Login to your account

Username *
Password *
Remember Me
header_mobile
السويس بلدي

السويس بلدي

كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم ..
وكانوا يقولون : " لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا " ..
ذلك أنه كان أجرد، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون بها وجوههم .
فمن هذا الفتى الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه، وتكمل الشكل الخارجي لعظمته الحقيقية، وزعامته المتفوقة .. ؟؟
انه قيس بن سعد بن عبادة ..
من أجود بيوت لعرب وأعرقها .. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام :
" ان الجود شيمة أهل هذا البيت " ...
وانه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق : " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب ". . !!
ذلك أنه حادّ الذكاء، واسع الحيلة، متوقّد الذهن .
ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية .. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم، بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيء الخطر، ثم يذكر قول الله سبحانه : (ولا يحيق المكر السوء الا بأهله) .. فيهبّ من فوره مستنكرا، ومستغفرا، ولسان حاله يقول : " والله لئن قدّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا".. !!
ان هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم، ورث المكارم كابرا عن كابر .. فهو ابن سعد بن عبادة، زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء ..
وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه الى الرسول قائلا : " هذا خادمك يا رسول الله " ..
ورأى لرسول في قيس كل سمات التفوّق وأمائر الصلاح .. فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما ..

يقول أنس صاحب رسول الله : " كان قيس بن سعد من النبي، بمكان صاحب الشرطة من الأمير " ..
وحين كان قيس، قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن، ولم يكن في المدينة وما حولها الا من يحسب لدهائه ألف حساب .. فلما أسلم، علّمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه، لا بدهائه، ولقد كان ابنا بارّا للاسلام، ومن ثمّ نحّى دهاءه جانبا، ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية .. وصار كلما واجه موقعا صعبا، يأخذه الحنين الى دهائه المقيد، فيقول عبارته المأثورة : " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب " ... !!
ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده.. ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس، فهو من بيت عريق في الجود والسخاء، كان لأسرة قيس، على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ، مناد يقف فوق مرتفع لهم وينادي الضيفان الى طعامهم نهارا ... أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليلا .. وكان الناس يومئذ يقولون : " من أحبّ الشحم، واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة " ...
ودليم بن حارثة، هو الجد الثاني لقيس ..
ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح ..
تحّدث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا : " لو تركنا هذا الفتى لسخائه، لأهلك مال أبيه "..
وعلم سعد بن عبادة بمقالتهما عن ابنه قيس، فصاح قائلا : " من يعذرني من أبي قحافة، وابن الخطّاب .. يبخلان عليّ ابني ".. !!
وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا .. وفي الموعد المضروب للوفاء ذهب الرجل يردّ الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال : " انا لا نعود في شيء أعطيناه ".. !!
وللفطرة الانسانية نهج لا يتخلف، وسنّة لا تتبدّل .. فحيث يوجد الجود توجد الشجاعة ..
أجل ان الجود الحقيقي والشجاعة الحقيقية توأمان، لا يتخلف أحدهما عن الاخر أبدا .. واذا وجدت جودا ولم تجد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا.. وانما هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر الزهو الأدّعاء ... واذا وجدت شجاعة لا يصاحبها جود، فاعلم أنها ليست شجاعة، انما هي نزوة من نزوات التهوّر والطيش ...
ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والاقدام ..
لكأنه المعنيّ بقول الشاعر :اذا ما راية رفعت لمجد   تلقاها عرابة باليمين

تألقت شجاعته في جميع المشاهد التي صاحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حيّ ..
وواصلت تألقها، في المشاهد التي خاضها بعد أن ذهب الرسول الى الرفيق الأعلى ..
والشجاعة التي تعتمد على الصدق بدل الدهاء .. وتتوسل بالوضوح والماوجهة، لا بالمناورة والمراوغة، تحمّل صاحبها من المصاعب والمشاق من يؤوده ويضنيه ..
ومنذ ألقى قيس وراء ظهره، قدرته الخارقة على الدهاء والمناورة، وحمل هذا الطراز من الشجاعة المسفرة الواضحة، وهو قرير العين بما تسببه له من متاعب وما تجلبه من تبعات ...
ان الشجاعة الحقة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده ..
هذا الاقتناع الذي لا تكوّنه شهوة أو نزوة، انما يكوّنه الصدق مع النفس، والاخلاص للحق ...
وهكذا حين نشب الخلاف بين عليّ ومعاوية، نرى قيسا يخلوبنفسه، ويبحث عن الحق من خلال اقتناعه، حتى اذا ما رآه مع عليّ ينهض الى جواره شامخا، قويا مستبسلا ..
وفي معارك صفّين، والجمل، ونهروان، كان قيس أحد أبطالها المستبسلين ..
كان يحمل لواء الأنصار وهو يصيح :
هذا اللواء الذي كنا نخفّ به
مع النبي وجبريل لنا مدد
ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته
ألا يكون له من غيرهم أحد
ولقد ولاه الامام عليّ حكم مصر..
وكانت عين معاوية على مصر دائما ...كان ينظر اليها كأثمن درّة في تاجه المنتظر ...
من أجل ذلك لم يكد يرى قيسا يتولى امارتها حتى جنّ جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر الى الأبد، حتى لو انتصر هو على الامام عليّ انتصارا حاسما ..
وهكذا راح بكل وسائله الماكرة، وحيله التي لا تحجم عن أمر، يدسّ عند علي ضدّ قيس، حتى استدعاه الامام من مصر ..
وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمالا مشروعا، فلقد أدرك بفطنته أن معاوية لعب ضدّه هذه اللعبة بعد أن فشل في استمالته الى جانبه، لكي يوغر صدره ضدّ الامام علي، ولكي يضائل من ولائه له .. واذن فخير رد على دهاء معاوية هو المزيد من الولاء لعليّ وللحق الذي يمثله عليّ، والذي هو في نفس الوقت مناط الاقتناع الرشيد والأكيد لقيس بن سعد بن عبادة ..
وهكذا لم يحس لحظة أن عليّا عزله عن مصر .. فما الولاية، وما الامارة، وما المناصب كلها عند قيس الا أدوات يخدم بها عقيدته ودينه .. ولئن كانت امارته على مصر وسيلة لخدمة الحق، فان موقفه بجوار عليّ فوق أرض المعركة وسيلة أخرى لا تقل أهميّة ولا روعة ..
وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها ونهاها، بعد استشهاد عليّ وبيعة الحسن ..
لقد اقتنع قيس بأن الحسن رضي الله عنه، هو الوارث الشرعي للامامة فبايعه ووقف الى جانبه غير ملق الى الأخطار وبالا ..
وحين يضطرّهم معاوية لامشاق السيوف، ينهض قيس فيقود خمسة آلاف من الذين حلقوا رؤوسهم حدادا على الامام علي ..
ويؤثر الحسن أن يضمّد جراح المسلمين التي طال شحوبها، ويضع حدّا للقتال المفني المبيد فيفاوض معاوية ثم يبايعه ..
هنا يدير قيس خواطره على المسألة من جديد، فيرى أنه مهما يكن في موقف الحسن من الصواب، فان لجنود قيس في ذمّته حق الشورى في اختيار المصير، وهكذا يجمعهم ويخطب فيهم قائلا : " ان شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وان شئتم أخذت لكم أمانا ...
واختار جنوده الأمر الثاني، فأخذ لهم الامان من معاوية الذي ملأ الحبور نفسه حين رأى مقاديره تريحه من أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة ...
وفي المدينة المنوّرة، عام تسع وخمسين، مات الداهية الذي روّض الاسلام دهاءه ..
مات الرجل الذي كان يقول : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة " ..
أجل .. ومات تاركا وراءه عبير رجل أمين على كل ما للاسلام عنده من ذمّة، وعهد وميثاق ...

في ضوء توجيهات الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم والتعليم الفني 

واللواء أ.ح عبد المجيد صقر محافظ السويس 

في سابقة فريده من نوعها أطلقها تعليم السويس لمشروع ملتقي فني يجمع طلاب المراحل التعليميه المختلفه من مدارس التعليم العام وبين أبناؤنا طلاب مدارس التربيه الخاصه والدمج .

حيث بدأت فعاليات اليوم بمدرسة اللغات الفرنسيه وبحضور السيد الأستاذ ياسر عمارة وكيل وزارة التربيه والتعليم بالسويس 

يرافقه فيها السيد الاستاذ سيد حمدان وكيل المديرية وعدد من السادة مديري الإدارات النوعية المختلفه.

ومن الجدير بالذكر أن السيد مدير المديرية وافق علي تبني ودعم مقترح الساده موجهي التربيه الفنيه بإقامه يوم تنافسي وترفيهي يجمع بين كلا من ابناؤنا الأسوياء وابناؤنا طلاب وطالبات الدمج والتربيه الخاصه وعمل انشطه فنيه وابداعيه في أجواء يسودها المرح والتنافس .

كما صرح عماره أن رساله وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني تغيرت ملامحها في السنوات الأخيره شكلاً وموضوعا من تعليم تقليدي يعتمد علي التلقين والحفظ الي تعليم يهدف إلي الابداع مصحوبا بالمتعه وإعمال الفكر وتقييم نواتج التعلم ، واضاف عماره أن هناك استراتيجيه اعتمد عليها في تطبيق مثل هذا اليوم الفني عن طريق التعلم بالاقران وهي أحدي استراتيجيات التعليم النشط والتي تتشابه الي حد كبير مع استيراجيه التعلم التعاوني ، واستطرد عمارة قائلاً إن هذا الأمر هو ما دفع مديرية التربية والتعليم بالسويس لدعم المشروع تمهيداً لتعميمه وتكراره وتحديداً بعد النجاح الباهر الذي شهده اليوم وشارك فيه مختلف مدارس السويس من إداراتها التعليمية الثلاثة كما قدم الشكر لمديره المدرسه الفرنسيه علي استقبالها للفاعليه

عقدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة واللواء أح عبد المجيد صقرمحافظ السويس، اجتماعا بحضور الدكتورطارق العربى رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات والدكتور على أبو سنه رئيس جهازشئون البيئة عددمن القيادات المعنيةبالوزارة وأحدالمستثمرين فى مجال المخلفات لمناقشة آخر مستجدات مشروع المدفن الصحي للتخلص الآمن من المخلفات الذي يتم تنفيذه بمحافظة السويس، وأيضاً الوضع الحالي لمنظومة إدارة المخلفات بالمحافظة، وفرص الاستثمار فى مجال المخلفات ، . 

