Login to your account

Username *
Password *
Remember Me
السويس بلدي

السويس بلدي

كانت مكة تغطّ في نومها، بعد يوم مليء بالسعي، وبالكدّ، وبالعبادة وباللهو ..
والقرشيون يتقلبون في مضاجعهم هاجعين .. غير واحد هناك يتجافى عن المضجع جنباه، يأوي الى فراشه مبركا، ويستريح ساعات قليلة، ثم ينهض في شوق عظيم، لأنه مع الله على موعد، فيعمد الى مصلاه في حجرته، ويظل يناجي ربه ويدعوه .. وكلما استيقظت زوجته على أزير صدره الضارع وابتهالاته الحارّو الملحة، وأخذتها الشفقة عليه، ودعته أن يرفق بنفسه ويأخذ حظه من النوم، يجيبها ودموع عينيه تسابق كلماته : " لقد انقضى عهد النوم يا خديجة " .. !!
لم يكن أمره قد أرّق قريش بعد، وان كان قد بدأ يشغلا انتباهها، فلقد كان حديث عهد بدعوته، وكان يقول كلمته سرا وهمسا .
كان الذين آمنوا به يومئذ قليلين جدا .. وكان هناك من غير المؤمنين به من يحمل له كل الحب والاجلال، ويطوي جوانحه على شوق عظيم الى الايمان به والسير في قافلته المباركة، لا يمنعه سوى مواضعات العرف والبيئة، وضغوط التقاليد والوراثة، والتردد بين نداء الغروب، ونداء الشروق .
من هؤلاء كان حمزة بن عبد المطلب .. عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة .
كان حمزة يعرف عظمة ابن أخيه وكماله .. وكان على بيّنة من حقيقة أمره، وجوهر خصاله ..
فهو لا يعرف معرفة العم بابن أخيه فحسب، بل معرفة الأخ بالأخ، والصديق بالصديق .. ذلك أن رسول الله وحمزة من جيل واحد، وسن متقاربة، نشأ معا وتآخيا معا، وسارا معا على الدرب من أوله خطوة خطوة ..
ولئن كان شباب كل منهما قد مضى في طريق، فأخذ حمزة يزاحم أنداده في نيل طيبات الحياة، وافساح مكان لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش.. في حين عكف محمد على اضواء روحه التي انطلقت تنير له الطريق الى الله وعلى حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الحياة الى التأمل العميق والى التهيؤ لمصافحة الحق وتلقيه ،نقول لئن كان شباب كل منهما قد اتخذ وجهة مغايرة، فان حمزة لم تغب عن وعيه لحظة من نهار فضائل تربه وابن أخيه.. تلك الفضائل والمكارم التي كانت تحلّ لصاحبها مكانا عليّا في أفئدة الناس كافة، وترسم صورة واضحة لمستقبله العظيم .
في صبيحة ذلك اليوم، خرج حمزة كعادته .
وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتها فجلس معهم، يستمع لما يقولون ..
وكانوا يتحدثون عن محمد ..
ولأول مرّة رآهم حمزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه .. وتظهر في أحاديثهم عنه نبرة الحقد، والغيظ والمرارة .
لقد كانوا من قبل لا يبالون، أو هم يتظاهرون بعدم الاكتراث واللامبالاة .
أما اليوم، فوجوههم تموج موجا بالقلق، والهمّ، والرغبة في الافتراس .
وضحك حمزة من أحاديثهم طويلا .. ورماهم بالمبالغة، وسوء التقدير ..
وعقب أبو جهل مؤكدا لجلسائه أن حمزة أكثر الانس علما بخطر ما يدعو اليه محمد ولكنه يريد أم يهوّن الأمر حتى تنام قريش، ثم تصبح يوما وقد ساء صاحبها، وظهر أمر ابن أخيه عليها ...
ومضوا في حديثهم يزمجرون، ويتوعدون .. وحمزة يبتسم تارّة، ويمتعض أخرى، وحين انفض الجميع وذهب كل الى سبيله، كان حمزة مثقل الرأس بأفكار جديدة، وخواطر جديدة، راح يستقبل بها أمر ابن أخيه، ويناقشه مع نفسه من جديد ... !!!
ومضت الأيام، ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد همهمة قريش حول دعوة الرسول ..
ثم تتحوّل همهمة قريش الى تحرّش. وحمزة يرقب الموقف من بعيد ..
ان ثبات ابن أخيه ليبهره .. وان تفانيه في سبيل ايمانه ودعوته لهو شيء جديد على قريش كلها، برغم ما عرفت من تفان وصمود .. !!
ولو استطاع الشك يومئذ أن يخدع أحدا عن نفسه في صدق الرسول وعظمة سجاياه، فما كان هذا الشك بقادر على أن يجد الى وعي حمزة منفا أو سبيلا ..
فحمزة خير من عرف محمدا، من طفولته الباكرة، الى شباب الطاهر، الى رجولته الأمينة السامقة ..
انه يعرفه تماما كما يعرف نغسه، بل أكثر مما يعرف نفسه، ومنذ جاءا الى الحياة معا، وترعرعا معا، وبلغا أشدّهما معا، وحياة محمد كلها نقية كأشعة الشمس .. !! لا يذكر حمزة شبهة واحدة ألمّت بهذه الحياة، لا يذكر أنه رآه يوما غاضبا، أو قانطا، أو طامعا، أو لاهيا، أو مهزوزا ...

وحمزة لم يكن يتمتع بقوة الجسم فحسب، بل وبرجاحة العقل، وقوة اارادة أيضا ..
ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابهة انسان يعرف فيه كل الصدق وكل الأمانة .. وهكذا طوى صدره الى حين على أمر سيتكشّف في يوم قريب ..
وجاء اليوم الموعود ..
وخرج حمزة من داره، متوشحا قوسه، ميمّما وجهه شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة، ورياضته الأثيرة، الصيد .. وكان صاحب مهارة فائقة فيه ..
وقضى هناك بعض يومه، ولما عاد من قنصه، ذهب كعادته الى الكعبة ليطوف بها قبل أن يقفل راجعا الى داره .
وقريبا من الكعبة، لقته خادم لعبد الله بن جدعان ..
ولم تكد تبصره حتى قالت له : " يا أبا عمارة .. لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا، من أبي الحكم بن هشام .. وجده جالسا هناك، فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره " ..
ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله ..
واستمع حمزة جيدا لقولها، ثم أطرق لحظة، ثم مد يمينه الى قوسه فثبتها فوق كتفه .. ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الكعبة راجيا أن يلتقي عندها بأبي جهل .. فان هو لم يجده هناك، فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه ..
ولكنه لا يكاد يبلغ الكعبة، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش ..
وفي هدوء رهيب، تقدّم حمزة من أبي جهل، ثم استلّ قوسه وهوى به على رأس أبي جهل فشجّه وأدماه، وقبل أن يفيق الجالسون من الدهشة، صاح حمزة في أبي جهل : " أتشتم محمدا، وأنا على دينه أقول ما يقول .. ؟! الا فردّ ذلك عليّ ان استطعت " ..
وفي لحظة نسي الجالسون جميعا الاهانة التي نزلت بزعيمهم أبي جهل والدم لذي ينزف من رأسه، وشغلتهم تلك الكلمة التي حاقت بهم كالصاعقة ،الكلمة التي أعلن بها حمزة أنه على دين محمد يرى ما يراه ويقول ما يقوله ..
أحمزة يسلم .. ؟
أعزّ فتيان قريش وأقواهم شكيمة .. ؟؟
انها الطامّة التي لن تملك قريش لها دفعا .. فاسلام حمزة سيغري كثيرين من الصفوة بالاسلام، وسيجد محمد حوله من القوة والبأس ما يعزز دعوته ويشدّ ازره، وتصحو قريش ذات يوم على هدير المعاول تحطم أصنامها وآلهتها .. !!
أجل أسلم حمزة، وأعلن على الملأ الأمر الذي كان يطوي عليه صدره، وترك الجمع الذاهل يجترّ خيبة أمله، وأبا جهل يلعق دماءه النازفة من رأسه المشجوج .. ومدّ حمزة يمينه مرّة أخرى الى قوسه فثبتها فوق كتفه، واستقبل الطريق الى داره في خطواته الثابتة، وبأسه الشديد .. !
كان حمزة يحمل عقلا نافذا، وضميرا مستقيما ..
وحين عاد الى بيته ونضا عنه متاعب يومه، جلس يفكر، ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من قريب ..
كيف أعلن اسلامه ومتى .. ؟ لقد أعلنه في لحظات الحميّة، والغضب، والانفعال ..
لقد ساءه أن يساء الى ابن اخيه، ويظلم دون أن يجد له ناصرا، فيغضب له، وأخذته الحميّة لشرف بني هاشم، فشجّ رأس أبي جهل وصرخ في وجهه باسلامه ...
ولكن هل هذا هو الطريق الأمثل لك يغدار الانسان دين آبائه وقومه ... دين الدهور والعصور.. ثم يستقبل دينا جديدا لم يختبر بعد تعاليمه، ولا يعرف عن حقيقته الا قليلا ..
صحيح أنه لا يشك لحظة في صدق محمد ونزاهة قصده ..
ولكن أيمكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا، بكل ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات، في لحظة غضب، مثلما صنع حمزة الآن .. ؟؟؟ 
وشرع يفكّر .. وقضى أياما، لا يهدأ له خاطر .. وليالي لا يرقأ له فيها جفن ..
وحين ننشد الحقيقة بواسطة العقل، يفرض الشك نفسه كوسيلة الى المعرفة .
وهكذا، لم يكد حمزة يستعمل في بحث قضية الاسلام، ويوازن بين الدين القديم، والدين الجديد، حتى ثارت في نفسه شكوك أرجاها الحنين الفطري الموروث الى دين آبائه .. والتهيّب الفطري الموروث من كل جيد ..
واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة، وآلهاها وأصنامها ... وعن الأمجاد الدينية التى أفاءتها هذه الآلهة المنحوتة على قريش كلها، وعلى مكة بأسرها .
لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الجديدة التي يحمل ابن أخيه لواءها ..
ولكن اذا كان مقدورا له أن يكون أح أتباع هذه الدعوة، المؤمنين بها، والذائدين عنها .. فما الوقت المناسب للدخول في هذا الدين .. ؟
لحظة غضب وحميّة .. ؟ أم أوقات تفكير ورويّة .. ؟
وهكذا فرضت عليه استقامة ضميره، ونزاهة تفكيره أن يخضع المسألأة كلها من جديد لتفكر صارم ودقيق ..
وبدأ الانسلاخ من هذا التاريخ بأكله .. وهذا الدين القديم العريق، هوّة تتعاظم مجتازها ..

