببتر أعضائه أو حرق أطرافه أو غير ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين عرض عليه أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو حتى يندلع لسانه: لا يا عمر، لا أمثّل به فيمثّل الله بي وإن كنت نبيًا".
لفتت الإفتاء، إلى أن حديث النهي عن القتل بالحرق صحيح في البخاري، ويسوق العلماء عددًا من الأحاديث النبوية في هذا الصدد، ففي صحيح البخاري، وهو أصح كتب السنة على الإطلاق، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تعذبوا بالنار، فإنه لا يعذب بالنار إلا ربها".
وقالت الإفتاء: "إذا فرضنا جدلًا أن إنسانًا قد استحق عقوبة القتل بقصاص فإن الإسلام يأمرنا في هذه الحالة أن نحسن القتل بالنسبة للإنسان بحيث لا يقتله إلا الحاكم الشرعي، وهو ما يعبر عنه بالسلطات المختصة بعد إجراء المحاكمات العادلة وبأقل الوسائل إيلامًا وأسرعها في الإنهاء على حياته حتى لو كان محاربًا، بل إن الحديث مصرح بأن نحسن الذبح بالنسبة للحيوان، فما بالكم بالإنسان؟!
شددت الإفتاء، على أن الإسلام وضع نظمًا وقوانين تحمي الأسير، ووصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحابه بحُسن معاملتهم فقال: "اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًا"، ولما رأى النبي يهود بني قُرَيْظة موقوفين في العراء في ظهيرة يوم قائظ، فقال مخاطِبًا المسلمين المكلَّفين بحراستهم: "لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا"، كما نهى عن تعذيبهم وامتهانهم.
وقالت الافتاء، إنه من استقراء النصوص، ورد بعضها إلى بعض: يتبين أن الأصل أنه لا يجوز قتل الأسير، وإنما يعامل وفق آية سورة محمد التي تحدد كيفية التعامل مع من شددنا وثاقهم من الأسرى (فإما منا بعد وإما فداء).
وأكدت الدار، أن معنى (المنّ): إطلاق سراح الأسير لوجه الله تعالي ومعنى (الفداء): أن نفدي الأسرى بأسرى مثلهم في العدد أو أقل أو أكثر، حسب المصلحة، فرب أسير له وزن وقيمة، نفديه بأكثر من أسير لناعندهم، والعكس يحدث أيضًا، وقد يكون الفداء بمال، كما فعل الرسول والصحابة معه في أسرى بدر، حيث طلبوا الفداء بالمال لمسيس حاجتهم إليهم وقدرة أهليهم من قريش عليه.
ولفتت الإفتاء، إلى أنه روى البخاري في (باب فداء المشركين) في الجهاد : حديث أنس بن مالك: أن رجالًا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يارسول الله، ائذن لنترك لابن أختنا عباس (بن عبد المطلب) فداءه، فقال: "لا تدعونمنها درهما"!، مضيفة "في معركة بدر: سن الرسول صلى الله عليه وسلم في فداء الأسرى سنة مهمة، وهي أن يؤدي من ليس لديه مال خدمة مناسبة للمجتمع المسلم، يقدر عليها الأسير، ويحتاج إليها المسلمون".
وأكدت انه من أجل هذا شرع الرسول الكريم لمن كان يعرف الكتابة من أسرى المشركين: أن يكون فداؤه (تعليم عشرة) من أولاد المسلمين الكتابة، مضيفة "لم يخش النبي صلى الله عليه وسلم على أبناء المسلمين من تأثير هؤلاء المشركين على عقول الصغار من ذراري المسلمين، فإن محو الأمية لا يحمل معه فكرًا ولا اعتقادًا، ثم هم في قلب المجتمع المسلم، وتحت رعايته وإشرافه ورقابته".