وقدم اللواء أح عبد المجيد صقر محافظ السويس الشكر لوزيرة البيئة على الجهد المبذول للنهوض بمنظومة المخلفات ، مستعرضاً المعوقات والمشكلات التى تواجهها المحافظة لرفع كفاءة منظومة المخلفات .

واكد محافظ السويس على ضرورة توفير عدد ٢ محطة وسيطة ، للمحافظة إحداهما بمنطقة عتاقة ، والأخرى بحى فيصل، وقد أتفق الجانبان على العمل على حل هذه المشكلات ، وأيضاً الإنتهاء من كافة الإجراءات الخاصة بتسليم تلك المحطتين

وفى الاجتماع، أشادت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة بالتعاون والتنسيق الجاد بين الوزارة والمحافظة للنهوض بمنظومة المخلفات، موضحة أن هناك مخططات للتعامل مع المخلفات لكافة محافظات الجمهورية ، والتى منها المخطط الخاص بمنظومة إدارة المخلفات بمحافظة السويس ، 

واستعرضت وزيرة البيئة الخطوات التى يمكن اتخاذها والتكنولوجيات المستخدمة فى إطار منظومة الإدارة المتكاملة للمخلفات الصلبة البلدية ، من بنية تحتية وعقود تشغيل، وقانون المخلفات، وكيفية تمكين القطاع الخاص للعمل فى تلك المجال ، ومصانع التدوير والتى تعمل الدولة على طرحها للاستثمار بنظام التصميم والإنشاء والإدارة ، حيث تم استصدار قرار من رئاسة مجلس الوزراء بتحويل المخلفات إلى طاقة.

كما استمعت الوزيرة خلال الاجتماع إلى خطوات المشروع المقدم من أحد المستثمرين، فى مجال اعادة تدوير المخلفات بمحافظة السويس، مؤكدة على ضرورة توافر دراسة فنية حول التكنولوجيا المتبعة بالمشروع، موضحة أنه سيتم إعطاء موافقة مؤقتة ، ويتم تقييم ومتابعة المشروع من خلال لجنة من جهاز شئون البيئة خلال الفترة القادمة..

ان أمره لعجيب .. !!
هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الاسلام بقية الأيام .. !!
ألا فلنأت على قصته من البداية ..
ولكن أية بداية .. ؟؟
انه هو نفسه، لا يكاد يعرف لحياته بدءا الا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا ..
ولو استطاع لنحّى عمره وحياته، كل ماسبق ذلك اليوم من سنين، وأيام ..
فلنبدأ معه اذنمن حيث يحب.. من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله، وتلقت روحه فيها لمسة من يمين الرحمن، وكلتا يديه يمي، فنفجّرت شوقا الى دينه، والى رسوله، والى استشهاد عظيم في سبيل الحق، ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات ..
لقد خلا يوما الى نفسه، وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا، وتمنّى على الله علام الغيوب أن يمدّ اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين، فقال : " والله لقد استقام المنسم .... وان الرجل لرسول .. فحتى متى .. ؟؟ أذهب والله، فأسلم " ..
ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن رحلته من مكة الى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين : " .. وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة، وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا .. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص، فقال مرحبا يا قوم،
قلنا : وبك .. قال : أين مسيركم ؟ فأخبرناه، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم ،فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان .. فلما اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلام بوجه طلق، فأسلمت وشهدت شهادة الحق .. فقال الرسول : قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير .. وبايعت رسول الله وقلت : استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله .. فقال : ان الاسلام يجبّ ما كان قبله .. قلت: يا رسول الله على ذلك ..فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك ..