وعجب حمزة كيف يتسنى لانسان أن يغادر دين آبائه بهذه السهولة وهذه السرعة .. وندم على ما فعل.. ولكنه واصل رحلة العقل .. ولما رأى أن العقل وحده لا يكفي لجأ الى الغيب بكل اخلاصه وصدقه ..
وعند الكعبة، كان يستقبل السماء ضارعا، مبتهلا، مستنجدا بكل ما في الكون من قدرة ونور، كي يهتدي الى الحق والى الطريق المستقيم ..
ولنضع اليه وهو يروي بقية النبأ فيقول : " .. ثم أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي .. وبت من الشك في أمر عظيم، لا أكتحل بنوم ..
ثم أتيت الكعبة، وتضرّعت تاة الله أن يشرح صدري للحق، ويذهب عني الريب .. فاستجاب الله لي وملأ قلبي يقينا ..
وغدوت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما كان من أمري، فدعا الله أن يثبت قلبي على دينه .. "
وهكذا أسلم حمزة اسلام اليقين ..
أعز الله الاسلام بحمزة .. ووقف شامخا قويا يذود عن رسول الله، وعن المستضعفين من أصحابه ..
ورآه أبو جهل يقف في صفوف المسلمين، فأدرك أنها الحرب لا محالة، وراح يحرّض قريشا على انزال الأذى بالرسول وصحبه، ومضى يهيء لحرب أهليّة يشفي عن طرقها مغايظة وأحقاده ..
ولم يستطع حمزة أن يمنع كل الأذى ولكن اسلامه مع ذلك كان وقاية ودرعا.. كما كان اغراء ناجحا لكثير من القبائل التي قادها اسلام حمزة أولا، ثم اسلام عمر بن الخطاب بعد ذلك الى الاسلام فدخلت فيه أفواجا .. !!
ومنذ أسلم حمزة نذر كل عافيته، وبأسه، وحياته، لله ولدينه حتى خلع النبي عليه هذا اللقب العظيم : " أسد الله، وأسد رسوله " ..
وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء عدو، كان أميرها حمزة ..
وأول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة ..
ويوم التقى الجمعان في غزوة بدر، كان أسد الله ورسوله هناك يصنع الأعاجيب .. !!
وعادت فلول قريش من بدر الى مكة تتعثر في هزيمتها وخيبتها ... ورجع أبو سفيان مخلوع القلب، مطأطئ الرأس وقد خلّف على أرض المعركة جثث سادة قريش، من أمثال أبي جهل .. وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأميّة بن خلف، وعقبة بن أبي معيط.، والأسود بن عبد الله المخزومي، والوليد بن عتبة .. والنضر بن الحارث .. والعاص بن سعيد .. وطعمة ابن عديّ .. وعشرات مثلهم من رجال قريش وصناديدها .

وما كانت قريش لتتجرّع هذه الهزيمة المنكرة في سلام ... فراحت تعدّ عدّتها وتحشد بأسها، لتثأر لنفسها ولشرفها ولقتلاها .. وصمّمت قريش على الحرب ..
وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش على بكرة أبيها، ومعها حلفاؤها من قبائل العرب، وبقيادة أبي سفيان مرة أخرى .
وكان زعماء قريش يهدفون بمعركتهم الجديدة هذه الى رجلين اثنين : الرسول صلى اله عليه وسلم، وحمزة رضي الله عنه وأرضاه ..
أجل والذي كان يسمع أحاديثهم ومؤامراتهم قبل الخروج للحرب، يرى كيف كان حمزة بعد الرسول بيت القصيد وهدف المعركة ..
ولقد اختاروا قبل الخروج، الرجل الذي وكلوا اليه أمر حمزة، وهو عبد حبشي، كان ذا مهارة خارقة في قذف الحربة، جعلوا كل دوره في المعركة أن يتصيّد حمزة ويصوّب اليه ضربة قاتلة من رمحه، وحذروه من أن ينشغل عن هذه الغاية بشيء آخر، مهما يكن مصير المعركة واتجاه القتال .
ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته .. فقد كان الرجل واسمه وحشي عبدا لجبير بن مطعم .. وكان عم جبير قد لقي مصرعه يوم بدر فقال له جبير " " اخرج مع الناس وان أنت قتلت حمزة فأنت عتيق ".. !!
ثم أحالوه الى هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان لتزيده تحريضا ودفعا الى الهدف الذي يريدون ..
وكانت هند قد فقدت في معركة بدر أباها، وعمها، وأخاها، وابنها .. وقيل لها ان حمزة هو الذي قتل بعض هؤلاء، وأجهز على البعض الآخر ..
من أجل هذا كانت أكثر القرشيين والقرشيّات تحريضا على الخروج للحرب، لا لشيء الا لتظفر برأس حمزة مهما يكن الثمن الذي تتطلبه المغامرة .. !!
ولقد لبثت أياما قبل الخروج للحرب، ولا عمل لها الا افراغ كل حقدها في صدر وحشي ورسم الدور الذي عليه أن يقوم به ..
ولقد وعدته ان هو نجح في قال حمزة بأثمن ما تملك المرأة من متاع وزينة، فلقد أمسكت بأناملها الحاقدة قرطها اللؤلؤي الثمين وقلائدها الذهبية التي تزدحم حول عنقها، ثم قالت وعيناها تحدّقان في وحشي : " كل هذا لك، ان قتلت حمزة " .. !!
وسال لعاب وحشي، وطارت خواطره توّاقة مشتاقة الى المعركة التي سيربح فيها حريّته، فلا يصير بعد عبدا أو رقيقا، والتي سيخرج منها بكل هذا الحلي الذي يزيّن عنق زعيمة نساء قريش، وزوجة زعيمها وابنة سيّدها !!
كانت المؤمرة اذن .. وكانت الحرب كلها تريد حمزة رضي الله عنه بشكل واضح وحاسم ..
وجاءت غزوة أحد ...
والتقى الجيشان. وتوسط حمزة أرض الموت والقتال، مرتديا لباس الحرب، وعلى صدره ريشة النعام التي تعوّد أن يزيّن بها صدره في القتال ..
وراح يصول ويجول، لا يريد رأسا الا قطعه بسيفه، ومضى يضرب في المشركين، وكأن المنايا طوع أمره، يقف بها من يشاء فتصيبه في صميمه !!
وصال المسلمون جميعا حتى قاربوا النصر الحاسم .. وحتى أخذت فلول قريش تنسحب مذعورة هاربة .. ولولا أن ترك الرماة مكانهم فوق الجبل، ونزلوا الى أرض المعركة ليجمعوا غنائم العدو المهزوم .. لولا تركهم مكانهم وفتحوا الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبرة لقريش كلها رجالها ونسائها بل وخيلها وابلها !!
لقد دهم فرسانها المسلمين من ورائهم على حين غفلة، واعملوا فيهم سيوفهم الظامئة المجنونة .. وراح المسلمون يجمعون أنفسهم من جديدو ويحملون سلاحهم الذي كان بعضهم قد وضعه حين رأى جيش محمد ينسحب ويولي الأدبار .. ولكن المفاجأة كانت قاسية عنيفة .
ورأى حمزة ما حدث فضاعف قوته ونشاطه وبلاءه ..
وأخذ يضرب عن يمينه وشماله .. وبين يديه ومن خلفه .. ووحشيّ هناك يراقبه، ويتحيّن الفرصة الغادرة ليوجه نحنوه ضربته ..
ولندع وحشا يصف لنا المشهد بكلماته : [.. وكنت جلا حبشيا، أقذف بالحربة قذف لحبشة، فقلما أخطئ بها شيئا .. فلما التقى الانس خرجت أنظر حمزة وأتبصّره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق .. يهدّ الناس بسيفه هدّا، ما يقف امامه شيء، فوالله اني لأتهيأ له أريده، وأستتر منه بشجرة لأقتحمه أو ليدنو مني، اذ تقدّمني اليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة صاح به : هلمّ اليّ يا بن مقطّعة البظور، ثم ضربه ضربة فما أخطأ رأسه ..
عندئذ هززت حربتي حتى اذا رضيت منها دفعتها فوقعت في ثنّته حتى خرجت من بين رجليه .. ونهض نحوي فغلب على امره ثم مات ..
وأتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت الى المعسكر فقعدت فيه، اذ لم يكن لي فيه حاجة، فقد قتلته لأعتق .. ]
ولا بأس في أن ندع وحشيا يكمل حديثه : [فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت بها حتى دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فهربت الى الطائف .. فلما خرج وفد الطائف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم تعيّت عليّ المذاهب، وقلت : الحق بالشام أو اليمن أو سواها .. فوالله اني لفي ذلك من همي اذ قال لي رجل : ويحك .. ! ان رسول الله، والله لا يقتل أحد من الناس يدخل دينه .. فخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يرني الا قائما أمامه أشهد شهادة الحق، فلما رآني قال : أوحشيّ أنت ..؟ قلت : نعم يا رسول الله .. قال : فحدّثني كيف قتلت حمزة، فحدّثته .. فلما فرغت من حديثي قال : ويحك .. غيّب عني وجهك .. فكنت أتنكّب طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان، لئلا يراني حتى قبضه الله اليه ..
فلما خرج المسلمون الى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة .. فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما، في يده السيف، فتهيأت له، وهززت حربتي، حتى اذا رضيته منها دفعتها عليه فوقعت فيه ..
فان كنت قد قتلت بحربتي هذه خير الناس وهو حمزة .. فاني لأرجو أن يغفر الله لي اذ قتلت بها شرّ الناس مسيلمة] ..
هكذا سقط أسد الله ورسوله، شهيدا مجيدا .. !!
وكما كانت حياته مدوّية، كانت موتته مدوّية كذلك ..
فلم يكتف أعداؤه بمقتله .. وكيف يكتفون أو يقتنعون، وهم الذين جنّدوا كل أموال قريش وكل رجالها في هذه المعركة التي لم يريدوا بها سوى الرسول وعمّه حمزة ..
لقد أمرت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان .. أمرت وحشيا أن يأتيها بكبد حمزة .. واستجاب الحبشي لهذه الرغبة المسعورة .. وعندما عاد بها الى هند كان يناولها الكبد بيمناه، ويتلقى منها قرطها وقلائدها بيسراه، مكافأة له على انجاز مهمته ..
ومضغت هند بنت عتبة الذي صرعه المسلمون ببدر، وزوجة أبي سفيان قائد جيوش الشرك الوثنية، مضغت كبد حمزة، راجية أن تشفي تلك الحماقة حقدها وغلها، ولكن الكبد استعصت على أنيابها، وأعجزتها أن تسيغها، فأخرجتها من فمها، ثم علت صخرة مرتفعة، وراحت تصرخ قائلة :