وتقدّم عمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله " ...
أرأيتم قوله للرسول : " استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله " ؟؟
ان الذي يضع هذه العبارة بصره، وبصيرته، سيهتدي الى فهم صحيح لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في حياة سيف الله وبطل الاسلام ..
وعندما نبلغ تلك المواقف في قصة حياته ستكون هذه العبارة دليلنا لفهمها وتفسيرها ..
أما الآن، فمع خالد الذي أسلم لتوه لنرى فارس قريش وصاحب أعنّة الخيل فيها، لنرى داهية العرب كافة في دنيا الكرّ والفرّ، يعطي لآلهة أبائه وأمجاد قومه ظهره، ويستقبل مع الرسول والمسلمين عالما جديدا، كتب الله له أن ينهض تحت راية محمد وكلمة التوحيد ..
مع خالد اذن وقد أسلم، لنرى من أمره عجبا .. !!!!
أتذكرون أنباء الثلاثة شهداؤ أبطال معركة مؤتة .. ؟؟
لقد كانوا زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة ..
لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام .. تلك الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل، والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير ..
وتذطرون العبارة الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال : " أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ،ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا .. ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا " كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بقيّة، ادّخرناها لمكانها على هذه الصفحات .. هذه البقيّة هي : " ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، ففتح الله علي يديه " .
فمن كان هذا البطل .. ؟
لقد كان خالد بن الوليد .. الذي سارع الى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول على الجيش : زيد، وجعفر وعبد الله ابن رواحة، والذين استشهدوا بنفس الترتيب على ارض المعركة الضارية .. وبعد سقوط آخر القواد شهيدا، سارع الى اللواء ثابت بن أقرم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم حتى لا بعثر الفوضى صفوفه ..
ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا الى خالد بن الوليد، قائلا له : " خذ اللواء يا أبا سليمان " ولم يجد خالد من حقّه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما فيهم الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام ..
أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها اهل وبها جدير !!
هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم : " لا آخذ اللواء، أنت أحق به .. لك سن وقد شهدت بدرا " ..
وأجابه ثابت : " خذه، فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله ما أخذته الا لك " .
ثم نادى في المسلمين : أترضون امرة خالد .. ؟ قالوا : نعم .. واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق طويل لاحب سيقطعه البطل وثبا ..
في حياة الرسول وبعد مماته، حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان مقدورا ...
ولّي خالد امارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد.. فضحايا المسلمين كثيرون، وجناهم مهيض .. وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح، ظافر مدمدم ..
ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من المصير شيئا، فتجعل المغلوب غالبا، والغالب مغلوبا ..
وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه، هو وقف الخسائر في جيش الاسلام، والخروج ببقيته سالما، أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة .
بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان ..
ولكن، اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن أشجع قلبا من خالد، ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة .. ؟؟! هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر، ويدير الخطط في بديهته بسرعة الضوء .. ويقسم جيشه، والقتال دائر، الى مجموعات، ثم يكل الى كل مجموعة بمهامها .. وراح يستعمل فنّه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة، خرج منها جيش المسلمين كله سليما معافى.. بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال ... !!
وفي هذه المعركة أنعم الرسول على خالد بهذا اللقب العظيم ..
وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحرك المسلمون تحت قيادته لفتح مكة ..
وعلى الجناح الأيمن من الجيش، يجعل الرسول خالدا أميرا ..
ويدخل خالد مكة، واحدا من قادة الجيش المسلم، والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها.. قائدا من قوّاد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا ..
وتخطر له ذكريات الطفولة، حيث مراتعها الحلوة.. وذكريات الشباب، حيث ملاهيه الصاخبة ..
ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا خاسرا لأصنام عاجزة كاسدة ..
وقبل أن يعضّ الندم فؤاده ينتفض تحت تحت روعة المشهد وجلاله ..
مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل آثار التعذيب والهول، يعودون الى البلد الذي أخرجوا منه بغيا وعدوا، يعودون اليه على صهوات جسادهم الصاهلة، وتحت رايات الاسلام الخافقة.. وقد تحوّل همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس، الى تكبيرات صادعة رائعة ترجّ مكة رجّا، وتهليلات باهرة ظافرة، يبدو الكون معها، وكأنه كله في عيد ... !!
كيف تمّت المعجزة .. ؟ أي تفسير لهذا الذي حدث؟
لا شيء الا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم حتى ينظر بعضهم الى بعض فرحين قائلين : (وعد الله.. لا يخلف الله وعده) .. !!
ويرفع خالد رأسه الى أعلى، ويرمق في اجلال وغبطة وحبور رايات الاسلام تملأ الأفق .. فيقول لنفسه : أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده .. !!
ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للاسلام وجعله في يوم الفتح العظيم هذا، واحدا من الذين يحملون راية الاسلام الى مكة .. وليس من الذين سيحملهم الفتح على الاسلام .. ويظل خالد الى جانب رسول الله، واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي آمن به من كل يقينه، ونذر له كل حياته .
وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى، ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة، وتهبّ أعاصير الردّة غادرة ماكرة، مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصمّ وانتفاضها المدمدم .. يضع أبو بكر عينه لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. أبي سليمان، سيف الله، خالد بن الوليد .. !!
وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين الا بجيش قاده هو بنفسه، ولكن ذلك لا يمنع أنه ادّخر خالدا ليوم الفصل، وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا، كان رجلها الفذ وبطلها الملهم ..
عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة، صمم الخليفة العظيم أبو بكر على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه، ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم.. ولكنه ازداد تصميما .. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهميّة وقداسة، لا يؤكدها في رأيه الا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان، وبين جيوش الضلال والردة، والا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة ..
ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة، على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض ..
لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة، سواء بين قبائل العرب، أم على الحدود، حيث يجثم سلطان الروم والفرس، هذا السلطان الذي بدأ يحسّ خطر الاسلام الأكبر عليه، فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار .. !!
ونشبت نيران الفتننة في قبائل : أسد، وغطفان، وعبس، وطيء، وذبيان ..
ثم في قبائل : بني غامر، وهوزان، وسليم، وبني تميم ..
ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين ..
واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين، وعمان، والمهرة، وواجه الاسلام أخطر محنة، واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا .. ولكن، كان هناك أبو بكر .. !!
عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس، وبني مرّة، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب ..
ودار القتال، وتطاول، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم ..
ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية ..
وكانت أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني، ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم، ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة، ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له : " الى أين يا خليفة رسول الله .. ؟؟ اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد : لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك ... "
وأمام اجماع مصمم من المسلمين، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسّم الجيش الى احدى عشرة مجموعة .. رسم لكل مجموعة دورها ..
وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا ..
ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه، اتجه صوب خالد وقال يخاطبه : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نعم عبد الله وأخو العشيرة، خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلّه الله على الكفار والمنافقين " ..
ومضى خالد الى سبيله ينتقل بجيشه من معركة الى معركة، ومن نصر الى مصر حتى كانت المعركة الفاصلة .. فهناك باليمامة كان بنو حنيفة، ومن انحاز اليهم من القبائل، قد جيّشوا أخطر جيوش الردو قاطبة، يقوده مسيلمة الكذاب .
وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة، فلم تبلغ منه منالا ..
وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة .. وسار خالد ..
ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق اليه حتى أعاد تنظيم جيشه، وجعل منه خطرا حقيقيا، وخصما رهيبا .. والتقى الجيشان : وحين تطالع في كتب السيرة والتاريخ، سير تلك المعركة الهائلة، تأخذك رهبة مضنية، اذ تجد نفسك أمام معركة تشبه في ضراوتها زجبروتها معارك حروبنا الحديثة، وان تلّفت في نوع السلاح وظروف القتال ..
ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه، صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء .. !!
وسّلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب، وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوّحت بها عاصفة عنيدة .. !!
وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء، فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة، ذكية وعميقة .. ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها ..
رأى الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي دهمهم بها جيش مسيلمة، فقرر في نفس اللحظة أن يشدّ في أفئدة المسلمين جميعا الى أقصاه .. فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته، وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة، ثم صاح بصوته المنتصر : " امتازوا، لنرى اليوم بلاء كل حيّ " .
وامتازوا جميعا .. مضى المهاجرون تحت راياتهم، والأنصار تحت رايتهم " وكل بني أب على رايتهم " .
وهكذا صار واضحا تماما، من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة، اتّقدت مضاء، وامتلأت عزما وروعة .. وخالد بين الحين والحين، يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها امرا، فتتحوّل سيوف جيشه الى مقادير لا رادّ لأمرها، ولا معوّق لغاياتها ..
وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات، فالمئات فالألوف، كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد .. !!
لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده، وحلّت روحه في جيشه جميعا .. وتلك كانت احدى خصال عبقريّته الباهرة .. وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها، وقتل مسيلمة ..
وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال، وطويت تحت التراب الى الأبد راية الدّعيّ الكذاب ..
وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال صلاة الشكر، اذ منحهم هذا النصر، وهذا البطل ..
وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة وراء حدود بلاده من دور خطير في تهديد مصير الاسلام واهله.. الفرس في العراق.. والروم في بلاد الشام ..
امبرطوريتان خرعتان، تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس في العراق وفي الشام سوء العذاب، بل وتسخرهم، وأكثرهم عرب، لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين الجديدة، يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله، ويجتثون عفنه وفساده .. !
هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق ..
ويمضي البطل الى العراق، وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره، اذن لرأينا من أمرها عجبا .
لقد استهلّ عمله في العراق بكتب أرسلها الى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه ..
" بسم الله الرحمن الرحيم .. من خالد بن الوليد .. الى مرازبة فارس .. سلام على من اتبع الهدى.. أما بعد، فالحمد لله الذي فضّ خدمكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكم .. من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، واكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا .. اذا جاءكم كتابي فابعثوا اليّ بالرهن واعتقدوا مني الذمّة .. والا، فوالذي لا اله غيره لأبعثن اليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة ".. !!
وجاءته طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزّخوف الكثيرة التي يعدها له قوّاد الفرس في العراق، فلم يضيّع وقته، وراح يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه .. وطويت له الأرض طيّا عجيبا .
في الأبلّة، الى السّدير، فالنّجف، الى الحيرة، فالأنبار، فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب ... وفي كل مكان تهلّ به رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء والمستعبدون .
أجل، الضعفاء والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونهم، ويسومونهم سوء العذاب ..
وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره الى جميع قوّاته :
" لا تتعرّضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم آمنين، الا أن يخرج بعضهم لقتالكم، فآنئذ قاتلوا المقاتلين " .
وسار بجيشه الظافر كالسكين في الزبد الطريّ حتى وقف على تخوم الشام ..
وهناك دوّت أصوات المؤذنين، وتكبيرات الفاتحين .
ترى هل سمع الروم في الشام .. ؟
وهل تبيّنوا في هذه التكبيرات نعي أيامهم، وعالمهم .. ؟
أجل لقد سمعوا .. وفزّعوا .. وقرّروا أن يخوضوا في حنون معركة اليأس والضياع .. !
كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام ..
فجنّد الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة، واختار لامارتها نفرا من القادة المهرة، أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، ثم معاوية بن أبي سفيان ..
وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بمصالحة المسلمين، وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة ..
بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا : " والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا " ..
وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل، وأربعين ألفا ..
وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر :" والله لأشفينّ وساوسهم بخالد " ..
وتلقى ترياق الوساوس .. وساوس التمرّد والعدوان والشرك، تلقى أمر الخليفة بالزحف الى الشام، ليكون أميرا على جيوش الاسلام التي سبقته اليها ..
وما اسرع ما امتثل خالد وأطلع، فترك على العراق المثنّى بن الحارثة وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين بأرض الشام، وأنجز بعبقريته الباهرة تنظيم الجيش المسلم وتنسيق مواقعه في وقت وجيز، وبين يدي المعركة واللقاء، وقف في المقاتلين خطيبا فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه : " ان هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي .. أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وتعالوا نتعاور الامارة، فيكون أحدنا اليوم أميرا، والآخر غدا، والآخر بعد غد، حتى يتأمّر كلكم " ...
هذا يوم من أيام الله..
ما أروعها من بداية .. !!
لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي ..
وهذه أكثر روعة وأوفى ورعا !!
ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالايثار، فعلى الرغممن أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل أمرائه، فانه لم يشا أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه، فتنازل لهم عن حقه الدائم في الامارة وجعلها دولة بينهم .. اليوم أمير، وغدا أمي رثان .. وبعد غد أمير آخر .. وهكذا ..
كان جيش الروم بأعداده وبعتاده، شيئا بالغ الرهبة ..
لقد أدرك قوّاد الروم أن الزمن في صالح المسلمين، وأن تطاول القتال وتكاثر المعارك يهيئان لهم النصر دائما، من أجل ذلك قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على العرب حيث لا يبقى لهم بعدها وجود، وما من شك أن المسلمين أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم المقدامة قلقا وخوفا ..
ولكن ايمانهم كان يخفّ لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات، فاذا فجر الأمل والنصر يغمرهم بسناه .. !!
ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم، فقد قال أبو بكر، وهو بالرجال جدّ خبير : " خالد لها " !!
وقال : " والله، لأشفينّ وساوسهم بخالد "فليأت الروم بكل هولهم، فمع المسلمين الترياق .. !!
عبأ ابن الوليد جيشه، وقسمه الى فيالق، ووضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم بعد أن خبر وسائل اخوانهم الفرس في العراق .. ورسم للمعركة كل مقاديرها ..
ومن عجب أن المعركة دارت كما رسم خالد وتوقع، خطوة خطوة، وحركة حركة، حتى ليبدو وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة، لما أخطأ التقدير والحساب .. !!
كل مناورة توقعها من الروم صنعوها .. كل انسحاب تنبأ به فعلوه ..
وقبل أن يخوض القتال كان يشغل باله قليلا، احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار، خاصة أولئك الذين هم حديثو العهد بالاسلام، بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع ..
وكان خالد يتمثل عبقرية النصر في شيء واحد، هو الثبات ..
وكان يرى أن حركة هروب يقوم بها اثنان أو ثلاثة، يمكن أن تشيع في الجيش من الهلع والتمزق ما لا يقدر عليه جيش العدو بأسره ... من أجل هذا، كان صارما، تجاه الذي يلقي سلاحه ويولي هاربا ..
وفي تلك الموقعة بالذات موقعة اليرموك، وبعد أن أخذ جيشه مواقعه، دعا نساء المسلمين، ولأول مرّة سلّمهن السيوف، وأمرهن، بالوقوف وراء صفوف المسلمين من كل جانب وقال لهن : " من يولّي هاربا فاقتلنه " ..
وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه .. !!
وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ..
وبرز اليه خالد، حيث تواجها فوق جواديهما في الفراغ الفاصل بين الجيشين ..
وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا : " قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم الا الجوع والجهد .. فإن شئتم، أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما وترجعون الى بلادكم وفي العام القادم أبعث اليكم بمثله " !!
وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه وأدرك ما في كلمات قائد الروم من سوء الأدب ..
وقرر أن يردذ عليه بجواب مناسب، فقال له : " انه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت، ولكننا قوم نشرب الدماء، وقد علمت أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم، فجئنا لذلك ".. !!
ولوى البطل زمام جواده عائدا الى صفوف جيشه.،ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال ..
" الله أكبر "
" هبّي رياح الجنة " ..
كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة .
ودار قتال ليس لضراوته نظير .. وأقبل الروم في فيالق كالجبال ..
وبدا لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون ..
ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم ..
فهذا أحدهم يقترب من أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه والقتال دائر ويقول : " اني قد عزمت على الشهادة، فهل لك من حاجة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغها له حين ألقاه " ؟؟
فيجيب أبو عبيدة : " نعم قل له : يا رسول الله انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا " .
ويندفع الرجل كالسهم المقذوف.. يندفع وسط الهول مشتاقا الى مصرعه ومضجعه .. يضرب بسيفه، ويضرب بآلاف السيوف حتى يرتفع شهيدا .. !!
وهذا عكرمة بن أبي جهل ..
أجل ابن أبي جهل ..
ينادي في المسلمين حين ثقلت وطأة الروم عليهم قائلا : " لطالما قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهدني الله للإسلام، أفأفرّ من أعداء الله اليوم " ؟؟ ثم يصيح : " من يبايع على الموت " ..
فيبايعه على الموت كوكبة من المسلمين، ثم ينطلقون معا الى قلب المعركة لا باحثين عن النصر، بل عن الشهادة .. ويتقبّل الله بيعتهم وبيعهم ، فيستشهدون .. !!
وهؤلاء آخرون أصيبوا بجراح أليمة، وجيء لهم بماء يبللون به أفواههم، فلما قدم الماء الى أولهم، أشار الى الساقي أن أعط أخي الذي بجواري فجرحه أخطر، وظمؤه أشد .. فلما قدّم اليه الامء، اشار بدوره لجاره، فلا انتقل اليه أشار بدوره لجاره ..
وهكذا، حتى .. جادت أرواح أكثرهم ظامئة .. ولكن أنضر ما تكون تفانيا وايثارا .. !!
أجل .. لقد كانت معركة اليرموك مجالا لفدائية يعز نظيرها .
ومن بين لوحات الفداء الباهرة التي رسمتها عزمات مقدرة، تلك اللوحة الفذة.. لوحة تحمل صورة خالد بن الوليد على رأس مائة لا غير من جنده، ينقضّون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف جندي، وخالد يصيح في المائة الذين معه : " والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصبر والجلد الا ما رأيتم ، واني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم " .
مائة يخوضون في أربعين ألف .. ثم ينتصرون .. !!
ولكن أي عجب ؟؟ أليس مالء قلوبهم ايمان بالله العلي الكبير .. ؟؟
وايمان برسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ؟؟
وايمان بقضية هي أكثر قضايا الحياة برا، وهدى ونبلا ؟
وأليس خليفتهم الصديق رضي الله عنه، هذا الذي ترتفع راياته فوق الدنيا، بينما هو في المدينة العاصمة الجديدة للعالم الجديد، يحلب بيده شياه الأيامى، ويعجن بيده خبز اليتامى .. ؟؟
وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجبر، والصلف، والبغي، والعدوان، وسيف الله المسلول على قوى التخلّف والتعفّن والشرك ؟؟
أليس ذلك، كذلك .. ؟
اذن، هبي رياح النصر ...
هبّي قويّة عزيزة، ظافرة، قاهرة ...
لقد بهرت عبقرية خالد قوّاد الروم وأمراء جيشهم، مما حمل أحدهم، واسمه جرجه على أن يدعو خالدا للبروز اليه في احدى فترات الراحة بين القتال .
وحين يلتقيان، يوجه القائد الرومي حديثه الى خالد قائلا : " يا خالد، أصدقني ولا تكذبني فان الحرّ لا يكذب .. هل أنزل على نبيّكم سيفا من السماء فأعطاك ايّاه، فلا تسلّه على أحد الا هزمته " ؟؟ قال خالد : لا .. قال الرجل : فبم سميّت سيف الله " ؟ قال خالد : ان الله بعث فينا نبيه، فمنا من صدّقه ومنا من كذّب، وكنت فيمن كذّب حتى أخذ الله قلوبنا الى الاسلام، وهدانا برسوله فبايعناه .. فدعا لي الرسول، وقال لي : أنت سيف من سيوف الله، فهكذا سميّت .. سيف الله " قال القائد الرومي : والام تدعون .. ؟ قال خالد : الى توحيد الله، والى الاسلام، قال : هل لمن يدخل في الاسلام اليوم مثل ما لكم من المثوبة والأجر ؟ قال خالد : نعم وأفضل .. قال الرجل : كيف وقد سبقتموه .. ؟ قال خالد : لقد عشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأينا آياته ومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم في يسر .. أما أنتم يا من لم تروه ولم تسمعوه، ثم آمنتم بالغيب، فان أجركم أجزل وأكبر إذا صدقتم الله سرائركم ونواياكم .
وصاح القائد الرومي، وقد دفع جواده الى ناحية خالد، ووقف بجواره : علمني الاسلام يا خالد " !!!
وأسلم وصلى ركعتين لله عز وجل .. لم يصلّ سواهما، فقد استأنف الجيشان القتال .. وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستيتا في طلب لبشهادة حتى نالها وظفر بها .. !!
وبعد، فها نحن أولاء نواجه العظمة الانسانية في مشهد من أبهى مشاهدها .. اذ كان خالد يقود جيوش المسلمين في هذه المعركة الضارية، ويستلّ النصر من بين أنياب الروم استلالا فذا، بقدر ما هو مضن ورهيب، واذا به يفاجأ بالبريد القادم من المدينة من الخليقة الجديد، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .. وفيه تحيّة الفاروق للجيش المسلم، نعيه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وتولية أبي عبيدة بن الجرّاح مكانه ..
قرأ خالد الكتاب، وهمهم بابتهالات الترحّم على ابي بكر والتوفيق لعمر ..
ثم طلب من حامل الكتاب ألا يبوح لأحد بما فيه وألزمه مكانه أمره ألا يغادره، وألا يتصل بأحد .
استأنف قيادته للمعركة مخفيا موت أبي بكر، وأوامر عمر حتى يتحقق النصر الذي بات وشيكا وقريبا ..
ودقّت ساعة الظفر، واندحر الروم ..
وتقدّم البطل من أبي عبيدة مؤديا اليه تحيّة الجندي لقائده ... وظنها أبو عبيدة في أول الأمر دعابة من دعابات القائد الذي حققق نصرا لم يكن في الحسبان .. بيد أنه ما فتئ أن رآها حقيقة وجدّا، فقبّل خالد بين عينيه، وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه ..
وثمّت رواية تاريخية أخرى، تقول : ان الكتاب أرسل من أمير المؤمنين عمر الى أبي عبيدة، وكتم أبو عبيدة النبأ عن خالد حتى انتهت المعركة ..
وسواء كان الأمر هذا أو ذاك، فان مسلك خالد في كلتا الحالتين هو الذي يعنينا .. ولقد كان مسلكا بالغ الروعة والعظمة والجلال ..
ولا أعرف في حياة خالد كلها موقفا ينبئ باخلاصه العميق وصدقه الوثيق، مثل هذا الموقف ...
فسواء عليه أن يكون أميرا، أو جنديا ..
ان الامارة كالجندية، كلاهما سبب يؤدي به واجبه نحو الله الذي آمن به، ونحو الرسول الذي بايعه، ونحو الدين الذي اعتنقه وسار تحت رايته ..
وجهده المبذول وهو أمير مطاع .. كجهده المبذول وهو جندي مطيع .. !
ولقد هيأ له هذا الانتصار العظيم على النفس، كما هيأه لغيره، طراز الخلفاء الذين كانوا على راس الأمة المسلمة والدولة المسلمة يوم ذاك ..
أبو بكر وعمر ..
اسمان لا يكاد يتحرّك بهما لسان، حتى يخطر على البال كل معجز من فضائل الانسان، وعظمة الانسان ..
وعلى الرغم من الودّ الذي كان مفقودا أحيانا بين عمر وخالد، فان نزاهة عمر وعدله، وورعه وعظمته الخارقة، لم تكن قط موضع تساؤل لدى خالد .. ومن ثم لم تكن قراراته موضع شك، لأن الضمير الذي يمليها، قد بلغ من الورع، ومن الاستقامة، ومن الاخلاص والصدق أقصى ما يبلغه ضمير منزه ورشيد ..
لم يكن أمير المؤمنين عمر يأخذ على خالد من سوء، ولكنه كان يأخذ على سيفه التسرّع، والحدّة ..
ولقد عبّر عن هذا حين اقترح على أبي بكر عزله اثر مقتل مالك بن نويرة، فقال : " ان في سيف خالد رهقا "
أي خفة وحدّة وتسرّع .. فأجابه الصدّيق قائلا : " ما كنت لأشيم سيف سلّه الله على الكافرين " .
لم يقل عمر ان في خالد رهقا .. بل جعل الرهق لسيفه لا لشخصه، وهي كلمات لا تنمّ عن أدب أمير المؤمنين فحسب، بل وعن تقديره لخالد أيضا ..
وخالد رجل حرب من المهد الى اللحد ..
فبيئته، ونشأته، وتربيته وحياه كلها، قبل الاسلام وبعده كانت كلها وعاء لفارس، مخاطر، داهية ..
ثم ان الحاح ماضيه قبل السلام، والحروب التي خاضها ضد الرسول وأصحابه، والضربات التي أسقط بها سيفه أيام الشرك رؤوسا مؤمنة، وجباها عابدة، كل هذا كان له على ضميره ثقل مبهظ، جعل سيفه توّاقا الى أن يطوّح من دعامات الشرك أضعاف ما طوّح من حملة الاسلام ..
وانكم لتذكرون العبارة التي أوردناها أوّل هذا الحديث والتي جاءت في سياق حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال له : " يا رسول الله .. استغفر لي كل ما أوضعت فيه عن صدّ عن سبيل الله " .
وعلى الرغم من انباء الرسول صلى الله عليه وسلم اياه، بأن الاسلام يجبّ ما كان قبله، فانه يظل يتوسل على الظفر بعهد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله له فيما صنعت من قبل يداه ..
والسيف حين يكون في يد فارس خارق كخالد بن الوليد، ثم يحرّك اليد القابضة عليه ضمير منوهج بحرارة التطهر والتعويض، ومفعم بولاء مطلق لدين تحيط به المؤمرات والعداوات، فان من الصعب على هذا السيف أن يتخلى عن مبادئه الصارمة، وحدّته الخاطفة ..
وهكذا رأينا سيف خالد يسبب لصاحبه المتاعب .
فحين أرسله النبي عليه الصلاة والسلام بعد الفتح الى بعض قبائل العرب القريبة من مكة، وقال له : " اني أبعثك داعيا لا مقاتلا " .
غلبه سيفه على أمره ودفعه الى دور المقاتل .. متخليا عن دور الداعي الذي أوصاه به الرسول مما جعله عليه السلام ينتفض جزعا وألما حين بلفه صنيع خالد .. وقام مستقبلا القبلة، رافعا يديه، ومعتذرا الى الله بقوله : " اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد " ثم أرسل عليّا فودى لهم دماءهم وأموالهم .
وقيل ان خالدا اعتذر عن نفسه بأن عبد الله بن حذافة السهمي قال له : ان رسول الله قد أمرك بقتالهم لامتناعهم عن الاسلام ..
كان خالد يحمل طاقة غير عادية .. وكان يستبد به توق عارم الى هدم عالمه القديم كله ..
ولو أننا نبصره وهو يهدم صنم العزّى الذي أرسله النبي لهدمه .
لو أننا نبصره وهو يدمدم بمعوله على هذه البناية الحجرية، لأبصرنا رجلا يبدو كأنه يقاتل جيشا بأسره، يطوّح رؤوس أفرداه ويتبر بالمنايا صفوفه .
فهو يضرب بيمينه، وبشماله، وبقدمه، ويصيح في الشظايا المتناثرة، والتراب المتساقط :
" يا عزّى كفرانك، لا سبحانك    اني رأيت الله قد أهانك " .. !!
ثم يحرقها ويشعل النيران في ترابها .. !
كانت كل مظاهر الشرك وبقاياه في نظر خالد كالعزّى لا مكان لها في العالم الجديد الذي وقف خالد تحت أعلامه ..
ولا يعرف خالد أداة لتصفيتها الا سيفه ..
والا .. " كفرانك لا سبحانك ..
اني رأيت الله قد أهانك " .. !!
على أننا اذ نتمنى مع أمير المؤمنين عمر، لو خلا سيف خالد من هذا الرهق، فاننا سنظل نردد مع أمير المؤمنين قوله : " عجزت النساء أن يلدن مثل خالد ".. !!
لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيرا، وعلم الناس فيما بعد أنه لم يكن يبكي فقده وحسب، بل ويبكي فرصة أضاعها الموت عن عمر اذ كان يعتزم رد الامارة الى خالد بعد أن زال افتتان الناس به، ومحصت أسباب عزله، لولا أن تداركه الموت وسارع خالد الى لقاء ربه .
نعم سارع البطل العظيم الى مثواه في الجنة ..
أما آن له أن يستريح .. ؟؟ هو الذي لم تشهد الأرض عدوّا للراحة مثله .. ؟؟
أما آن لجسده المجهد أن ينام قليلا .. ؟؟ هو الذي كان يصفه أصحابه وأعداؤه بأنه : " الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحدا ينام " .. ؟؟
أما هو، فلو خيّر لاختار أن يمدّ الله له في عمره مزيدا من الوقت يواصل فيه هدم البقايا المتعفنة القديمة، ويتابع عمله وجهاده في سبيل الله والاسلام ..
ان روح هذا الرجل وريحانه ليوجدان دائما وابدا، حيث تصهل الخيل، وتلتمع الأسنّة، وتخفق رايات التوحيد فوق الجيوش المسلمة ..
وأنه ليقول : " ما ليلة يهدى اليّ فيها عروس، أو أبشّر فيها بوليد، بأحبّ اليّ من ليلة شديدة الجليد، في سريّة من المهاجرين، أصبح بهم المشركين " ..
من أجل ذلك، كانت مأساة حياته أن يموت في فراشه، وهو الذي قضى حياته كلها فوق ظهر جواده، وتحت بريق سيفه ...
هو الذي غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقهر أصحاب الردّة، وسوّى بالتراب عرش فارس والروم، وقطع الأرض وثبا، في العراق خطوة خطوة، حتى فتحها للاسلام، وفي بلاد الشام خطوة خطوة حتى فتحها كلها للاسلام ...
أميرا يحمل شظف الجندي وتواضعه .. وجنديا يحمل مسؤولية الأمير وقدوته ..
كانت مأساة حياة البطل أن يموت البطل على فراشه .. !! هنالك قال ودموعه تنثال من عينيه : " لقد شهدت كذا، وكذا زحفا، وما في جسدي موضع الا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، أو رمية سهم .. ثم هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء ".. !
كلمات لا يجيد النطق بها في مثل هذا الموطن، الا مثل هذا الرجل، وحين كان يستقبل لحظات الرحيل، شرع يملي وصيّته ..
أتدرون الى من أوصى .. ؟
الى عمر بن الخطاب ذاته .. !!
أتدرون ما تركته .. ؟
فرسه وسلاحه .. !!
ثم ماذا ؟؟
لا شيء قط، مما يقتني الناس ويمتلكون .. !!
ذلك أنه لم يكن يستحوذ عليه وهو حيّ، سوى اقتناء النصر وامتلاك الظفر على أعداء الحق .
وما كان في متاع الدنيا جميعه ما يستحوذ على حرصه ..
شيء واحد، كان يحرص عليه في شغف واستماتة .. تلك هي قلنسوته " ..
سقطت منه يوم اليرموك. فأضنى نفسه والناس في البحث عنها .. فلما عوتب في ذلك قال : " ان فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله واني أتفائل بها، وأستنصر " .
وأخيرا، خرج جثمان البطل من داره محمولا على أعناق أصحابه ورمقته أم البطل الراحل بعينين اختلط فيهما بريق العزم بغاشية الحزن فقالت تودّعه :
أنت خير من ألف ألف من     القو م اذا ما كبت وجوه الرجال
أشجاع ؟ فأنت أشجع من    ليث غضنفر يذود عن أشبال
أجواد .. ؟ فأنت أجود من        سيل غامر يسيل بين الجبال
وسمعها عمر فازداد قلبه خفقا .. ودمعه دفقا .. وقال : " صدقت .. والله ان كان لكذلك " .
وثوى البطل في مرقده ..
ووقف أصحابه في خشوع، والدنيا من حولهم هاجعة، خاشعة، صامتة ..
لم يقطع الصمت المهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت رسنها، وقطعت شوارع المدينة وثبا وراء جثمان صاحبها، يقودها عبيره وأريجه ..
واذ بلغت الجمع الصامت والقبر الرطب لوت برأسها كالراية، وصهيلها يصدح.. تماما مثلما كانت تصنع والبطل فوق ظهرها، يهدّ عروش فارس والروم، ويشفي وساوس الوثنية والبغي، ويزيح من طريق الاسلام كل قوى التقهقر والشرك ...
وراحت وعيناها على القبر لا تزيغان تعلو برأسها وتهبط، ملوّحة لسيدها وبطلها مؤدية له تحية الوداع .. !!
ثم مقفت ساكنة ورأسها مرتفع.. وجبهتها عالية.. ولكن من آقيها تسيل دموع غزار وكبار .. !!
لقد وقفها خالد مع سلاحه في سبيل الله ..
ولكن هل سيقدر فارس على أن يمتطي صهوتها بعد خالد .. ؟؟
وهل ستذلل ظهرها لأحد سواه .. ؟؟
ايه يا بطل كل نصر ..
ويا فجر كل ليلة ..
لقد كنت تعلو بروح جيشك على أهوال الزحف بقولك لجندك :
" عند الصباح يحمد القوم السرى " ..
حتى ذهبت عنك مثلا ..
وهأنتذا، قد أتممت مسراك ..
فلصباحك الحمد أبا سليمان .. !!
ولذكراك المجد، والعطر، والخلد، يا خالد .. !!
ودعنا .. نردد مع أمير المؤمنين عمر كلماته العذاب الرطاب التي ودّعك بها ورثاك :
" رحم الله أبا سليمان
ما عند الله خير مما كان فيه
ولقد عاش حميدا
ومات سعيدا " .