نحن جزيناكم بيوم بدر
والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر
ولا أخي وعمّه وبكري
شفيت نفسي وقضيت نذري
أزاح وحشي غليل صدري
وانتهت المعركة، وامتطى المشركون ابلهم، وساقوا خيلهم قافلين الى مكة ..
ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه الى أرض المعركة لينظر شهداءها ..
وهناك في بطن الوادي،وهو يتفحص وجوه أصحابه الذين باعوا لله أنفسهم، وقدّموها قرابين مبرورة لربهم الكبير . وقف فجأة .. ونظر، فوجم .. وضغط على أسنانه .. وأسبل جفنيه ..
فما كان يتصوّر قط أن يهبط الخلق العربي على هذه الوحشية البشعة فيمثل بجثمان ميت على الصورة التي رأى فيها جثمان عمه الشهيد حمزة بن عبد المطلب أسد الله وسيّد الشهداء ..
وفتح الرسول عينيه التي تألق بريقهما كومض القدر وقال وعيناه على جثمان عمّه : " لن اصاب بمثلك أبدا ..
وما وقفت موقفا قط أغيظ اليّ من موقفي هذا .. " .
ثم التفت الى أصحابه وقال : " لولا أن تحزن صفيّة _أخت حمزة _ ويكون سنّه من بعدي، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير .. ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن، لأمثلن بثلاثين رجلا منهم .. "
فصاح أصحاب الرسول : " والله لئن ظفرنا بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب !! "
ولكن الله الذي أكرم حمزة بالشهادة، يكرّمه مرة أخرى بأن يجعل من مصرعه فرصة لدرس عظيم يحمي العدالة الى الأبد، ويجعل الرحمة حتى في العقوبة والقصاص واجبا وفرضا ..
وهكذا لم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم يفرغ من القاء وعيده السالف حتى جاءه الوحي وهو في مكانه لم يبرحه بهذه الآية الكريمة : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) )
وكان نزول هذه الآيات، في هذا الموظن، خير تكريم لحمزة الذي وقع أجره على الله ..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه أعظم الحب، فهو كما ذكرنا من قبل لم يكن عمّه الحبيب فحسب .. بل كان اخاه من الرضاعة .. وتربه في الطفولة .. وصديق العمر كله ..
وفي لحظات الوداع هذه، لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم تحية يودّعه بها خيرا من أن يصلي عليه بعدد شهداء المعركة جميعا ..
وهكذا حمل جثمان حمزة الى مكان الصلاة على أرض المعركة التي شهدت بلاءه ، واحتضنت دماءه، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم جيء يشهيد آخر، فصلى عليه الرسول .. ثم رفع وترك حمزة مكانه، وجيء بشهيد ثاث فوضع الى جوار حمزة وصلى عليهما الرسول ..
وهكذا جيء بالشهداء .. شهيد بعد شهيد .. والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي على كل واحد منهم وعلى حمزة معه حتى صلى على عمّه يومئذ سبعين صلاة ..
وينصرف الرسول من المعركة الي بيته، فيسمع في طريقه نساء بني عبد الأشهل يبكين شهداءهن، فيقول عليه الصلاة والسلام من فرط حنانه وحبه : " لكنّ حمزة لا بواكي له ".. !!
ويسمعها سعد بن معاذ فيظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يطيب نفسا اذا بكت النساء عمه، فيسرع الى نساء بني عبد الأشهل ويأمرهن أن يبكين حمزة فيفعلن  ولا يكاد الرسول يسمع بكاءهن حتى يخرج اليهن، ويقول " ما الى هذا قصدت، ارجعن يرحمكن الله، فلا بكاء بعد اليوم "
ولقد ذهب أصحاب رسول الله يتبارون في رثاء حمزة وتمجيد مناقبه العظيمة .
فقال حسان بن ثابت :
دع عنك دارا قد عفا رسمها
وابك على حمزة ذي النائل
اللابس الخيل اذا أحجمت
كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من بني هاشم
لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم
شلت يدا وحشي من قاتل
وقال عبد الله بن رواحة :
بكت عيني وحق لها بكاها
وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الاله غداة قالوا :
أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا
هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى، لك الأركان هدّت
وأنت الماجد البرّ الوصول
وقالت صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخت حمزة :
دعاه اله الحق ذو العرش دعوة
الى جنة يحيا بها وسرور
فذاك ما كنا نرجي ونرتجي
لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله ما أنساك ما هبّت الصبا
بكاءا وحزنا محضري وميسري
على أسد الله الذي كان مدرها
يذود عن الاسلام كل كفور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي
جزى الله خيرا من أخ ونصير
على أن خير رثاء عطّر ذكراه كانت كلمات رسول الله له حين وقف على جثمانه ساعة رآه بين شهداء المعركة وقال : " رحمة الله عليك، فانك كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات " ..
لقد كان مصاب النبي صلى الله عليه وسلم في عمه العظيم حمزة فادحا، وكان العزاء فيه مهمة صعبة .. بيد أن الأقدر طكانت تدّخر لرسول الله أجمل عزاء .
ففي طريقه من أحد الى داره مرّ عليه الصلاة والسلام بسيّدة من بني دينار استشهد في المعركة أبوها وزوجها، وأخوها .. وحين أبصرت المسلمين عائدين من الغزو، سارعت نحوهم تسألهم عن أنباء المعركة .. فنعوا اليها الزوج .. والأب .. والأخ .. واذا بها تسألهم في لهفة : " وماذا فعل رسول الله ".. ؟؟ قالوا : " خيرا .. هو بحمد الله كما تحبين ".. !! قالت : " أرونيه، حتى أنظر اليه ".. !!
ولبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رأته أقبلت نحوه تقول : " كل مصيبة بعدك، أمرها يهون " .. !!
أجل .. لقد كان هذا أجمل عزاء وأبقاه ..
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد ابتسم لهذا المشهد الفذّ الفريد، فليس في دنيا البذل، والولاء، والفداء لهذا نظير ..
سيدة ضعيفة، مسكينة، تفقد في ساعة واحدة أباها وزوجها وأخاها.. ثم يكون ردّها على الناعي لحظة سمعها الخبر الذي يهدّ الجبال : " وماذا فعل رسول الله ".. ؟؟!!
لقد كان مشهد أجاد القدر رسمه وتوقيته ليجعل منه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عزاء أي عزاء .. في أسد الله، وسيّد الشهداء .. !! .

كتب :فريد الجميعي

اصيب 7 اشخاص فجر اليوم الجمعة اثر انقلاب سيارة ميكروباص بطريق القطامية القاهرة وتم نقلهم الى مستشفى السويس العام .

تلقت غرفة عمليات اسعاف السويس بلاغا بحادث انقلاب سيارة ميكروباص رقم (ل ق ب 7943)

طريق القطاميه القاهره كيلو 88 إتجاه القاهره

اسفر عن 7 مصابين تم نقلهم الى مستشفى السويس العام 

المصابين :

1. محمد فراج عبدالله 30 سنه كفر الشيخ اشتباه كسر بالعمود الفقري سحجات وكدمات متفرقة

2. رشدي أنيس عبد الهادي42 سنه كفر الشيخ اشتباه كسر بالساق الأيمن سحجات وكدمات

3. محمد عبد الوهاب ابو المكارم 51 سنه كفر الشيخ

اشتباه مابعد الارتجاج سحجات وكدمات

4. رضا انيس عبد الهادي 46 سنه كفر الشيخ

اشتباه خلع بالكتف الأيمن سحجات وكدمات متفرقة

5. مصطفى عبد النبي عبد العزيز 39 سنه كفر الشيخ

اشتباه كسر بالذراع الأيسر سحجات وكدمات متفرقة

6. محمود محمد رشدي 47 سنه كفر الشيخ

اشتباه مابعد الارتجاج سحجات وكدمات متفرقة

7. احمد ماهر صبحي 30 سنه كفر الشيخ اشتباه كسر بالكتف الأيمن سحجات وكدمات متفرقة

تم اتخاذ كافة الاجراءات القانونية

كتب : فريد الجميعي

اصيب 8 اشخاص اليوم الخميس اثر انقلاب ميكروباص بطريق القطامية السخنة وتم نقلهم الى مستشفى السويس العام لتلقي العلاج