الحفناوي يستمع لبعض المرضي والمرافقين ويوجه بسرعة تقديم الخدمة داخل أقسام الطوارئ والإحالة للأقسام الداخلية لإستكمال البرنامج العلاجي .

تفقد الدكتور إسماعيل الحفناوي وكيل وزارة الصحة والسكان ، بشكل مفاجئ ، أقسام الطوارئ بمستشفيات المحافظة وذلك لمتابعة تواجد الأطقم الطبية بمواقع عملها و توافر المخزون الاستراتيجي من المستلزمات الطبية والأدوية .

واستهل «الحفناوي» الجولة ، بتفقد طوارئ النساء والتوليد و الباطنه بمستشفى السويس العام ، حيث اطمئن علي تواجد الأطباء والتمريض ، موجهاً بتقديم الخدمة الطبيه داخل قسم الطوارئ وسرعة الإحالة للأقسام الداخلية حسب الحالة التشخيصية لكل مريض ، كما تابع وكيل وزارة الصحة جولته المفاجئة بالمرور علي أقسام الطوارئ بمستشفيات الحميات والصدر وقد شدد علي تواجد الطاقم الطبي من أطباء وتمريض بموقع عملهم لسرعة إسعاف المترددين فور وصولهم .

وخلال الجولة ، فقد تابع الحفناوي ، معدلات الترددات علي أقسام الطوارئ والاطمئنان علي تنفيذ البرتوكولات العلاجية لجميع الحالات ، كما استمع «وكيل وزارة الصحة » لبعض مرافقي الحالات الصحية وسؤال المرضي عن الخدمة الطبيه المقدمة لهم .

ويستهدف استمرار الجولات الميدانية لجميع منافذ تقديم الخدمات ، متابعة انتظام تقديم الخدمة تنفيذاً لتكليفات الأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان ، ومتابعة أقسام الطوارئ بجميع المستشفيات تنفيذاً لتوجيهات اللواء أ ح عبد المجيد صقر محافظ السويس . 

ترأس الدكتور إسماعيل الحفناوي وكيل وزارة الصحة والسكان ، منذ قليل ، إجتماعاً بحضور قيادات مديرية الصحة  ومديري المستشفيات بالسويس وذلك لمتابعة تنفيذ التكليفات الوزارية وتلافي المعوقات والسلبيات .

وخلال الاجتماع فقد أكد الحفناوي ، علي إستمرار قيام جميع القيادات بأدوراهم لضمان انتظام تقديم الخدمة الطبيه لحين إطلاق التشغيل الرسمي لمنظومة التأمين الصحي الشامل بمحافظة السويس .

وبحث الإجتماع ماتم بشأن ماتم تنفيذه من تكليفات للأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان وتوجيهات اللواء أ ح عبد المجيد صقر محافظ السويس ، كذلك الاطلاع علي تقارير الأداء بمختلف الإدارات والأقسام .

أقبل على مكة نشوان مغتبطا .. صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضنى والألم، بيد أن الغاية التي يسعى اليها، أنسته جراحه، وأفاضت على روحه الحبور والبشور .

ودخلها متنكرا، كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوّفوا بآلهة الكعبة العظام .. أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه، أو طال به السفر والارتحال فأوى اليها يستريح ويتزوّد .

فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم، ويستمع اليه لفتكوا به .

وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به، ولكن بعد أن يقابل الرجل الي قطع الفيافي ليراه، وبعد أن يؤمن به، ان اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته.. ولقد مضى يتسمّع الأنباء من بعيد، وكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد اقترب منهم في حذر، حتى جمع من نثارات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد، وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه .

في صبيحة يوم ذهب الى هناك، فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم جالاسا وحده، فاقترب منه وقال : نعمت صباحا يا أخا العرب.. فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام : وعليك السلام يا أخاه .

قال أبو ذر : أنشدني مما تقول.. فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام : ما هو بشعر فأنشدك، ولكنه قرآن كريم .

قال أبو ذر : اقرأ عليّ.. فقرأ عليه الرسول، وأبو ذر يصغي.. ولم يمضي من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر : "أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " وسأله النبي : ممن أنت يا أخا العرب .. ؟ فأجابه أبو ذر : من غفار..

وتألقت ابتسامة على فم السول صلى الله عليه وسلم، واكتسى وجهه الدهشة والعجب ..

وضحك أبو ذر كذلك، فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالاسلام أمامه انما هو رجل من غفار .. !! فغفار هذه قبيلة لا يدرك لها شأو في قطع الطريق .. !! وأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع .. انهم حلفاء الليل والظلام، والويل لمن يسلمه الليل الى واحد من قبيلة غفار .

أفيجيء منهم اليوم، والاسلام لا يزال دينا غصّا مستخفيا، واحد ليسلم .. ؟! يقول أبو ذر وهو يروي القصة بنفسه : ".. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوّبه تعجبا، لما كان من غفار، ثم قال : ان الله يهدي من يشاء .

ولقد كان أبو ذر رضي الله عنه أحد الذين شاء لهم الهدى، وأراد بهم الخير .

وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين شاء الله لهم الهدى، وأراد بهم الخير .

وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين كلنوا يتألهون في الجاهلية، أي يتمرّدون على عبادة الأصنام، ويذهبون الى الايمان باله خالق عظيم ، وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبي يسفّه عبادة الأصناك وعبّادها، ويدعو الى عبادة الله الواحد القهار، حتى حث اليه الخطى، وشدّ الرحال .

أسلم أبو ذر من فوره .. وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس..

اذن، هو قد أسلم في الأيام الأولى، بل الساعات الأولى للاسلام، وكان اسلامه مبكرا ..

وحين أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة همسا .. يهمس بها الى نفسه، والى الخمسة الذين آمنوا معه، ولم يكن أمام أبي ذر الا أن يحمل ايمانه بين جنبيه، ويتسلل به مغادرا مكة، وعائدا الى قومه ... ولكن أبا ذر، جندب بن جنادة، يحمل طبيعة فوارة جيّاشة .

لقد خلق ليتمرّد على الباطل أنى يكون .. وها هو ذا يرى الباطل بعينيه .. حجارة مرصوصة، ميلاد عابديها أقدم من ميلادها، تنحني أمامها الجباه والعقول، ويناديها الناس : لبيك.. لبيك .. !!

وصحيح أنه رأى الرسول يؤثر لهمس في أيامه تلك.. ولكن لا بدّ من صيحة يصيحها هذا الثائر الجليل قبل أن يرحل.

لقد توجه الى الرسول عليه الصلاة والسلام فور اسلامه بهذا السؤال : يا رسول الله، بم تأمرني ؟ فأجابه الرسول : ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري ..

فقال أبو ذر : والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد.. !!

ألم أقل لكم .. ؟؟

تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة، أفي اللحظة التي يكشف فيها أبو ذر عالما جديدا بأسره يتمثل في الرسول الذي آمن به، وفي الدعوة التي سمع بتباشيرها على لسانه.. أفي هذه اللحظة يراد له أن يرجع الى أهله صامتا ؟ هذا أمر فوق طاقته .. هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته : [أشهد أن لا اله الا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله] ...

كانت هذه الصيحة أول صيحة بالاسلام تحدّت كبرياء قريش وقرعت أسماعها .. صاحها رجل غريب ليس له في مكّة حسب ولا نسب ولا حمى ..

ولقد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه .. فقد أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه ..

وترامى النبأ الى العباس عم النبي، فجاء يسعى، وما استطاع أن ينقذه من بين أنيابهم الا بالحيلة لذكية، قال له : " يا معشر قريش، أنتم تجار، وطريقكم على غفار،، وهذا رجل من رجالها، ان يحرّض قومه عليكم، يقطعوا على قوافلكم الطريق ".. فثابوا الى رشدهم وتركوه ، ولكن أبا ذر، وقد ذاق حلاوة الأذى في سبيل الله، لا يريد أن يغادر مكة حتى يظفر من طيباته بمزيد ... !!

وهكذا لا يكاد في اليوم الثاني وربما في نفس اليوم، يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين (أساف، واثلة) ودعوانهما، حتى يقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا.. فتصرخ المرأتان، ويهرول الرجال كالجراد، ثم لا يفتون يضربونه حتى يفقد وعيه .. وحين يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله " ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلوه ..

ويعود أبو ذر الى عشيرته وقومه، فيحدثههم عن النبي الذي ظهر يدعو الى عبادة الله وحده ويهدي لمكارم الأخلاق، ويدخل قومه في الاسلام، واحدا اثر واحد .. ولا يمتفي بقبيلته غفار، بل ينتقل الى قبيلة أسلم فيوقد فيها مصابيحه.. !!

وتتابع الأيام رحلتها في موكب الزمن، ويهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة، ويستقر بها والمسلمون معه .

وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من المشاة والركبان، أثارت أقدامهم النقع.. ولولا تكبيراتهم الصادعة، لحبسهم الرائي جيشا مغيرا من جيوش الشرك .. اقترب الموكب اللجب.. ودخل المدينة.. ويمم وجهه شطر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومقامه ..

لقد كان الموكب قبيلتي غفار وأسلم، جاء بهما ابو ذر مسلمين جميعا رجالا ونساءا. شيوخا وشبابا، وأطفالا.. !!

وكان من حق الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزداد عجبا ودهشة ..

فبالأمس البعيد عجب كثيرا حين رأى أمامه رجلا واحدا من غفار يعلن اسلامه وايمانه، وقال معبّرا عن دهشته : " ان الله يهدي من يشاء " !!

أما اليوم فان قبيلة غفار بأجمعها تجيئه مسلمة..وقد قطعت في الاسلام بضع سنين منذ هداها الله على يد أبي ذر، وتجيء معها قبيلة أسلم .. ان عمالقة السطو وحلفاء الشيطان، قد أصبحوا عمالقة في الخير وحلفاء للحق .

أليس الله يهدي من يشاء حقا ؟؟

لقد ألقى الرسول عليه الصلاة والسلام على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا ..

ونظر الى قبيلة غفار وقال : " غفار غفر الله لها " ثم الى قبيلة أسلم فقال : " وأسلم سالمها الله " ..

وأبو ذر هذا الداعية الرائع.. القوي الشكيمة، العزيز المنال.. ألا يختصه الرسول عليه الصلاة والسلام بتحية ؟؟

أجل .. ولسوف يكون جزاؤه موفورا، وتحيته مباركة ..

ولسوف يحمل صدره، ويحمل تاريخه، أرفع الأوسمة وأكثرها جلالا وعزة ..

ولسوف تفنى القرون والأجيال، والناس يرددون رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي ذر : " ما أقلّت الغبراء، ولا أظلّت الصحراء أصدق لهجة من أبي ذر " .. !!

ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته اباهرة على مواجهة الباطل .. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلّوه .. أصدق لهجة في أبي ذر .. ؟

لقد قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام مستقبل صاحبه، ولخص حياته كلها في هذه الكلمات .. فالصدق الجسور، هو جوهر حياة أبي ذر كلها .. صدق باطمه، وصدق ظاهره ..

صدق عقيدته وصدق لهجته ..

ولسوف يحيا صادقا.. لا يغالط نفسه، ولا يغالط غيره، ولا يسمح لأحد أن يغالطه ..

ولئن يكون صدقه فضيلة خرساء.. فالصدق الصامت ليس صدقا عند أبي ذر ..

انما الصدق جهر وعلن.. جهر بالحق وتحد للباطل..تأييد للصواب ودحض للخطأ ..

الصدق ولاء رشيد للحق، وتعبير جريء عنه، وسير حثيث معه ..

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ببصيرته الثاقبة عبر الغيب القصيّ والمجهول البعيد كل المتاعب التي سيفيئها على أبي ذر صدقه وصلابته، فكان يأمره دائما أن يجعل الأناة والصبر نهجه وسبيله .

وألقى الرسول يوما هذا السؤال : " يا أبا ذر كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء " ؟ فأجاب قائلا : " اذن والذي بعثك بالحق، لأضربن بسيفي " !! فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : " أفلا أدلك على خير من ذلك.. ؟ اصبر حتى تلقاني " .

ترى لماذا سأله الرسول هذا السؤال بالذات ؟؟ الأمراء .. والمال.. ؟؟ تلك قضية أبي ذر التي سيهبها حياته، وتلك مشكلته مع المجتمع ومع المستقبل .. ولقد عرفها رسول الله فألقى عليه السؤال، ليزوده هذه النصيحة الثمينة : " اصبر حتى تلقاني " ..

ولسوف يحفظ أبوذر وصية معلمه، فلن يحمل السيف الذي توّد به الأمراء الذين يثرون من مال الأمة.. ولكنه أيضا لن يسكت عنهم لحظة من نهار ..

أجل اذا كان الرسول قد نهاه عن حمل السيف في وجوههم، فانه لا ينهاه عن أن يحمل في الحق لسانه البتار ..

ولسوف يفعل ..

ومضى عهد الرسول، ومن بعده عصر أبي بكر، وعصر عمر في تفوق كامل على مغريات الحياة ودواعي الفتنة فيها ..

حتى تلك النفوس المشتهية الراغبة، لم تكن تجد لرغباتها سبيلا ولا منفذا .

وأيامئذ، لم تكن ثمة انحرافات يرفع أبو ذر ضدها صوته ويفلحها بكلماته اللاهبة ... ولقد طال عهد أمير المؤمنين عمر، فارضا على ولاة المسلمين وأمرائهم وأغنيائهم في كل مكان من الأرض، زهدا وتقشفا، ودعلا يكاد يكون فوق طاقة البشر ..

ان واليا من ولاته في العراق، أو في الشام، أ، في صنعاء.. أو في أي من البلاد النائية البعيدة، لا يكاد يصل اليها نوعا من الحلوى، لا يجد عامة الناس قدرة على شرائه، حتى يكون الخبر قد وصل الى عمر بعد أيام، وحتى تكون أوامره الصارمة قد ذهبت لتستدعي ذلك الوالي الى المدينة ليلقى حسابه العسير .. !!

ليهنأ أبو ذر اذن .. وليهنأ أكثر ما دام الفاروق العظيم أميرا للمؤمنين .. وما دام لا يضايق أبا ذر في حياته شيء مثلما يضايقع استغلال السلطة، واحتكارالثروة ، فإن ابن الخطاب بمراقبته الصارمة للسلطة، وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا .. وهكذا تفرغ لعبادة ربه، وللجهاد في سبيله.. غير لائذ بالصمت اذا رأى مخالفة هنا، أو هناك .. وقلما كان يرى ..

بيد أن أعظم، وأعدل، وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم، تاركا وراءه فراغا هائلا، ومحدثا رحيله من ردود الفعل ما لا مفرّ منه ولا طاقة للناس به، وتستمر القتوح في مدّها، ويعلو معها مد الرغبات والتطلع الى مناعم الحياة وترفها .. ويرى أبو ذر الخطر ..

ان ألوية المجد الشخصي توشك أن تفتن الذين كل دورهم في الحياة أن يرفعوا راية الله ..

ان الدنيا بزخرفها وغرورها الضاري، توشك أن تفتن الذين كل رسالتهم أن يجعلوا منها مزرعة للأعمال الصالحات ..

ان المال الذي جعله الله خادما مطيعا للانسان، يوشك أن يتحوّل الى سيّد مستبد ..

ومع من ؟ مع أصحاب محمد الذي مات ودرعه مرهونة، في حين كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه .. !!

ان خيرات الأرض التي ذرأها الله للناس جميعا .. وجعل حقهم فيها متكافئا توشك أن اصير حكرا ومزية ..