تلقت غرفة عمليات اسعاف السويس بلاغا بحادث انقلاب ميكروباص رقم (ط ف و 5746 )تابع لشركة السويدي للأسمنت قبل كارتة القطاميه وادي حجول طريق القطاميه العين السخنه القديم اتجاه السويس 

اسفر عن 8 مصابين مكان البلاغ 7 مصابين تم نقهلم بسيارات اسعاف ومصاب تم نقله بسيارت اسعاف الخاصه بالشركه 

 المصابين:

1/ احمد محمد خليل 38 سنه السويس 

اشتباه كسر بالعمود الفقري وجرح قطعي بالوجه طوله حوالي 7 سم وسحجات وكدمات متفرقه بالجسم 

2/ محمد فتحي عبدالناصر 49 سنه السويس 

سائق الميكروباص اشتباه كسر بالعمود الفقري وسحجات وكدمات متفرقه بالجسم 

3/ عبدالحكيم محمود عبدالغفار 49 سنه السويس 

اشتباه خلع بالكتف الايمن وسحجات وكدمات متفرقه 

4/ محمد شعبان اسماعيل 42سنه السويس 

اشتباه خلع بالكتف الأيسر وسحجات وكدمات متفرقه بالجسم 

5/ مخلص عبدالفتاح سيد 35 سنه السويس 

سحجات وكدمات متفرقه بالجسم 

6/ احمد هاشم احمد 48 سنه السويس 

كدمه شديده بالوجه واشتباه مرحلة ما بعد الارتجاج واشتباه كسر بالزراع الأيسر وسحجات وكدمات متفرقه بالجسم 

7/ احمد حسن فكري 36 سنه السويس 

اشتباه كسر بالعمود الفقري وسحجات وكدمات متفرقه بالجسم

تم اتخاذ كافة الاجراءات القانونية

  قرر الأستاذ الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان ، تكليف الدكتوره أمل رشدى  ، بالعمل وكيلةً لوزارة الصحة والسكان بالسويس خلفاً للدكتور إسماعيل الحفناوي وذلك بعد تكليف الأخير بالعمل مديراً لفرع الهيئة العامة للرعاية الصحية بالسويس . 

و حصلت ، الدكتوره أمل رشدى ،  على بكالوريوس الطب والجراحة عام  1992 ،  كما حصلت على ماجستير الباثولوجيا الإكلينيكية عام 2005 ، وتدرجت « رشدى» في  عدداً من المناصب الإدارية  طيلة العشرون عاماً الماضية ، كان أبرزها : 

- مدير إدارة المعامل بالجيزة .

- وكيلاً لمديرية الصحة بالجيزة للطب الوقائى .

- وكيلاً عاماً لمديرية الصحة بالجيزة خلال الفترة من  2023:2019 .

وإذ يتقدم فريق عمل مديرية الصحة والسكان بالسويس ، بخالص التهنئة للدكتوره أمل رشدى ،  لنيل ثقة معالى وزير الصحة والسكان ، متمنيين لسيادتها كل  التوفيق خلال المرحلة القادمة .

ومن جانبها ، تتقدم الدكتوره أمل رشدى ، وكيل وزارة الصحة والسكان ،وفريق عمل مديرية الصحة بخالص التهنئة للدكتور إسماعيل الحفناوي ، بمناسبة تكليف سيادته رئيساً للهيئة العامة للرعاية الصحية بمحافظة السويس.

جديراً للذكر بأن الايام القليلة الماضية قد شهدت مراسم التسليم والتسلم المعمول بها وفقاً للبرتوكولات ، مابين رشدى والحفناوى ، شهدت استعراض شامل لجميع الملفات الصحية المحافظة ، كما شهدت عقد لقاء مع اللواء أ ح عبد المجيد صقر محافظ السويس بحضور الدكتوره أمل رشدى والدكتور إسماعيل الحفناوي.

يشبه ابن عباس، عبد الله بن الزبير في أنه أدرك الرسول وعاصره وهو غلام، ومات الرسول قبل أن يبلغ ابن عباس سنّ الرجولة ..
لكنه هو الآخر تلقى في حداثته كل خامات الرجولة، ومبادئ حياته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يؤثره، ويزكيه، ويعلّمه الحكمة الخالصة .. وبقوة ايمانه، وقوة خلقه، وغزارة علمه، اقتعد ابن عباس رضي الله عنه مكانا عاليا بين الرجال حول الرسول ..
هو ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، عم الرسول صلى الله عليه وسلم ..
ولقبه الحبر .. حبر هذه الأمة، هيأه لهذا اللقب، ولهذه المنزلة استنارة عقله وذكاء قلبه، واتساع معارفه ..
لقد عرف ابن عباس طريق حياته في أوليات أيامه وازداد بها معرفة عندما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام يدنيه منه وهو طفل ويربّت على كتفه وهو يقول : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " ..
ثم توالت المناسبات والفرص التي يكرر فيها الرسول هذا الدعاء ذاته لابن عمه عبد الله بن عباس .. وآنئذ أدرك ابن عباس أنه خلق للعلم، والمعرفة ..
وكان استعداده العقلي يدفعه في هذا الطريق دفعا قويا ..
فعلى الرغم من أنه لم يكن قد جاوز الثالثة عشرة من عمره يوم مات رسول الله، فانه لم يصنع من طفولته الواعية يوما دون أن يشهد مجالس الرسول ويحفظ عنه ما يقول ..
وبعد ذهاب الرسول الى الرفيق الأعلى حرص ابن عباس على أن يتعلم من أصحاب الرسول السابقين ما فاته سماعه وتعلمه من الرسول نفسه ..
هنالك، جعل من نفسه علامة استفهام دائمة .. فلا يسمع أن فلانا يعرف حكمة، أو يحفظ حديثا، الا سارع اليه وتعلم منه ..
وكان عقله المضيء الطموح يدفعه لفحص كل ما يسمع .. فهو لا يغنى بجمع المعرفة فحسب، بل ويغنى مع جمعها بفحصها وفحص مصادرها ..
يقول عن نفسه : " ان كنت لأسأل عن الأمر الواحد، ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ..
ويعطينا صورة لحرصه على ادراكه الحقيقة والمعرفة فيقول : " لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لفتى من الأنصار : هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله، فانهم اليوم كثير . فقال : يا عجبا لك يا ابن عباس !! أترى الناس يفتقرون اليك، وفيهم من أصحاب رسول الله من ترى .. ؟؟
فترك ذلك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله .. فان كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتي اليه وهو قائل في الظهيرة، فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الريح عليّ من التراب، حتى ينتهي من مقيله، ويخرج فيراني، فيقول : يا ابن عم رسول الله ما جاء بك .. ؟؟ هلا أرسلت اليّ فآتيك .. ؟؟ فأقول لا، أنت أحق بأن أسعى اليك، فأسأله عنه الحديث وأتعلم منه " .. !!
هكذا راح فتانا العظيم يسأل، ويسأل، ويسأل .. ثم يفحص الاجابة مع نفسه، ويناقشها بعقل جريء ..
وهو في كل يوم، تنمو معارفه، وتنمو حكمته، حتى توفرت له في شبابه الغضّ حكمة الشيوخ وأناتهم، وحصافتهم، وحتى كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يحرص على مشورته في كل أمر كبير .. وكان يلقبه بفتى الكهول .. !!
سئل ابن عباس يوما : " أنّى أصبت هذا العلم " .. ؟ فأجاب : " بلسان سؤل .. وقلب عقول " ..
فبلسانه المتسائل دوما، وبعقله الفاحص أبدا، ثم بتواضعه ودماثة خلقه، صار ابن عباس" حبر هذه الأمة ..
ويصفه سعد بن أبي وقاص بهذه الكلمات : " ما رأيت أحدا أحضر فهما، ولا أكبر لبّا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حلما من ابن عباس .. ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، وحوله أهل بدر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس، ولا يجاوز عمر قوله " ..
وتحدث عنه عبيد بن عتبة فقال : " ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن عباس .. ولا رأيت أحدا، أعلم بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه .. ولا أفقه في رأي منه .. ولا أعلم بشعر ولا عربية، ولا تفسير للقرآن، ولا بحساب وفريضة منه .. ولقد كان يجلس يوما للفقه .. ويوما للتأويل .. يوما للمغازي .. ويوما للشعر .. ويوم لأيام العرب وأخبارها .. وما رأيت عالما جلس اليه الا خضع له، ولا سائلا الا وجد عنده علما " .. !!
ووصفه مسلم من أهل البصرة، وكان ابن عباس قد عمل واليا عليها للامام عليّ ابن أبي طالب، فقال : " انه آخذ بثلاث، تارك لثلاث .. آخذ بقلوب الرجال اذا حدّث .. وبحسن الاستماع اذا حدّث .. وبأيسر الأمرين اذا خولف .. وتارك المراء .. ومصادقة اللئام .. وما يعتذر منه " .. !!
وكان تنوّع ثقافته، وشمول معرفته ما يبهر الألباب .. فهو الحبر الحاذق الفطن في كل علم .. في تفسير القرآن وتأويله وفي الفقه .. وفي التاريخ .. وفي لغة العرب وآدابهم، ومن ثمّ فقد كان مقصد الباحثين عن المعرفة، يأتيه الناس أفواجا من أقطار الاسلام، ليسمعوا منه، وليتفقهوا عليه ..
حدّث أحد أصحابه ومعاصريه فقال : " لقد رأيت من ابن عباس مجلسا، لو أن جميع قريش فخرت به، لكان لها به الفخر .. رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب .. فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي : ضع لي وضوءا، فتوضأ وجلس وقال : أخرج اليهم، فادع من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله .. فخرجت فآذنتهم : فدخلوا حتى ملؤا البيت، فما سألوا عن شيء الا اخبرهم وزاد .. ثم قال لهم : اخوانكم .. فخرجوا ليفسحوا لغيرهم .. 
ثم قال لي : أخرج فادع من يريد أن يسأل عن الحلال والحرام .. فخرجت فآذنتهم : فدخلوا حتى ملؤا البيت، فما سألوا عن شيء الا أخبرهم وزادهم .. ثم قال : اخوانكم .. فخرجوا ..
ثم قال لي : ادع من يريد أن يسأل عن الفرائض، فآذنتهم، فدخلوا حتى ملؤا البيت، فما سألوه عن شيء الا أخبرهم وزادهم .. ثم قال لي : ادع من يريد أن يسال عن العربية، والشعر .. فآذنتهم فدخلوا حتى ملؤا البيت، فما سألوه عن شيء الا أخبرهم وزادهم " !!
وكان ابن عباس يمتلك الى جانب ذاكرته القوية، بل الخارقة، ذكاء نافذا، وفطنة بالغة ..
كانت حجته كضوء الشمس ألقا، ووضوحا، وبهجة.. وهو في حواره ومنطقه، لا يترك خصمه مفعما بالاقتناع وحسب، بل ومفعما بالغبطة من روعة المنطق وفطنة الحوار ..
ومع غزارة علمه، ونفاذ حجته، لم يكن يرى في الحوار والمناقشة معركة ذكاء، يزهو فيها بعلمه، ثم بانتصاره على خصمه .. بل كان يراها سبيلا قويما لرؤية الصواب ومعرفته ..
ولطالما روّع الخوارج بمنطقه الصارم العادل ..
بعث به الامام عليّ كرّم الله وجهه ذات يوم الى طائفة كبيرة منهم فدار بينه وبينهم حوار رائع وجّه فيه الحديث وساق الحجة بشكل يبهر الألباب ..
ومن ذلك الحوار الطويل نكتفي بهذه الفقرة ..
سألهم ابن عباس : " ماذا تنقمون من عليّ .. ؟ "
قالوا : " ننتقم منه ثلاثا : أولاهنّ: أنه حكّم الرجال في دين الله، والله يقول ان الحكم الا لله ..
والثانية : أنه قاتل، ثم لم يأخذ من مقاتليه سبيا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارا، فقد حلّت أموالهم، وان كانوا مؤمنين فقد حرّمت عليه دماؤهم .. !!
والثالثة : رضي عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين، استجابة لأعدائه، فان لم يكن امير المؤمنين، فهو أمير الكافرين .. "
وأخذ ابن عباس يفنّد أهواءهم فقال : " أما قولكم : انه حكّم الرجال في دين الله، فأيّ بأس ؟ ان الله يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ " فنبؤني بالله : أتحكيم الرجال في حقن دماء المسلمين أحق وأولى أم تحكيمهم في أرنب ثمنها درهم ؟؟ !! وتلعثم زعماؤهم تحت وطأة هذا المنطق الساخر والحاسم .. واستأنف حبر الأمة حديثه : " وأما قولكم : انه قاتل فلم يسب ولم يغنم، فهل كنتم تريدون أن يأخذ عائشة زوج الرسول وأم المؤمنين سبيا، ويأخذ أسلابها غنائم .. ؟؟ وهنا كست وجوههم صفرة الخحل، وأخذوا يوارون وجوههم بأيديهم ..
وانتقل ابن عباس الى الثالثة : " وأما قولكم : انه رضي أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين، حتى يتم التحكيم، فاسمعوا ما فعله الرسول يوم الحديبية، اذ راح يملي الكتاب الذي يقوم بينه وبين قريش، فقال للكاتب : اكتب .. هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله .. فقال مبعوث قريش : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك .. فاكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله .. فقال لهم الرسول : والله اني لرسول الله وان كذبتم .. ثم قال لكاتب الصحيفة : اكتب ما يشاءون : اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " .. !!
واستمرّ الحوار بين ابن عباس والخوارج على هذا النسق الباهر المعجز .. وما كاد ينتهي النقاش بينهم حتى نهض منهم عشرون ألفا، معلنين اقتناعهم، ومعلنين خروجهم من خصومة الامام عليّ .. !!
ولم يكن ابن عباس يمتلك هذه الثروة الكبرى من العلم فحسب. بل كان يمتلك معها ثروة أكبر، من أخلاق العلم وأخلاق العلماء ..
فهو في جوده وسخائه امام وعلم ..
انه ليفيض على الناس من ماله .. بنفس السماح الذي يفيض به عليهم من علمه .. !!
ولقد كان معاصروه يتحدثون فيقولون : " ما رأينا بيتا أكثر طعاما، ولا شرابا، ولا فاكهة، ولا علما من بيت ابن عباس " .. !!
وهو طاهر القلب، نقيّ النفس، لا يحمل لأحد ضغنا ولا غلا ..
وهوايته التي لا يشبع منها، هي تمنّيه الخير لكل من يعرف ومن لا يعرف من الناس ..
يقول عن نفسه : " اني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم .. واني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل، ويحكم بالقسط، فأفرح به وأدعو له .. ومالي عنده قضيّة .. !!
واني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به، ومالي بتلك الأرض سائمة .. !! "
وهو عابد قانت أوّاب .. يقوم من الليل، ويصوم من الأيام، ولا تخطئ العين مجرى الدموع تحت خديّه، اذ كان كثير البكاء كلما صلى .. وكلما قرأ القرآن .. فاذا بلغ في قراءته بعض آيات الزجر والوعيد، وذكر الموت، والبعث علا نشيجه ونحيبه ..
وهو الى جانب هذا شجاع، أمين، حصيف.. ولقد كان له في الخلاف بين عليّ ومعاوية آراء تدلّ على امتداد فطنته، وسعة حيلته ..
وهو يؤثر السلام على الحرب .. والرفق على العنف .. والمنطق على القسر ..
عندما همّ الحسين رضي الله عنه بالخروج الى العراق ليقاتل زيادا، ويزيد، تعلق ابن عباس به واستمات في محاولة منعه.. فلما بلغه فيما بعد نبأ استشهاده، أقضّه الحزن عليه، ولزم داره ..
وفي كل خلاف ينشب بين مسلم ومسلم، لم تكن تجد ابن عباس الا حاملا راية السلم، والتفاهم واللين ..
صحيح أنه خاض المعركة مع الامام عليّ ضد معاوية. ولكنه فعل ذلك لأن المعركة في بدايتها كانت تمثل ردعا لازما لحركة انشقاق رهيبة، تهدد وحدة الدين ووحدة المسلمين ..
وعاش ابن عباس يملأ دنباه علما وحكمة، وينشر بين الناس عبيره وتقواه ..
وفي عامه الحادي والسبعين دعي للقاء ربه العظيم وشهدت مدينة الطائف مشهدا حافلا لمؤمن يزف الى الجنان..
وبينما كان جثمانه يأخذ مستقره الآمن في قبره، كانت جنبات الأفق تهتز بأصداء وعد الله الحق :
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي
وَادْخُلِي جَنَّتِي " ..

أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قراراً بأن يكون يوم الاثنين الموافق 17 من شهر أبريل عام 2023 ميلادية، إجازة رسمية مدفوعة الأجر، بمناسبة عيد شم النسيم، وذلك للعاملين في الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات العامة، ووحدات الإدارة المحلية، وشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام، والقطاع الخاص.