ان السلطة التي هي مسؤولية ترتعد من هول حساب الله عليها أفئدة الأبرار، تتحول الى سبيل للسيطرة، وللثراء، وللترف المدمر الوبيل ..

رأى أبو ذر كل هذا فلم يبحث عن واجبه ولا عن مسؤوليته.. بل راح يمد يمينه الى سيفه.. وهز به الهواء فمزقه، ونهض قائما يواجه المجتمع بسيفه الذي لم تعرف له كبوة .. لكن سرعان ما رنّ في فؤاده صدى الوصية التي أوصاه بها الرسول، فأعاد السيف الى غمده، فما ينبغي أن يرفعه في وجه مسلم ..

(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ)

ليس دوره اليوم أن يقتل.. بل أن يعترض .. وليس السيف أداة التغيير والتقويم، بل الكلمة الصادقة، الأمينة المستبسلة .. الكلمة العادلة التي لا تضل طريقها، ولا ترهب عواقبها .

لقد أخبر الرسول يوما وعلى ملأ من أصحابه، أن الأرض لم تقلّ، وأن السماء لم تظلّ أصدق لهجة من أبي ذر ..

ومن كان يملك هذا القدر من صدق اللهجة، وصدق الاقتناع، فما حاجته الى السيف .. ؟

ان كلمة واحدة يقولها، لأمضى من ملء الأرض سيوفا ..

فليخرج بصدقه هذا، الى الأمراء.. الى الأغنياء. الى جميع الذين أصبحوا يشكلون بركونهم الى الدنيا خطرا على الدين الذي جاء هاديا، لا جابيا.. ونبوة لا ملكا،.. ورحمة لا عذابا.. وتواضعا لا استعلاء.. وتكافؤ لا تمايز.. وقناعة لا جشعا.. وكفاية لا ترفا.. واتئادا في أخذ الحياة، لا فتونا بها ولا تهالكا عليها..

فليخرج الى هؤلاء جميعا، حتى يحكم الله بينهم وبينه بالحق، وهو خير الحاكمين .

وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة، يغزوها بمعارضته معقلا معقلا .. وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون .. حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد .. طاره اليها ذكره ، وأصبح لا يمر بأرض، بل ولا يبلغ اسمه قوما الا أثار تسؤلات هامّة تهدد مصالح ذوي الشلطة والثراء .

ولو أراد هذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى مكواة تتوهج حمرة ولهبا، فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده في كل مكان وزمان.. ويردده الانس عنه كأنه نشيد .. هذه الكلمات : " بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ".. !!

لا يصغد جبلا، ولا ينزل سهلا، ولا يدخل مدينة، ولا يواجه أميرا الا وهذه الكلمات على لسانه .

ولم يعد الانس يبصرونه قادما الا استقبلوه بهذه الكلمات : " بشّر الكانزين بمكاو من نار " ..

لقد صارت هذه العبارة علما على رسالته التي نذر حياته لها، حين رأى الثروات تتركز وتحتكر.. وحين رأى السلطة استعلاء واستغلال .. وحين رأى حب الدنيا يطغى ويوشك أن يطمر كل ما صنعته سنوات الرسالة العظمى من جمال وورع، وتفان واخلاص ..

لقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة.. هناك في الشام حيث "معاوية بن أبي سفيان" يحكم أرضا من أكثر بلاد الاسلام خصوبة وخيرا وفيضا، وانه ليعطي الأموال ويوزعها بغير حساب، يتألف بها الناس الذين لهم حظ ومكانة، ويؤمن بها مستقبله الذي كان يرنو اليه طموحه البعيد .

هناك الضياع والقصور والثروات تفتن الباقية من حملة الجعوة، فليدرك أبو ذر الخطر قبل أن يحيق ويدمّر .. وحسر زعيم المعارضة رداءه المتواضع عن ساقيه، وسابق الريح الى الشام ..

ولم يكد الناس العاديون يسمعون بمقدمه حتى استقبلوه في حماسة وشوق، والتفوا حوله أينما ذهب وسار ..

حدثنا يا أبا ذر .. حدثنا يا صاحب رسول الله ..

ويلقي أبو ذر على الجموع حوله نظرات فاحصة، فيرى أكثرها ذوي حصاصة وفقر .. ثم يرنو ببصره نحو المشارف القريبة فيرى القصور والضياع .. ثم يصرخ في الحافين حوله قائلا : " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الانس شاهرا سيفه ".. ؟؟!!

ثم يذكر من فوره وصية رسول الله أن يضع الأناة مكان الانقلاب، والكلمة الشجاعة مكان السيف .. فيترك لغة الحرب هذه ويعود الى لغة المنطق والاقناع، فيعلم الناس جميعا أنهم جميعا سواسية كأسنان المشط.. وأنهم جميعا شركاء في الرزق.. وأنه لا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى.. وأن أمير القوم ووليهم، هو أول من يجوع اذا جاعوا، وآخر من شبع اذا شبعوا ..

لقد قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عامّا من كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة، والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه، وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم، أو محتكرة للثروة .

وفي أيام قلائل، كانت الشام كلها كخلايا نحل وجدت ملكتها المطاعة .. ولو أعطى أبو ذر اشارة عابرة بالثورة لاشتعلت نارا .. ولكنه كما قلنا، حصر اهتمامه في خلق رأي عام يفرض احترامه، وصارت كلماته حديث المجالس والمساجد والطريق .

ولقد بلغ خطره على الامتيازات الناشئة مداه، يوم ناظر معاوية على ملأ من الناس. ثم أبلغ الشاهد للمناظرة، الغائب عنها. وسارت الرياح بأخبارها .. ولقد وقف أبو ذر أصدق العالمين لهجة، كما وصفه نبيه وأستاذه ..

وقف يسائل معاوية في غير خوف ولا مداراة عن ثروته قبل أن يصبح حاكما، وعن ثروته اليوم .. !!

وعن البيت الذي كان يسكنه بمكة، وعن قصوره بالشام اليوم .. !!

ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية الى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع .

ثم يصيح فيهم جميعا : أفأنت الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم .. ؟؟

ويتولى الاجابة عنهم : نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن، وشهدتم مع الرسول المشاهد ..

ثم يعود ويسأل : ألا تجدون في كتاب الله هذه الآية : (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم .. يوم يحمى عليها في نار جهنّم، فتكوى بها جباههم، وجنوبهم، وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون) .. ؟؟

ويختلام معاوية طريق الحديث قائلا : لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ..

ويصيح أبو ذر : لا بل أنزلت لنا ولهم ..

ويتابع أبو ذر القول ناصحا معاوية ومن معه أن يخرجوا كل ما بأيديهم من ضياع وقصور وأموال .. وألا يدّخر أحدهم لنفسه أكثر من حاجات يومه ..

وتتناقل المحافل والجموع نبأ هذه المناظرة وأنباء أبي ذر ..

ويتعالى نشيد أبي ذر في البيوت والطرقات : (بشّر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة) ..

ويستشعر معاوية الخطر، وتفزعه كلمات الثائر الجليل، ولكنه يعرف له قدره، فلا يقرّ به بسوء، ويكتب عن فوره للخليفة عثمان رضي الله عنه يقول له : " ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام " ..

ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه للمدينة .

ويحسر أبي ذر طرف ردائه عن ساقيه مرّة أخرى ويسافر الى المدينة تاركا الشام في يوم لم تشهد دمشق مثله يوما من أيام الحفاوة والوداع .. !! (لا حاجة لي في دنياكم) .. !!

هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل الى المدسنة، وجرى بينهما حوار طويل .

لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه، ومن الأنباء التي توافدت عليه من كل الأقطار عن مشايعة الجماهير لآراء أبي ذر، بادراك صحيح لخطر دعوته وقوتها وقرر أن يحتفظ به الى جواره في المدينة محددا بها اقامته .

ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا، رقيقا، فقال له : " ابق هنا بجانبي، تغدو عليك اللقاح وتروح "..

وأجابه أبو ذر : (لا حاجة لي في دنياكم) !

أجل لا حاجة له في دنيا الناس .. انه من أولئك القديسين الذين يبحثون عن ثراء الروح، ويحيون الحياة ليعطوا لا ليأخذوا .. !! ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يأذن له الخروج الى الرّبذة فأذن له ..

ولقد ظل وهو في احتدام معارضته أمينا لله ورسوله، حافظا في اعماق روحه النصيحة التي وجهها اليه الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يحمل السيف .. لكأن الرسول رأى الغيب كله .. غيب أبي ذر ومستقبله، فأهدى اليه هذه النصيحة الغالية .

ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا لاشباع ولعهم وكيدهم .

جاءه يوما وهو في الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة، فزجرهم بكلمات حاسمة :

" والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أجبل، لسمعت، وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي .. "

" ولوسيّرني ما بين الأفق الى الأفق، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي ..

" ولو ردّني الى منزلي، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي " ..

ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا، ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة .. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها .. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر، فتحاشاه أيضا، ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولهجة الصدق، لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه.. !

لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل .

وسيقضي عمره كله يحدّق في أخطاء الحكم وأخطاء المال، فالحكم والمال يملكان من الاغراء والفتنة ما يخافه أبو ذر على اخوانه الذين حملوا راية الاسلام مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، والذين يجب أن يظلوا لها حاملين .

والحكم والمال أيضا، هما عصب الحياة للأمة والجماعات، فاذا اعتورهما الضلال تعرضت مصاير الناس للخطر الأكيد .

ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول ألا يلي أحد منهم امارة أو يجمع ثروة، وأن يظلوا كما كانوا روّاد للهدى، وعبّادا لله ..

وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال، وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا .. ولطالما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الامارة ويقول عنها : ".. انها أمانة، وانها يوم القيامة خزي وندامة.. الا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها " ...

ولقد بلغ الأمر بأبي ذر لى تجنّب اخوانه ان لم يكن مقاطعتهم، لأنهم ولوا الامارات، وصار لهم بطبيعة الحال ثراء وفرة ..

لقيه أبو موسى الأشعري يوما، فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه :" مرحبا أبا ذر .. مرحبا بأخي " ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول: " لست بأخيك، انما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا "..!

كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا، ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له : (اليك عني.. ألست الذي وليت الامارة، فتطاولت في البنيان، واتخذت لك ماشية وزرعا) .. ؟؟

ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات .. وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من الجكم والثروة ..

ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه، ومع ايمانه، فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله .. بسلوكه ورؤاه، عند المستوى الذي خلفه لهم رسول الله وصاحباه.. أبو بكر وعمر ..

واذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدرك شأوها، فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل، ولا سيما لأولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلام، وصلوا وراءه، وجاهدوا معه، وبايعوه على السمع والطاعة .