اذا حملت المصحف بيمينك، واستقبلته بوجهك، ومضيت تتأنق في روضاته اليانعات، سورة سورة، وآية آية، فاعلم أن من بين الذين يدينونك بالشكر والعرفان على هذا الصنع العظيم، رجل كبير اسمه : زيد بن ثابت ... !!
وان وقائع جمع القرآن في مصحف، لا تذكر الا ويذكر معها هذا الصحابي الجليل ..
وحين تنثر زهور التكريم على ذكرى المباركين الذين يرجع اليهم فضل جمع القرآن وترتيبه وحفظه، فان حظ زيد بن ثابت من تلك الزهور، لحظ عظيم ..
هو أنصاري من المدينة ..
وكان سنّه يوم قدمها النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا، احدى عشرة سنة، وأسلم الصبي الصغير مع المسلمين من أهله، وبورك بدعوة من الرسول له ..
وصحبه آباؤه معهم الى غزوة بدر، لكن رسول الله ردّه لصغر سنه وحجمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من اترابه الى الرسول يحملون اليه ضراعتهم كي يقبلهم في أي مكان من صفوف المجاهدين ..
وكان أهلوهم أكثر ضراعة والحاحا ورجاء ..
ألقى الرسول على الفرسان الصغار نظرة شاكرة، وبدا كأنه سيعتذر عن تجنيدهم في هذه الغزوة أيضا ..
لكن أحدهم وهو رافع بن خديج، تقدم بين يدي رسول الله، يحمل حربة، ويحركها بيمينه حركات بارعة، وقال للرسول عليه الصلاة والسلام : " اني كما ترى رام، أجيد الرمي فأذن لي " ..
وحيا الرسول هذه البطولة الناشئة، النضرة، بابتسامة راضية، ثم أذن له ..
وانتفضت عروق أتلاتبه ..
وتقد ثانيهم وهو سمرة بن جندب، وراح يلوّح في أدب بذراعيه المفتولين، وقال بعض اهله للرسول : " ان سمرة يصرع رافعا " ..
وحيّاه الرسول بابتسامته الحانية، وأذن له ..
كانت سن كل من رافع وسمرة قد بلغت الخامسة عشرة، الى جانب نموهما الجسماني القوي ..
وبقي من الأتراب ستة أشبال، منهم زيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر ..
ولقد راحوا يبذلون جهدهم وضراعتهم بالرجاء تارة، وبالدمع تارة، وباستعراض عضلاتهم تارة ..
لكن أعمارهم كانت باكرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة ..
بدأ زيد مع اخزانه دوره كمقاتل في سبي لالله بدءا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة ..
كانت شخصيته المسلمة المؤمنة تنمو نموّا سريعا وباهرا، فهو لم يبرع كمجاهد فحسب، بل كمثقف متنوع المزايا أيضا، فهو يتابع القرآن حفظا، ويكتب الوحي لرسوله، ويتفوق في العلم والحكمة، وحين يبدأ رسول الله في ابلاغ دعوته للعالم الخارجي كله، وارسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها، يأمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فيتعلمها في وقت وجيز ..
وهكذا تألقت شخصية زيد بن ثابت وتبوأ في المجتمع مكانا عليّا، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم ..
يقول الشعبي : " ذهب زيد بن ثابت ليركب، فأمسك ابن عباس بالرّكاب .. فقال له زيد : تنحّ يا ابن عم رسول الله .. فأجابه ابن عباس : لا، هكذا نصنع بعلمائنا " ..
ويقول قبيصة : " كان زيدا رأسا بالمدينة في القضاء، والفتوى والقراءة، والفرائض " ..
ويقول ثابت بن عبيد : " ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد " .
ويقول ابن عباس : " لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم " ..
ان هذه النعوت التي يرددها عنه أصحابه لتزيدنا معرفة بالرجل الذي تدّخر له المقادير شرف مهمة من أنبل المهام في تاريخ الاسلام كله ..
مهمة جمع القرآن ..
منذ بدأ الوحي يأخذ طريقه الى رسول الله ليكون من المنذرين، مستهلا موكب القرآن والدعوة بهذه الآيات الرائعة .. (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم) ..
منذ تلك البداية، والوحي يصاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويخف اليه كلما ولّى وجهه شطر الله راجيا نوره وهداه ..
وخلال سنوات الرسالة كلها، حيث يفرغ النبي من غزوة ليبدأ بأخرى، وحيث يحبط مكيدة وحربا، ليواجه خصومة بأخرى، وأخرى .. وحيث يبني عالما جديدا بكل ما تحمله من الجدّة من معنى ..
كان الوحي يتنزل، والرسول يتلو، ويبلّغ، وكان هناك ثلة مباركة تحرّك حرصها على القرآن من أول يوم، فراح بعضهم يحفظ منه ما استطاع، وراح البعض الآخر ممن يجيدون الكتابة، يحتفظون بالآيات مسطورة .
وخلال احدى وعشرين سنة تقريبا، نزل القرآن خلالها آية آية، أو آيات، تلو آيات، ملبيا مناسبات النزول وأسبابها، كان أولئك الحفظة، والمسجلون، يوالون عملهم في توفيق من الله كبير ..
ولم يجيء القرآن مرة واحدة وجكلة واحدة، لأنه ليس كتابا مؤلفا، ولا موضوعا .
انما هو دليل أمة جديدة تبني على الطبيعة، لبنة لبنة، ويوما يوما، تنهض عقيدتها، ويتشكل قلبها، وفكرها، وارادتها وفق مشيئة الهية، لا تفرض نفسها من عل، وانما تقود التجربة البشرية لهذه الأمة في طريق الاقتناع الكامل بهذه المشيئة ..
ومن ثمّ، كان لا بد للقرآن أن يجيء منجّما، ومجرأ، ليتابع التجربة في سيرها النامي، ومواقفها المتجددة. وأزماتها المتصديّة ..
توافر الحفاظ، والكتبة، كما ذكرنا من قبل، على حفظ القرآن وتسجيله، وكان على رأسهم علي ابن ابي طالب، وأبيّ بن كعب، وعبد الله ابن مسعود، وعبد الله بن عباس، وصاحب الشخصية الجليلة التي نتحدث عنها الآن زيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين ..
وبعد أن تمّ نزولا، وخلال الفترة الأخيرة من فترات تنزيله، كان الرسول يقرؤه على المسلمين .. مرتبا سوره وآياته .. وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام شغل المسلمون من فورهم بحروب الردّة ..
وفي معركة اليمامة.. التي تحدثنا عنها من قبل خلال حديثنا عن خالد بن الوليد وعن زيد بن الخطاب كان عدد الشهدا من قرّاء القرآن وحفظته كبيرا .. فما كادت نار الردّة تخبو وتنطفئ حتى فزع عمر الى الخليفة أبي بكر رضي الله عنهما راغبا اليه في الحاح أن يسارعوا الى جمع القرآن قبلما يدرك الموت والشهادة بقية القرّاء والحفاظ .. واستخار الخليفة ربه وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له : " انك شاب عاقل لا نتهمك " .
وأمره أن يبدأ بجمع القرآن الكريم، مستعينا بذوي الخبرة في هذا الموضوع ..
ونهض زيد بالعمل الذي توقف عليه مصير الاسلام كله كدين .. !
وأبلى بلاء عظيما في انجاز أشق المهام وأعظمها، فمضى يجمع الآيات والسور من صدور الحفاظ، ومن مواطنها المكتوبة، ويقبابل، ويعارض، ويتحرّى، حتى جمع القرآن مرتبا ومنسقا ..
ولقد زكّى عمله اجماع الصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا يسمعونه من رسولهم صلى الله عليه وسلم خلال سنوات الرسالة جميعها، لا سيّما العلماء منهم والحفاظ والكتبة ..
وقال زيد وهو يصوّر الصعوبة الكبرى التي شكلتها قداسة المهمة وجلالها ..
" والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون عليّ مما أمروني به من جمع القرآن ".. !!
أجل .. فلأن يحمل زيد فوق كاهله جبلا، أو جبالا، أرضى لنفسه من أن يخطئ أدنى خطأ، في نقل آية أو اتمام سورة .. كل هول يصمد له ضميره ودينه .. الا خطأ كهذا مهما يكن ضعيفا وغير مقصزد ..
ولكن توفيق الله كان معه، كان معه كذلك وعده القائل : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" ..
فنجح في مهمته، وأنجز على خير وجه مسؤوليته وواجبه ..
كانت هذه هي المرحلة الأولى في جمع القرآن ..
بيد أنه جمع هذه المرة مكتوبا في أكثر من مصحف ..
وعلى لرغم من أن مظاهر التفاوت والاختلاف بين هذه المصاحف كانت شكلية، فان التجربة أكّدت لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وجوب توحيدها جميعها في مصحف واحد ..
ففي خلافة عثمان رضي الله عنه، والمسلمون يواصلون فتوحاتهم وزحوفهم، مبتعدين عن المدين، مغتربين عنها ..
في تلك الأيام، والاسلام يستقبل كل يوم أفواجا تلو أفواج من الداخلين فيه، المبايعين اياه، ظهر جليّا ما يمكن أن يفضي اليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين .. هنالك تقدم الى الخليفة عثمان فريق من الأصحاب رضي الله عنهم على رأسهم حذيفة بن اليمان مفسرين الضرورة التي تحتم توحيد المصحف ..
واستخار الخليفة ربه وشاور صحبه ..
وكما استنجد أبو بكر الصديق من قبل بزيد بن ثابت، استنجد به عثمان أيضا ..
فجمع زيد أصحابه وأعوانه، وجاؤوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر رضي الله عنها، وكانت محفوظة لديها، وباشر ويد وصحبه مهمتهم العظيمة الجليلة ..
كان كل الذين يعونون زيدا من كتاب الوحي، ومن حفظة القرآن ..
ومع هذا فما كانوا يختلفون، وقلما كانوا يختلفون، الا جعلوا رأي زيد وكلمته هي الحجة والفيصل ..
والآن نحن نقرأ القرآن العظيم ميسّرا، أو نسمعه مرتلا، فان الصعوبات الهائلة التي عاناها الذين اصطنعهم الله لجمعه وحفظه لا تخطر لنا على بال .. !!
تماما مثل الأهوال التي كابدوها، والأرواح التي بذلوها، وهم يجاهدون في سبيل الله، ليقرّوا فوق الأرض دينا قيّما، وليبددوا ظلامها بنوره المبين ..

برعاية أ.د. السيد الشرقاوي رئيس جامعة السويس، وبحضور السادة نواب رئيس الجامعة وعمداء الكليات، رائد أسرة طلاب من أجل مصر بالجامعة د. أحمد الدسوقي ولفيف من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وأعضاء الاتحادات الطلابية والعاملين برعاية الطلاب بمختلف كليات الجامعة نظمت أسرة طلاب من أجل مصر بجامعة السويس حفل إفطار جماعي أمام مبنى إدارة الجامعة.

وقد بدأ الحفل بتكريم لمقرري الأسرة من الطلاب، ثم تكريم للسادة عمداء الكليات بمناسبة دعمهم لمختلف أنشطة الاسرة، ثم تكريم السادة منسقى الأنشطة الطلابية بالكليات، وكذا منح شهادات التقرير للسادة مسئولي رعاية الطلاب المركزية والكليات .

وقد ألقى أ.د. السيد الشرقاوي رئيس الجامعة كلمة هنأ فيها الجميع بمناسبة شهر رمضان المبارك مؤكدا على أن ما تقوم به منظومة الأنشطة الطلابية بالجامعة يعد من أهم سواعد بناء شخصية أبنائنا الطلاب حيث تكشف عن المواهب وتُكسب خبرات، وتصقل المهارات لدى أبناءنا الطلاب؛ يستطيعوا أن يتحملوا مسئولية بناء مصرنا الحبيبة.

 كما أشار "الشرقاوي" الى ما يمثلة إفطار أسرة جامعة السويس مسلمين ومسيحيين معا في هذا اليوم من قيم حميدة تؤكد الود والتسامح الذي يعيشه أبناء الشعب المصري في وطن غالٍ يعيش في دمائهم، كما وجه رئيس الجامعة بضرورة العمل والاجتهاد لبناء مستقبل مصر بسواعد أبنائها. 

ومن جانبه فقد وجه د. أحمد الدسوقي رائد الأسرة كل الشكر والتقدير لمعالي رئيس الجامعة لما تلقاه الأسرة وأنشطتها من دعم وتوفير كافة الامكانات لأجل القيام بدورها في ممارسة مختلف الأنشطة الطلابية لرفع راية جامعة السويس في مختلف المحافل .

أصدر الدكتور أحمد السبكي، رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية، قرارًا بتكليف الدكتور إسماعيل الحفناوي، للعمل مديرًا لفرع الهيئة بمحافظة السويس.

وقد تخرج الدكتور إسماعيل الحفناوي، في كلية الطب جامعة القاهرة عام 2002، وحاصل على بكالوريوس الطب والجراحة، كما حصل على ماجستير أمراض النساء والتوليد من كلية الطب جامعة عين شمس عام 2010، والزمالة المصرية في 2015، وحصل على درجة الدكتوراه في أمراض النساء والتوليد جامعة الأزهر عام 2018، ودبلومة بجامعة برمنجهام بإنجلترا عام 2019، وزمالة مدربي مدربين الزمالة T2T بجامعة هارفارد.

وهذا، إلى جانب حصوله على ماجستير إدارة الأعمال MBA من جامعة ESLSCA، ودبلومات "إدارة الجودة الشاملة، إدارة المستشفيات" عام 2017.

وقد شغِّل الدكتور إسماعيل الحفناوي، عدة مناصب في قطاع الرعاية الصحية المصري، أبرزها:-

- رئيسًا لقسم أمراض النساء والتوليد بمستشفى دمياط التخصصي.

- وكيلًا أول بمستشفى دمياط التخصصي.

- مديرًا عامًا لمستشفى دمياط العام.

- وكيلًا لوزارة الصحة بمحافظة السويس.

- إلى أن شغِّل منصب مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالسويس في إبريل 2023.

في عام الرمادة، وحيث أصاب العباد والبلاد قحط وبيل، خرج أمير المؤمنين عمر والمسلمون معه الى الفضاء الرحب يصلون صلاة الاستسقاء، ويضرعون الى الله الرحيم أن يرسل اليهم الغيث والمطر ..
ووقف عمر وقد أمسك يمين العباس بيمينه، ورفعها صوب السماء وقال : " اللهم انا كنا نسقى بنبيك وهو بيننا .. اللهم وانا اليوم نستسقي بعمّ نبيّك فاسقنا " ..
ولم يغادر المسلمون مكانهم حتى حاءهم الغيث، وهطل المطر، يزفّ البشرى، ويمنح الريّ، ويخصب الأرض .. وأقبل الأصحاب على العباس يعانقونه، ويقبّلونه، ويتبركون به وهم يقولون : " هنيئا لك .. ساقي الحرمين " ..
فمن كان ساقي الحرمين هذا .. ؟؟
ومن ذا الذي توسل به عمر الى الله ومعر من نعرف تقى وسبقا ومكانة عند الله ورسوله ولدى المؤمنين .. ؟؟
انه العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
كان الرسول يجلّه بقدر ما كان يحبه، وكان يمتدحه ويطري سجاياه قائلا : " هذه بقيّة آبائي " ..
هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها ".. !!
وكما كان حمزة عمّ الرسول وتربه، كذلك كان العباس رضي الله عنه فلم يكن يفصل بينهما في سنوات العمر سوى سنتين أو ثلاث، تزيد في عمر العباس عن عمر الرسول ..
وهكذا كان محمد، والعباس عمه، طفلين من سن واحدة، وشابين من جيل واحد ..
فلم تكن القرابةالقريبة وحدها، آصرة ما بينهما من ودّ، بل كانت كذلك زمالة السنّ، وصداقة العمر ..
وشيء آخر نضعه معايير النبي في المكان الأول دوما.. ذلك هو خلق العباس وسجاياه ..
فلقد كان العباس جوّادا، مفرط الجود، حتى كأنه للمكلرم عمّها أو خالها .. !!
وكان وصولا للرحم والأهل، لا يضنّ عليهما بجهد ولا بجاه، ولا بمال ...

وكان الى هذه وتلك، فطنا الى حدّ الدهاء، وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش، استطاع أن يدرأ عن الرسول عليه الصلاة والسلام حين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء ..
كان حمزة كما رأينا في حديثنا عنه من قبل يعالج بغي قريش، وصلف أبي جهل بسيفه الماحق ..
أما العباس فكان يعالجها بفطنة ودهاء أدّيا للاسلام من لنفع مثلما أدّت السيوف المدافعة عن حقه وحماه .. !!
فالعباس لم يعلن اسلامه الا عام فتح مكة، مما جعل بعض المؤرخين يعدونه مع الذين تأخر اسلامه ..
بيد أن روايات أخرى من التاريخ تنبئ بأنه كان من المسلمين المبكّرين، غير أنه كان يكتم اسلامه ..
يقول أبو رافع خادم الرسول صلى الله عليه وسلم : " كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت ... وكان العباس يكتم اسلامه " ..
هذه رواية أبو رافع يتحدث بها عن حال العباس واسلامه قبل غزوة بدر ..
كان العباس اذن مسلما ..
وكان مقامه بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه خطة أدت غايتها على خير نسق ..
ولم تكن قريش تخفي شكوكها في نوايا العباسو ولكنها أيضا لم تكن تجد سبيلا لمحادّته، لا سيما وهو في ظاهر أمره على ما يرضون من منهج ودين ..
حتى اذا جاءت غزوة بدر رأتها قريش فرصة تبلو بها سريرة العباس وحقيقته ..
والعباس أدهى من أن يغفل عن اتجاهات ذلك المكر السيء الذي تعالج به قريش حسراتها، وتنسج به مؤامراتها .. ولئن كان قد نجح في ابلاغ النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أنباء قريش وتحرّكاتها، فان قريشا ستنجح في دفعه الى معركة لا يؤمن بها ولا يريدها .. بيد أنه نجاح موقوت لن يلبث حتى ينقلب على القرشيين خسارا وبوارا ..
ويلتقي الجمعان في غزوة بدر ..
وتصطك السيوف في عنفوان رهيب، مقررة مصير كل جمع، وكل فريق ..
وينادي الرسول في أصحابه قائلا : " ان رجالا من بني هاشم، ومن غير بني هاشم، قد أخرجوا كرها ، لا حاجة لهم بقتالنا .. فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله .. ومن لقي البختريّ بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله .. ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فانه انما أخرج مستكرها " ..
لم يكن الرسول بأمره هذا يخصّ عمّه العباس بميّزة، فما تلك مناسبة المزايا، ولا هذا وقتها ..
وليس محمد عليه الصلاة والسلام من يرى رؤوس أصحابه تتهاوى في معرة الحق، ثم يشفع والقتال دائر لعمه، لو كان يعلم أن عمه من المشركين ..
أجل .. ان الرسول الذي نهى عن أن يستغفر لعمه أبي طالب على كثرة ما أسدى أبو طالب له وللاسلام من أياد وتضحيات ..
ليس هو منطقا وبداهة من يجيء في غزوة بدر ليقول لمن يقتلون آباءهم واخوانهم من المشركين : استثنوا عمي ولا تقتلوه .. !!
أما اذا كان الرسول يعلم حقيقة عمه، ويعلم أنه يطوي على الاسلام صدره، كما يعلم أكثر من غيره، الخدمات غير المنظورة التي أدّاها للاسلام .. كما يعلم أخيرا أنه خرج مكرها ومحرجا فآنئذ يصير من واجبه أن ينقذ من هذا شأنه، وأن يعصم من القتل دمه ما استطاع لهذا سبيلا ..
واذا كان أبو البختري بن حارث وهذا شأنه، قد ظفر بشفاعة الرسول لدمه حتى لا يهدر، ولحياته كي لا تزهق ..
أفلا يكون جديرا بهذه الشفاعة، مسلم يكتم اسلامه ... ورجل له في نصرة الاسلام مواقف مشهودة، وأخرى طوي عليها ستر الخفاء .. ؟؟
بلى .. ولقد كان العباس ذلك المسلم، وذلك النصير ..
ولنعد الى الوراء قليلا لنرى ..
في بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحاج وفد الأنصار، ثلاثة وسبعون رجلا وسيدتان، ليعطوا الله ورسوله بيعتهم، وليتفقوا مع النبي عليه الصلاة والسلام على الهجرة الى المدينة، أنهى الرسول الى عمه العباس نبأ هذا الوفد، وهذه البيعة .. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يثق بعمه في رأيه كله ..

ولما جاء موعد اللقاء الذي انعقد سرا وخفية، خرج الرسول وعمه العباس الى حيث الأنصار ينتظرون ..
وأراد العباس ان يعجم عود القوم ويتوثق للنبي منهم ..
ولندع واحدا من أعضاء الوفد يروي لنا النبأ، كما سمع ورأى .. ذلكم هو كعب بن مالك رضي الله عنه : " .. وجلسنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وتكلم العباس فقال : يا معشر الخزرج، ان محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا فهو في عز من قومه ومنعة في بلده، وانه أبى الا النحياز اليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وان كنتم ترون أنكم مسلموه خاذلوه بعد خروجه اليكم فمن الآن فدعوه " ..
كان العباس يلقي بكلماته الحازمة هذه، وعيناه تحدقان كعيني الصقر في وجوه الأنصار .. يتتبع وقع الكلام وردود فعله العاجلة ..
ولم يكتف العباس بهذا، فذكاؤه العظيم ذكاء عملي يتقصّى الحقيقة في مجالها المادي، ويواجه كل أبعادها مواجهة الحاسب الخبير ..
هناك استأنف حديثه مع الأنصار بسؤال ذكي ألقاه، ذلك هو : " صفوا لي الحرب، كيف تقاتلون عدوّكم " !! ؟؟
ان العباس بفطنته وتجربته مع قريش يدرك أن الحرب لا محالة قادمة بين الاسلام والشرك، فقريش لن تتنازل عن دينها ومجدها وعنادها ..
والاسلام ما دام حقا لن يتنازل للباطل عن حقوقه المشروعة ..
فهل الأنصار، أهل المدينة صامدون للحرب حين تقوم .. ؟؟
وهل هم من الناحية الفنية، أكفاء لقريش، يجيدون فنّ الكرّ والفرّ والقتال .. ؟؟
من اجل هذا ألقى سؤاله السالف : " صفوا لي الحرب، كيف تقاتلون عدوّكم ".. ؟؟
كان الأنصار الذين يصغون للعباس رجالا كالأطواد ...
ولم يكد العباس يفرغ من حديثه، لا سيما ذلك السؤال المثير الحافز حتى شرع الأنصار يتكلمون ..
وبدأ عبد الله بن عمرو بن حرام مجيبا على السؤال : " نحن، والله، أهل الحرب.. غذينا بها، ومرّنا عليها، وورثناها عن آبائنا كابرا فكابر .. نرمي بالنبل حتى تفنى..
ثم
 نطاعن بالرماح حتى تنكسر .. ثم نمشي بالسيوف، فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا " .. !!