كما أنه يدرك بوعيه المضيء، ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس، ومن ثم فان أي خلل يصيب أمانة الحكم، أو عدالة الثروة، يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته .

ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه، أمينا عليها، حارسا لها .. وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الامارة والثروة ... عرضت عليه الامارة بالعراق فقال : " لا والله .. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا " .. ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله : أليس لك ثوب غير هذا.. ؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين .. ؟ فأجابه أبو ذر : " يا بن أخي .. لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني " .. قال له : والله انك لمحتاج اليهما !!

فأجاب أب ذر : " اللهم غفر .. انك لمعظّم للدنيا، ألست ترى عليّ هذه البردة .. ؟؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل ما نحن فيه ".. ؟؟

وجلس يوما يحدّث ويقول : [أوصاني خليلي بسبع .. أمرني بحب المساكين والدنو منهم .. وأمرني أن أنظر الى من هو دوني، ولاأنظر الى من هو فوقي .. وأمرني ألا أسأل أحد شيئا .. وأمرني أن أصل الرحم .. وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا .. وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم .. وأمرني أن أكثر من : لا حول ولا قوة الا بالله] .

ولقد عاش هذه الوصية، وصاغ حياته وفقها، حتى صار " ضميرا " بين قومه وأمته ..

ويقول الامام علي رضي الله عنه : " لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ".. !!

عاش يناهض استغلال الحكم، واحتكار الثروة .. عاش يدحض الخطأ، ويبني الصواب ..

عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير .. يمنعونه من الفتوى، فيزداد صوته بها ارتفاعا، ويقول لمانعيه : " والذي نفسي بيده، لو وضعتم السيف فوق عنقي، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها ".. !!

ويا ليت المسلمين استمعوا يومئذ لقوله ونصحه ..

اذن لما ماتت في مهدها تلك الفتن التي تفقم فيما بعد أمرها واستفحل خطرها، وعرّضت تادواة والمجتمع والاسلام لأخطار، ما كان أقساها من أخطار .

والآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة .. المكان الذي اختار الاقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنه، فتعالوا بنا اليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع، ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام .

ان هذه السيدة السمراء الضامرة، الجالسة الى جواره تبكي، هي زوجته ..

وانه ليسألها : فيم البكاء والموت حق .. ؟ فتجيبه بأنها تبكي : " لأنك تموت وليس عندي ثوب يسعك كفنا " !!

".. لا تبكي، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول : ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين ..

وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق منهم غيري.. وهأنذا بالفلاة أموت، فراقبي الطريق،، فستطلع علينا عصابة من المؤمنين، فاني والله ما كذبت ولا كذبت " .

وفاضت روحه الى الله .. ولقد صدق ..

فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء، تؤلف جماعة من المؤمنين، وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله .

وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميّت، والى جواره سيدة وغلام يبكيان .. ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد، ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان، حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والاسلام أبي ذر .

وتفيض عيناه بالدمع، ويقف على جثمانه الطاهر يقول : " صدق رسول الله.. نمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك " !

ويجلس ابن مسعود رضي الله عنه لصحبه تفسير تلك العبارة التي نعاه بها : " تمشي وحدك.. وتموت حدك.. وتبعث وحدك " ...

كان ذلك في غزوة تبوك .. سنة تسع من الهجرة، وقد أمر الرسول عليه السلام بالتهيؤ لملاقاة الروم، الذين شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به .

وكانت الأيام التي دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ. .

وكانت الشقة بعيدة .. والعدو مخيفا .. ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين، تعللوا بشتى المعاذير ..

وخرج الرسول وصحبه.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا ومشقة، فجعل الرجل يتخلف، ويقولون يا رسول اللهتخلف فلان، فيقول : " دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ".. !!

وتلفت القوم ذات مرة، فلم يجدوا أبا ذر .. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام : لقد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره ..

وأعاد الرسول مقالته الأولى .. كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه ..

وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد، ولكن الاعياء كان يلقي ثقله على البعير ..

ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر، فنزل من فوق ظهر البعير، وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه، مهرولا، وسط صحراء ملتهبة، كما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه ..

وفي الغداة، وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا، بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير ..

وقال الذي رأى : يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق وحده ..

وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : (كن أبا ذر) ..

وعادوا لما كانوا فيه من حديث، ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم، وعندها يعرفون من هو ..

وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا .. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا، وحمله فوق ظهره بتؤدة.. ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة، ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين ..

وحين بلغ أول القافلة، صاح صائهحم : يار سول الله : انه والله أبا ذر ..

وسار أبو ذر صوب الرسول .

ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية، وقال : [يرحم الله أبا ذر .. يمشي وحده.. ويموت وحده .. ويبعث وحده ..] .

وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد، مات أبو ذر وحيدا، في فلاة الربذة .. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده، وبطولة صموده ..

ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة، لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه .. !!! .

عقد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم اجتماعاً لمتابعة تطوير منظومة الصحة في مصر، مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان، والفريق أحمد الشاذلي رئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة، واللواء أحمد العزازي رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

وصرح المستشار أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن السيد وزير الصحة عرض خلال الاجتماع الموقف التنفيذي للمشروعات الجاري العمل بها في قطاع الصحة، بما في ذلك تطوير معهد ناصر ليصبح مدينة طبية متكاملة، وإنشاء مجمع معامل مركزية جديد وفقاً لأعلى المعايير العالمية، وتطوير عدد من المستشفيات الرئيسية، من ضمنها مستشفيات أم المصريين، وهليوبوليس، والمستشفى القبطي، فضلاً عن الموقف التنفيذي لإنشاء المعهد القومي الجديد للأورام 500500، وكذلك مخطط إنشاء معهد قلب جديد بمواصفات عالمية، تعزيزاً لدور معهد القلب القومي الذي يعد من أكبر الصروح الطبية المتخصصة لخدمة مرضى القلب، بالإضافة إلى إنشاء مجمع جديد ومتكامل للصحة النفسية وعلاج الإدمان وطب المسنين.

وأضاف المتحدث الرسمي أن الاجتماع تناول أيضاً متابعة مستجدات المبادرات الرئاسية الصحية المختلفة، حيث تم استعراض النجاحات التي حققتها على مدار الأعوام السابقة لدعم صحة المواطنين بمختلف فئاتهم، ومردودها الإيجابي على التخطيط الصحي على المستوى الوطني، وفي مقدمتها مبادرة "١٠٠ مليون صحة" للقضاء على فيروس "سي"، وكذلك مبادرة دعم صحة المرأة للكشف عن الأورام، فضلاً عن مبادرة "إنهاء قوائم الانتظار" التي نجحت في علاج حوالي مليون و٦٣٢ ألف مريض، إلى جانب مبادرة فحص المقبلين على الزواج، والتي ساهمت بدورها في فحص حوالي ٦٧ ألف شخص، بالإضافة إلى المبادرات الرئاسية لدعم صحة الأم والجنين، والأطفال حديثي الولادة، وطلاب المدارس، والكشف عن الأمراض الوراثية، والرعاية الصحية لكبار السن. 

وذكر المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه بمواصلة الجهود الجارية لتحسين إتاحة وجودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، مشيراً إلى أن ملف الصحة يحتل أولوية متقدمة في جدول أعمال الدولة، ويحظى باهتمام كبير وعمل مكثف للتغلب على التحديات الهيكلية التي تواجهه، بهدف التحسين المستمر لمنظومة الصحة، بما يحقق صالح المواطنين المصريين من جميع الفئات.

مع الأيام الفضيلة في شهر الخير، شهر رمضان المبارك، أطلق الفنان الإماراتي حسين الجسمي دعاء رمضاني حمل عنوان "رحمن و رحيم"، قدم في كلماته إحساس عال من مشاعر الرضا والطمأنينة والتفاؤل برب العالمين، حيث تعاون في كلمات الدعاء مع الشاعر محمد مصطفى ملك، والملحن محمود أنور، ومع الموزع كريم أسامه، داعياً فيه قائلاً:

ده عظيم و كريم .. رحمن ورحيم .. الله الله الله

ده غفور و رؤوف ..  تواب وصبور .. الله  الله

هو حامينا..  الله .. وبنوره هادينا.. الله

خيره مالينا.. الله الله  .. هو رازقنا..  الله

هو  اللي خالقنا.. الله.. هو حبيبنا.. الله الله  

ويحمل دعاء "رحمن و رحيم" كلمات متيقنة بقرب رب العالمين دائماً، خاصة وأنه الستار والحافظ وهو الغفور الرحيم، حيث يقول في المقطع الثاني منه:

نبعد و نغيب .. ندعيك يا مجيب

نلاقيك جنبنا على طول

مش عايزه سؤال .. عالم بالحال

دايماً من غير ما نقول

نغلط يستر ..  الله

 ماهو رحمته أكبر ..  الله

دايما يغفر  .. الله الله

وقد عرض الجسمي دعاء "رحمن و رحيم" في قناته الرسمية في موقع الـ YouTube من خلال فيديو ممنتج حمل كلمات الدعاء، وعبر جميع الإذاعات الخليجية والعربية، وجميع المنصات والمكتبات المتخصصة في العرض والبث.

 

ملاحظة: مرفق رابط دعاء "رحمن و رحيم" من موقع youtube

https://youtu.be/5X5gviCkN-4

أعرب معالي السيد عادل بن عبدالرحمن العسومي رئيس البرلمان العربي، عن استنكاره الشديد لقيام أحد المتطرفين بإحراق نسخة من المصحف الشريف في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن أمس، محذرا بشدة من خطورة تكرار مثل هذه الأعمال الاستفزازية التي تؤجج مشاعر الكراهية وتحرض على العنف، وتهدد أمن واستقرار المجتمعات.

واعتبر رئيس البرلمان العربي -في بيان له- أن إحراق المصحف الشريف هو عمل همجي خاصة وأننا في شهر رمضان المعظم وتستنكره كافة القوانين والمواثيق الدولية، كما أنه يتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، داعيا إلى ضرورة العمل على نشر قيم التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر والابتعاد عن الاساءة للأديان ورموزها.

وأكد رئيس البرلمان العربي أن هؤلاء المتطرفين لن يحققوا أغراضهم الدنيئة، فالدين الإسلامي سوف يظل شامخا في مواجهة هذه الحملات الممنهجة التي لن تنال منه ابدا، داعيا المجتمع الدولي للتصدى بقوة لمثل هذه الأعمال ومنع الإساءة للأديان كافة.

Ad_square_02
Ad_square_03
.Copyright © 2024 SuezBalady