وأجاب العباس متهللا : " أنتم أصحاب حرب اذن، فهل فيكم دروع ".. ؟؟
قالوا : " نعم .. لدينا دروع شاملة " ..
ثم دار حديث رائع وعظيم بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الأنصار .. حديث سنعرض له ان شاء الله فيما بعد ..
هذا موقف العباس في بيعة العقبة ..
وسواء عليه أكان يومئذ اعتنق الاسلام سرا، أم كان لا يزال يفكّر، فان موقفه العظيم هذا يحدد مكانه بين قوى الظلام الغارب، والشروق المقبل، ويصوّر أبعاد رجولته ورسوخه .. !!
ويوم يجيء حنين ليؤكد فداءية هذا الهادئ السمت، اللين الجانب، حينما تدعو الحاجة اليها، ويهيب المواقف بها، بينما هي في غير ذلك الظرف الملحّ، مستكنّة تحت الأضلاع، متوارية عن الأضواء .. !!
في السنة الثامنة للهجرة، وبعد ان فتح الله مكة لرسوله ولدينه عز بعض القبائل السائدة في الجزيرة العربية أن يحقق الدين الجديد كل هذا النصر بهذه السرعة ..
فاجتمعت قبائل هوزان وثقيف ونصر وجشم وآخرون .. وققروا شنّ حرب حاسمة ضدّ الرسول والمسلمين ..
ان كلمة قبائل لا ينبغي أن تخدعنا عن طبيعة تلك الحروب التي كان يخوضها الرسول طوال حياته .. فنظن انها كانت مجرّد مناوشات جبلية صغيرة، فليس هناك حروب أشدّ ضراوة من حروب تلك القبائل في معاقلها .. !!
وادراك هذه الحقيقة لا يعطينا تقديرا سديدا للجهد الخارق الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فحسب، بل يعطينا تقديرا صحيحا وأمينا لقيمة النصر العظيم الذي أحرزه الاسلام والمؤمنون، ورؤية واضحة لتوفيق الله الماثل في هذا النجاح وذلك الانتصار ..
احتشدت تلك القبائل في صفوف لجبة من المقاتلين الأشدّاء ..
وخرج اليهم المسلمون في اثني عشر ألفا ..
اثنا عشر ألفا .. ؟؟
وممن .. ؟؟
من الذين فتحوا مكة بالأمس القريب، وشيعوا الشرك والأصنام الى هاويتها الأخيرة والسحيقة، وارتفعت راياتهم تملأ الأفق دون مشاغب عليها أو مزاحم لها .. !!
هذا شيء يبعث الزهو ..
والمسلمون في آخر المطاف بشر، ومن ثم، فقد ضعفوا امام الزهو الذي ابتعثته كثرتهم ونظامهم، وانتصارهم بمكة، وقالوا : " لن نغلب اليوم عن قلة " ..
ولما كانت السماء تعدّهم لغاية أجلّ من الحرب وأسمى، فان ركونهم الى قوتهم العسكرية، وزهزهم بانتصارهم الحربي، عمل غير صالح ينبغي أن يبرؤا منه سريعا، ولو بصدمة شافية ..
وكانت الصدمة الشافية هزيمة كبرى مباغتة في أول القتال، حتى اذا ضرعوا الى الله، وبرؤا من حولهم الى حوله، ومن قوتهم الى قوته، انقلبت الهزيمة نصرا، ونزل القرآن الكريم يقول للمسلمين : " .. وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) ..
كان صوت العباس يومئذ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال ..
فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية تهامة ينتظرون مجيء عدوّهم، كان المشركون قد سبقوهم الى الوادي وكمنوا لهم في شعابه وأحنائه، شاحذين أسلحتهم، ممسكين زمام المبادرة بأيديهم ..
وعلى حين غفلة، انقضّوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة، جعلتهم يهرعون بعيدا، لا يلوي أحد على أحد ..
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه الهجوم المفاجئ الخاطف على المسلمين، فعلا صهوة بغلته البيضاء، وصاح : " الى أين أيها الناس .. ؟؟
هلموا اليّ .. أنا النبي لا كذب ..
انا ابن عبد المطلب " ..
لم يكن حول النبي ساعتئذ سوى أبي بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وولده الفضل بن العباس وجعفر بن الحارث وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد وأيمن بن عبيد، وقلة أخرى من الأصحاب ..
وكان هناك سيدة أخذت مكانا عاليا بين الرجال والأبطال ..
تلك هي أم سليم بنت ملحان ..
رأت ذهول المسلمين وارتباكهم، فركبت جمل زوجها أبي طلحة رضي الله عنهما، وهرولت بها نحو الرسول ..
ولما تحرك جنينها في بطنها، وكانت حاملا، خلعت بردتها وشدّت بها على بطنها فيحزام وثيق، ولما انتهت الى النبي صلى الله عليه وسلم شاهرة خنجرا في يمينها ابتسم لها الرسول وقال : " أم سليم ؟؟ " ..
قالت : " نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله .. اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك، كما تقتل الذين يقاتلونك، فانهم لذلك أهل " ..
وازدادت البسمة ألقا على وجه الرسول الواثق بوعد ربه وقال لها : " ان الله قد كفى وأحسن يا أم سليم ".. !!
هناك ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، كان العباس الى جواره، بل كان بين قدميه بخطام بغلته يتحدى الموت والخطر ..
وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرخ في الناس، وكان العباس جسيما جهوري الصوت، فراح ينادي : " يا معشر الأنصار .. يا أصحاب البيعة " ...
وكانما كان صوته داعي القدر ونذيره ..
فما كاد يقرع أسماع المرتاعين من هول المفاجأة، المشتتين في جنبات الوادي، حتى أجابوا في صوت واحد : " لبّيك .. لبّيك " ..
وانقلبوا راجعين كالاعصار، حتى ان أحدهم لينحرن بعيره أو فرسه، فيقتحم عنها ويترجل، حاملا درعه وسيفه وقوسه، ميممّا صوب موت العباس ..
ودارت المعركة من جديد .. ضارية، عاتية ..
وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الآن حمي الوطيس " ..
وحمي الوطيس حقا ..
وتدحرج قتلى هوزان وثقيف، وغلبت خيل الله خيل اللات، وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين .. !!!
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العباس عمه حبا كبيرا، حتى انه لم ينم يوم انتهت غزوة بدر، وقضى عمه ليله في الأسر ..
ولم يخف النبي عليه السلام عاطفته هذه، فحين سئل عن سبب أرقه، وقد نصره الله نصرا مؤزرا أجاب : " سمعت أنين العباس في وثاقه " ..
وسمع بعض المسلمين كلمات الرسول، فأسرع الى مكان الأسرى، وحلّ وثاق العباس، وعاد فأخبر الرسول قائلا : " يا رسول الله .. اني أرخيت من وثاق العباس شيئا " ..
ولكن لماذا وثاق العباس وحده .. ؟
هنالك قال الرسول لصاحبه : " اذهب، فافعل ذلك بالأسرى جميعا " ..
أجل فحب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه لا يعني أن يميزه عن الناس الذين تجمعهم معه ظروف مماثلة .. وعندما تقرر أخذ الفدية من الأسرى، قال الرسول لعمه : " يا عباس .. افد نفسك، وابن اخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو وأخا بني الحارث بن فهر، فإنك ذو مال " .. وأرد العباس أن يغادر أسره بالفدية، قائلا : " يا رسول الله، اني كنت مسلما، ولكن القوم استكرهوني " ..
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أصرّ على الفدية، ونزل القرآن الكريم في هذه المناسبة يقول : " ييَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " .
وهكذا فدى العباس نفسه ومن معه، وقفل راجعا الى مكة .. ولم تخدعه قريش بعد ذلك عن عقله وهداه، فبعد حين جمع ماله وحمل متاعه، وأدرك الرسول بخيبر، ليأخذ مكانه في موكب الاسلام، وقافلة المؤمنين .. وصار موضع حب المسلمين واجلالهم العظيم، لا سيما وهم يرون تكريم الرسول له وحبه اياه وقوله عنه : " انما العباس صنو أبي ..
فمن آذى العباس فقد آذاني " .
وأنجب العباس ذريّة مباركة .. 
وكان حبر الأمة عبد الله بن عباس واحدا من هؤلاء الأبناء المباركين .. 
وفي يوم الجمعة لأربع عشرة سنة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين سمع اهل العوالي بالمدينة مناديا ينادي : " رحم الله من شهد العباس بن عبد المطلب " .
فأدركوا أن العباس قد مات ..
وخرج الناس لتشييعه في أعداد هائلة لم تعهد المدينة مثلها ..
وصلى عليه خليفة المسلمين يومئذ عثمان رضي الله عنه ..
وتحت ثرى البقيع هدأ جثمان أبي الفضل واستراح ..
ونام قرير العين، بين الأبرار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه !!

فيس بوك

Ad_square_02
Ad_square_03
.Copyright © 2025 SuezBalady